تميزت الدورة التأسيسية بتكريم المخرج والكاتب سعد الشرايبي باعتباره أحد أبرز رواد السينما المغربية…
بيت الفن
ودعت مدينة مراكش، مساء يوم الاثنين النسخة الأولى من مهرجان السينما والتاريخ، الذي نظمته جمعية “السينما والتاريخ” في الفترة من 24 إلى 27 يناير 2025 تحت شعار “السينما والذاكرة”.
وتميز حفل الاختتام بوقفة تكريمية لروح للفنان الراحل محمد حسن الجندي، حيث قدم مولاي امحمد الخليفة، القيادي السياسي والوزير السابق، شهادة حول الجندي قال فيها “إن صداقته بمحمد حسن الجندي لم تكن عابرة بل شاخصة ومستنيرة”، موثقا بعض تمظهرات هذه الصداقة التي تجاوزت الزمن إلى قيمة الروح والوجدان بـ”العلاقة” التي تطبعها الأمانة الأخلاقية والنضال السياسي والثقافة الأصيلة.
ودعا الخليفة أصدقاء الراحل وأسرته إلى إعادة توجيه بوصلة الإرث الذي تركه الجندي، كتابة وإبداعا، خصوصا مذكرات حياته، التي اعتبرها المتحدث “بوحا لم يقل كل شيء”، مهيبا بالمهرجان “أن يضطلع بمسؤوليات إحياء تراث الفنانين والمثقفين وتوثيق ما يصلح للتوثيق”.
من جانبه، أورد المؤرخ والباحث أحمد متفكر مجموعة من المعطيات حول حياة الفنان الراحل، مستعرضا جوانب مهمة من حياته وإسهاماته في مجالات الإبداع المسرحي والتلفزيوني والإذاعي والسينمائي.
ومن أقوى لحظات المهرجان تكريم المخرج سعد الشرايبي، خلال حفل الافتتاح باعتباره أحد أبرز رواد السينما المغربية، وعرض شريط فيديو حول عطاءات المحتفى به وإلقاء شهادات أجمعت على التنويه بالتجربة السينمائية المتميزة لشرايبي ومساهمته في تطوير الحقل السينمائي الوطني، فضلا عن عرض فيلمه السينمائي “عطش”.
وقال المخرج السينمائي، إن التكريم “شرف كبير له وقع خاص، وكذا تكليف يعطي شحنة جديدة للمضي قدما في إصدار أعمال سينمائية ذات قيمة أكبر”، مذكرا بأن جل أعماله السينمائية ترتبط بشكل وثيق مع التاريخ.
وأشار إلى أن المهرجان يعد تظاهرة خاصة، على اعتبار أنها تحاول الكشف عن العلاقة بين السينما والتاريخ من منظور البحث الأكاديمي والجامعي.
وتم عرض الفيلم الطويل “55” لمخرجه عبد الحي العراقي، والذي ترصد أحداثه، الأشهر الأخيرة من فترة الحماية بالمغرب، ومسلسل الكفاح من أجل عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى وتحرير البلاد.
وتدور أحداث هذا العمل الفني حول شخصية “كمال”، طفل في الحادية عشرة من عمره، يعيش بمدينة فاس إلى جانب جارته “عائشة” (18 سنة)، التي سيكتشف بفضلها المقاومة والمشاركة في النضال من أجل الاستقلال إلى جانب طلبة جامعة القرويين.
كما أقام مهرجان السينما والتاريخ بمراكش حفلا باذخا برياض دار الزليج، على شرف فناني المدينة من الذين ساهموا في الأفلام والمسلسلات التاريخية الوطنية والدولية. وألقى الناقد محمد آيت لعميم، بهذه المناسبة، كلمة باسم المهرجان، أثار فيها أهمية الاعتراف بطاقات فناني المدينة وإسهاماتهم في الدراما السينمائية والتلفزيونية الوطنية والعربية والدولية.
ودعا آيت لعميم إلى جعل هذه اللحظة مقاما عرفانيا لمواكبة الفنانين ودعمهم وإن بشكل رمزي، مؤكدا على توجه المهرجان لتكريم كل المحطات التي تم ترسيخها في الوجدان الوطني، مشددا على انفتاح المهرجان وإنصاته لكل المبادرات في هذا الشأن.
واختتم المهرجان بندوة وطنية “سينما الذاكرة.. التجربة المغربية”، سيرها الباحث محمد آيت لعميم، توشحت بمنطقيات تأويلية مختلفة، لكتاب ونقاد أجادوا في وضع أسئلة راهنية حول مفاهيم “السينما /الذاكرة” و”السينما /التاريخ” و”سينما التاريخ”.
وحسب المنظمين، يأتي مهرجان السينما والتاريخ، ليعمق الأسئلة التي ما فتئت تطرح حول قضايا الهوية المغربية ذات النسيج المتنوع والمتعدد والعمق التاريخي المغربي، وتقاليده الراسخة، وطرائق الاشتغال عليها بصريا وسينمائيا. كما يسعى المهرجان إلى وصل المشاهد المغربي مع ماضيه القريب والبعيد، في ما يتعلق بالأدوار التي اضطلع بها المغاربة في المقاومة بجميع أنماطها وأنواعها.
وتتوخى هذه التظاهرة، المنظمة من قبل جمعية “السينما والتاريخ”، الكشف عن طبيعة التعاطي السينمائي مع موضوع المقاومة في الذاكرة المغربية، وما مدى التأثير الذي أحدثته الأفلام التاريخية في الوجدان المغربي، إلى جانب الوقوف على النوعية الجمالية التي عملت هذه الأفلام على الكشف عنها.
وفي كلمة بالمناسبة، أكد رئيس المهرجان، مصطفى غلمان، أن مهرجان السينما والتاريخ، في دورته الأولى، يسعى إلى ترسيخ مفهوم جديد للثقافة السينمائية وجعلها أداة معرفية في خدمة الجامعة والمدرسة والمجتمع المدني، وكذا الارتقاء بها إلى جسر للتلاقح الثقافي بين الشعوب.
وأبرز أن المهرجان يستكشف العلاقة بين السينما والتاريخ، على اعتبار أن الوثيقة التاريخية تشكل مكونا أساسيا لفهم الأحداث بالنسبة للباحثين والمهتمين، مضيفا أن إدارة المهرجان ارتأت التركيز بشكل خاص، على موضوع المقاومة المغربية وبلورة معالمها ضمن السينما المعاصرة.
وأشار إلى أن هذه التظاهرة تحاول ترسيخ ثقافة الاعتراف بالهوية المغربية، وقراءة تاريخها من منظور حديث عبر الاعتماد على الفن السينمائي، وكذا الاستفادة من التطورات التكنولوجية والمعلوماتية المتاحة في هذا الميدان.
وتضمن برنامج هذه الدورة، عرض الفيلم الروائي الطويل “سيگا” لربيع الجوهري، إلى جانب أفلام تربوية قصيرة لفائدة تلاميذ مؤسسات تعليمية، وورشات في الفوتوغرافيا، والإخراج السينمائي، والتشخيص، والسيناريو، وندوة وطنية حول “سينما الذاكرة: التجربة المغربية الواقع والتحديات”، ولقاء مفتوح مع الممثل هشام بهلول حول “التمثيل والذاكرة”.