بيت الفن
من أفلام المسابقة الروائية الطويلة للمهرجان الوطني للفيلم، التي تترأسها المخرجة المغربية فريدة بليزيد، “مباركة”، رابع فيلم سينمائي روائي طويل للمخرج المغربي محمد زين الدين، بعد “يقظة” (2003) “واش عقلتي على عادل؟” (2008)، و”غضب” (2013).
يحكي الفيلم قصة الشاب عبدو (المهدي لعروبي)، الذي يعيش بضواحي مدينة تجثم على ثروة معدنية ضخمة رفقة أمه بالتبني امباركة (فاطمة عاطف) التي حرمتها الظروف من نيل نصيبها من التعليم هي الأخرى، لكنها طورت مهاراتها الذاتية وتحولت إلى معالِجة لسكان الحي مما أكسبها هيبة ووقارا أمام الجميع.
يحاول الشاب التخلص من حالة الجمود التي يعيشها عبر الخوض في التعلم الذاتي للقراءة والكتابة. يكتشف عبدو إصابة صديقه اشعيبة (أحمد مستفيد)، البالغ من العمر ثلاثين سنة، بمرض جلدي، فينصحه بأن يقصد المدَاوِية لطلب العلاج.
يقوم الشاب الثلاثيني مكرها بما أملاه عليه صديقه، لكن حياته ستعرف منعطفات كثيرة نتيجة تطور العلاقة في ما بينه وبين معالجته، وارتكابه لعدة تصرفات طائشة، خصوصا أنه تحول من بيع السمك إلى امتهان السرقة، وتعنيف الناس وشتمهم، وهي أمور عرضته للمتابعة من الشرطة، فصار شخصا تصعب السيطرة عليه.
وحسب الناقد محمد اشويكة فقد اختار المخرج “تصوير وقائع وأحداث فيلمه بفضاءات مدينة هامشية، حيث صور بحساسية فنية تتناسب والحمولة النفسية والاجتماعية للشخوص، لكن اللافت في هذا الانتقاء قدرته على الدمج بينها، وتوحيدها بصريا رغم تباعدها الجغرافي، فبعض الأمكنة تتواجد بالدار البيضاء، ولكنها تنقل المتفرج إلى عوالم مدينة خريبكة ونواحيها مما يضفي على الحكاية صدقيتها الواقعية، ويمنحها انسجامها التخييلي القائم في عمقه على النبش في قضايا الهامش، ومناقشة الأوضاع المستعصية لسكان بعض المدن المعدنية الغنية بالمغرب استنادا على شخصيات يمتزج في نسجها الواقعي (الوثائقي) بالدرامي”.
ينبش الفيلم، حسب شويكة، في الذاكرة الفردية والجماعية معا، فالأولى تنبني على فعل التذكر الذي تقوم عليه كتابة السيناريو حينما يستدعي كاتب السيناريو/ المخرج ذكرياته الطفولية المرتبطة بالجدة وأصدقاء الشباب وما علق في ذهنه من مشاهدات، وتعمل الثانية على استحضار تقاليد الجماعة وردود أفعالها حيال الممارسات التي كانت تحدث داخل الجماعة.
إذ يعمل الفيلم على بلورتهما معا في قالب فني يسعى إلى مزج ما هو ذاتي وموضوعي، والقيام بعملية إسقاطٍ فنيٍّ للأحداث على شخوص الفيلم الذين قاموا بمجهودات تشخيصية كبيرة لإيصال تلك الذاكرة إلينا لاسيما أن المخرج سعى من خلال الكاستينغ إلى أن تكون شخصياته قريبة من حيث سحناتها وقسمات وجهها التعبيرية.