لا يجب أن يكون النقد نخبويا لكن هذا لا يعني أن يكون الناقد سطحيا
يجب أن تكون مفردات الناقد قريبة من الناس
يمكن للدراسات والكتب المتخصصة في المجال السينمائي أن تكون نخبوية لكن النقد لا يجب أن يكون كذلك
يري الصحافي والناقد السينمائي اللبناني، خليل حنون، أن المطلوب من الناقد السينمائي أن يشعر بنبض الجمهور، إذ لا يجب أن يكون النقد نخبويا، لكن هذا لا يعني أن يكون الناقد سطحيا. يمكن للدراسات والكتب المتخصصة في المجال السينمائي أن تكون نخبوية لكن النقد لا يجب أن يكون كذلك. يجب أن تكون مفردات الناقد قريبة من الناس.
أجرى الحديث: عبد اللطيف أبي القاسم
ما هي في نظرك أهم المهارات التي يفترض في الناقد السينمائي التوفر عليها؟
لا شك أن التوفر على ثقافة واسعة أمر مهم. فمن المهم للناقد أن يكون على اطلاع على الأدب وأن تكون له ثقافة سينمائية ويكون مواكبا لما يحصل في عالم الفن السابع ليستطيع قراءة الأفلام ضمن المسار الطويل لهذا الفن، ويعرف مسيرة مخرجيها والسياق الذي تنتج فيه. عنصر آخر مهم هو أن يمتلك الناقد الحرية في التعبير، وألا يكون هناك ما يقيده في قراءة الفيلم وألا يضع محاذير لذلك. وبما أننا في عصر التكنولوجيا والرقمنة، فإن المطلوب أيضا أن يواكب النقاد السينمائيون هذا العصر المتغير ويجدوا لأنفسهم مساحة في منصات التواصل الاجتماعي. بالأمس القريب كان النقد يكتب أساسا للجريدة والمجلات الورقية، لكن اليوم يجب أن يخاطب الناقد الجمهور من خلال منصات الإعلام الجديد أيضا.
هل تعتقد بضرورة العبور بتكوين أكاديمي محض لخوض غمار النقد السينمائي؟
لا شك أن التكوين الأكاديمي أمر مهم. لكن النقد السينمائي باعتباره تخصصا أكاديميا قد يكون غير موجود، سيما في العالم العربي، والعديد من النقاد اقتحموا هذا المجال بعد تخرجهم من دراسة السينما بشكل عام. صحيح أن هناك نقادا يتوسعون في الجانب التقني للأفلام التي يتطرقون لها، ومنهم من يتناول قراءة مضمونها ونوعها وطروحاتها لكن هناك مستجدات فرضت متغيرات على صعيد السينما والكتابة النقدية، من ضمنها ما طرأ على مستوى التقنية وطريقة العرض من خلال التحول من الشاشات الكبيرة إلى منصات العرض الرقمي. وهنا نستحضر مثلا الأفلام تعرض بتنقية Imax وأنتجت على هذا الأساس. فالذين شاهدوا فيلم Dunkirk للمخرج كريستوفر نولان بهذه التقنية التي صور بها وجدوه مبهرا، أما الذين رأوه على الشاشات العادية فقد وجدوه باهتا. ولذلك فعملية النقد لا بد أن تراعي هذا المعطى. هناك أيضا مسألة مشاهدة الأفلام على الشاشات الصغيرة، وهو أمر يضر بعملية النقد باعتبار ذلك لا يعطي إحساسا عارما بالفيلم كما هو الشأن بالنسبة لمشاهدته في السينما.
هناك من يعتبر أن كثيرا من مراجعات الأفلام والمقالات الخاصة بنقدها لا تعدو أن تكون انطباعات لصاحبها، وليست تحليلات قائمة على معرفة متخصصة بالمجال. ما رأيك؟
صحيح، وهذا حاضر في النقد السينمائي العالمي وليس العربي فقط. ففي هوليود على سبيل المثال، وللأسف، عاما بعد عام تختفي الأسماء الكبيرة في عالم النقد. وإذا أضفنا إلى ذلك أنه قد أصبح هناك سوق للنقد، فإن معظم ما يكتب من نقد للأفلام لا يعدو أن يكون انطباعات. لقد بتنا نلمس أن النقد الانطباعي هو الطاغي على النقد المتخصص في العالم أجمع. ومواقع التواصل الاجتماعي كرست هذا الجانب السلبي حيث أصبح كل من شاء يتصدى للنقد ويصف نفسه بالناقد. بالأمس كانت الصحافة كانت تقيد هذا الأمر وتعطي النقد حقه، أما في عصر التواصل الاجتماعي، فقد أصبح النقد متاحا للجميع، بل إنه جزء من الدعاية السينمائية للفيلم.
عادة ما يوظف الناقد السينمائي معجما متخصصا في مقالاته. هل يعني ذلك أن هذا النقد موجه للنخبة فقط؟ وما دور الناقد السينمائي في تعزيز اهتمام الجمهور بالفن السابع؟
برأيي، لا يجب أن يكون النقد نخبويا، لكن هذا لا يعني أن يكون الناقد سطحيا. يمكن للدراسات والكتب المتخصصة في المجال السينمائي أن تكون نخبوية لكن النقد لا يجب أن يكون كذلك. يجب أن تكون مفردات الناقد قريبة من الناس.
وبخصوص الشق الثاني من السؤال، فالمطلوب من الناقد السينمائي أن يشعر بنبض الجمهور، ليس لمسايرة هذا النبض وإنما ليعرف كيف يخاطبه ويجذبه إلى مشاهدة الأفلام، خاصة في القاعات السينمائية. يمكنه أن يضع جملة من فيلم هنا أو مشهدا من فيلم هناك ليثير رغبة الجمهور في مشاهدة الفيلم. لكن المشكلة اليوم هي أن الأفلام الطاغية هي الأفلام التجارية، وأصبحت الأمور تخضع لما يفرضه القائمون على التسويق، وهذا أمر مؤسف.
ماذا عن تجربتك في هذا المجال، سيما وأنك تتوفر على صفحة على (فايسبوك) يتابعها الآلاف من المستخدمين؟
صفحتي على فايسبوك يتابعها جمهور من مختلف الشرائح والأعمار، لكن القسم الغالب منهم هو جمهور يريد مشاهدة أفلام غير نمطية واكتشافها. لا أتحدث عن الأفلام الحديثة وإنما القديمة أيضا. وعلى ذكر الأفلام القديمة، هناك أفلام في السينما الصامتة تفاجئك بالمستوى البصري والتقني بمقاييس العصر التي أنتجت فيه. لذلك أحب تعريف الجمهور بهذه الأفلام وإعادة اكتشافها من جديد. تسرني الانطباعات التي أتوصل بها على أداء الصفحة، على أنني أحاول أن ألفت أثير فكرة أهمية تنويع الأفلام التي على المرء أن يشاهدها. ولذلك، فالذين يبدون اهتماما بأفلام الأبطال الخارقين مثلا، أسعى إلى لفت انتباههم إلى أفلام أخرى موجودة.
دعنا نستعرض قضية “الجرأة في معالجة الطابوهات في الأفلام السينمائية العربية. هل ترى ضرورة رسم حدود يتعين على المخرج والممثل احترامها قصد مراعاة ما يفترض أته “قيم أصيلة” للمجتمعات العربية؟
في واقع الأمر، تعريفي للجرأة لا يقوم على تحدي الطابوهات الموجودة في المجتمع فقط. فأن يقتل المخرج شخصية رئيسية في بداية مسلسل ما هو جرأة. وعندما تم استخدام إضاءة معتمة في الفيلم الأمريكي “العراب” للمخرج فرانسيس فورد كوبولا، مثلا، فذلك كان أيضا جرأة باعتبار أن هذا النوع من الإضاءة كان ممنوعا في هوليود التي تعتمد على الإضاءة اللامعة. الجرأة لا تنحصر في الجنس والدين، فهناك مجالات أخرى تتطلب الجرأة أيضا.
وبخصوص السينما العربية، يمكن القول إن السينما المستقلة منها طالما تعرضت للانتقاد باعتبارها تخضع لمزاج المنتج والجهة المنتجة الخارجية التي تنتقي المواضيع التي تناسبها. قسم مهم من السينما العربية التي تحظى بتمويل أوروبي على سبيل المثال، يخضع لهذا المزاج أو يقدم ما يلائمه، وهو أمر يجب أن ننتبه إليه. لقد صار الطابع العام للأفلام المستقلة كونها جريئة من حيث تناولها للدين أو الجنس، لكني أعتقد أنها يجب أن تخرج من هذا الطابع. أنا ضد الخضوع للجمهور نعم، لكنني أيضا ضد عدم الاكتراث له. وأعتقد أنه ليس من الضروري أن أعرض صورة امرأة عارية مثلا حتى أكون جريئا. إن صورتنا عن الجرأة في الأفلام السينمائية العربية صورة سطحية واستعراضية ولا تغوص في العمق.