أحمد المعنوني

أحمد المعنوني.. تكريم مستحق لصاحب “الحال” بأكادير

يعتبر أحمد المعنوني، المزداد يوم 25 نونبر 1944 بالدار البيضاء، واحدا من المخرجين المغاربة القلائل، الذين ظلوا أوفياء لمستواهم الفني والفكري في السينما،..

بقلم: أحمد سيجلماسي

احتفت النسخة الـ14 من المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بالمخرج أحمد المعنوني الجمعة 9 يونيو 2023 بقاعة سينما “الصحراء” بمدينة أكادير، حيث تم عرض النسخة المرممة من شريطه الوثائقي “الحال”.

واعتبر المعنوني تكريمه، بأكادير مبعث فخر بالنسبة إليه لأن الأمر يتعلق بتظاهرة سينمائية مغربية دولية تعنى بالفيلم الوثائقي الذي يعتبر أصل السينما، دون أن تفوته الإشادة بالدور الذي يلعبه المنظمون في دعهم المواهب الشابة ونشر الثقافة السينمائية في أوساط الشباب.

وفي حديثه عن فيلمه الوثائقي “الحال”، الذي جرى عرضه ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بأكادير، قال إنه العمل المغربي الأكثر توزيعا على مستوى العالم، لأنه عرض في أغلبية دول العالم منذ تقديمه لأول مرة سنة 1981، مشيرا إلى أنه  فيلم يخاطب ثقافات وشعوبا أخرى، شاهدت مجموعة “ناس الغيوان”، ومن خلالها لمست الأشكال التعبيرية لشباب سنوات السبعينيات، إضافة إلى أنه بفضله اقترب الآخر  من تراثنا المغربي الذي سيظل محفوظا للأجيال القادمة.

أحمد المعنوني رائد السينما الوثائقية بالمغرب

يعتبر أحمد المعنوني، المزداد يوم 25 نونبر 1944 بالدار البيضاء، واحدا من المخرجين المغاربة القلائل، الذين ظلوا أوفياء لمستواهم الفني والفكري في السينما، خصوصا في أفلامه الطويلة الثلاثة “أليام أليام” (1978) و”الحال” (1981) و”القلوب المحترقة” (2007)، التي حظيت بانتشار واسع داخل المغرب وخارجه وحصدت جوائز وطنية ودولية، إذ رغم اختلاف مواضيعها ظلت بصمته حاضرة فيها كمبدع يتطور من عمل لآخر بحكم نضجه الفني ومراكمته لتجربة سمعية بصرية محترمة.

مما يسترعي الانتباه في مسيرة هذا المخرج البيضاوي تكوينه الرصين في العلوم الإقتصادية، الذي انطلق بمسقط رأسه واستمر بفرنسا إلى حدود 1969، وهي السنة التي تخرج فيها من جامعة باريس (دوفين). فهذا التكوين العلمي مكنه من أرضية ثقافية صلبة سيكون لها لاحقا تأثير في اختياره لمواضيع بعض أفلامه السينمائية والتلفزيونية المرتبطة أساسا بجوانب من واقع المجتمع المغربي وتاريخه المنسي. ولعل انجذاب المعنوني المبكر إلى المسرح، عشقه الأول منذ مرحلة التعليم الثانوي، وتكوينه داخل جامعة مسرح الأمم  بباريس ابتداء من سنة 1971، هو الذي عمق رؤيته الفنية للإنسان ومعاناته المختلفة وأكسبه قدرة هائلة على إدارة الممثلين بشكل جيد (فيلم “القلوب المحترقة” نموذجا). وقبل أن يدخل عالم السينما، ألف وأخرج مجموعة من المسرحيات من بينها “صدى الشباب” التي شارك في تشخيصها المبدع الجيلالي فرحاتي أواخر ستينيات القرن الماضي بباريس.

مارس أحمد المعنوني السينما أولا كهواية أو تمرين من خلال إنجازه لفيلمين وثائقيين قصيرين بالأبيض والأسود من مقاس 16 ملم هما “فونكس بالمغرب” (1972)  و”مهرجان طبركة” (1973) وفيلمين وثائقيين قصيرين آخرين بالفيديو هما “مسرح الكراكيز” (1973) و”الطفولة المهاجرة” (1974) قبل أن يتخرج سنة 1975 من المعهد الوطني العالي لفنون الفرجة (INSAS) بمدينة بروكسيل البلجيكية في تخصص التصوير السينمائي . ولعل هذه الدراسة السينمائية المتخصصة هي التي ستمكنه من تحقيق رغبة دفينة لديه تتمثل في التوثيق بالصورة والصوت لجوانب من تاريخنا (الشعبي) المعاصر في بعده الإجتماعي (فيلم “أليام أليام” عن ظاهرة الهجرة) أو الفني (فيلم “الحال” عن ظاهرة “ناس الغيوان” الفرقة الغنائية والموسيقية المغربية المشهورة) أو المنسي (فيلم “الكَوم المغاربة” (1992/ 52 د/ وثائقي بالفيديو عن المجندين المغاربة في صفوف الجيش الفرنسي إبان الحرب العالمية الثانية) أو السياسي ( فيلم “حياة وحكم محمد الخامس” (1999) وثلاثية “المغرب/فرنسا: تاريخ مشترك”، وهي أعمال تلفزيونية ) أو الأدبي (فيلم “أحاديث مع إدريس الشرايبي”).

إن التكوين العلمي والفني الرصين الذي تلقاه المعنوني، وعشقه الكبير للفنون (المسرح وأغاني وموسيقى فرقة “ناس الغيوان” نموذجا)، وممارسته الميدانية للكتابة والتصوير والإخراج… أثمرت سينما لها بصمتها الخاصة، تفرض احترامها على المتلقي المحلي والكوني. وهذه السينما ما هي إلا جزء من تجربة فنية تجاوز عمرها نصف قرن، وهذه التجربة لها أبعاد أساسية ثلاثة: بعد مسرحي وبعد سينمائي وبعد تلفزيوني.

فيما يتعلق بالبعد المسرحي يلاحظ أن المعنوني مارس التأليف والإخراج المسرحيين كهواية واحتراف، حيث كان المسرح هو منطلقه، علما بأن جل الذين نبغوا في السينما، كممثلين أو مخرجين أو كتاب أو غير ذلك، قدموا من المسرح (أب الفنون).

وفيما يتعلق بالبعد التلفزيوني يلاحظ أنه في غياب شروط احترافية لممارسة العمل السينمائي في المغرب، خصوصا في عقدي السبعينات والثمانينات، وفي غياب صناعة سينمائية حقيقية ومنتجين حقيقيين، اضطر المعنوني أن يشتغل لفائدة بعض القنوات التلفزيونية الفرنسية وغيرها، بعد استقراره بالديار الفرنسية، وذلك لكسب قوت يومه وضمان حد أدنى على الأقل من الحياة الكريمة. وهكذا أخرج سنة 1983 فيلما وثائقيا قصيرا بعنوان “ألعاب الغولف” وسلسلة برامج لفائدة القناة الثالثة الفرنسية بعنوان “فسيفساء” و”العيش المشترك” من 1983 إلى 1988، بالإضافة إلى الأعمال الوثائقية المذكورة أعلاه من قبيل “الكوم المغاربة” و”حياة وحكم محمد الخامس” وثلاثية “المغرب وفرنسا: تاريخ مشترك” المكونة من “قصة الحماية” و”المقاومات” و”التحديات الجديدة”، التي أنتجتها قناة “دوزيم” المغربية سنتي 2005 و2006، و”أحاديث مع إدريس الشرايبي” من إنتاج نفس القناة المغربية سنة 2007…

أما البعد السينمائي فيتمثل في أفلامه الطويلة الأربعة “أليام أليام” و”الحال” و”القلوب المحترقة” و”فاضمة” (2016) وأفلامه القصيرة والأفلام المغربية والأجنبية التي أدار تصويرها مثل: “اليوم الجميل” (1977)، وهو روائي قصير للمخرج الفرنسي جيل مونيكي، و”جرحة في الحائط” (1978)، من إخراج الجيلالي فرحاتي وإنتاج فريدة بن اليازيد، و”الملكة لير” (1982)، روائي طويل من إنتاج ألماني أخرجه التونسي مختار شرفي، و”أوهام” (1984)، روائي قصير من إنتاج أمريكي لجولي داش،  و”جنة الفقراء” (2002)، روائي طويل للمغربية إيمان المصباحي صور المعنوني جزءا منه بفرنسا في منتصف الثمانينات قبل أن يتمم تصويره بالمغرب محمد عبد الكريم الدرقاوي، وغيرها…

وما يلاحظ على هذا البعد الثالث هو أن الأفلام التي ألفها وأخرجها أحمد المعنوني تتميز بالحضور القوي للجانب التوثيقي فيها، فكل واحد منها يشكل وثيقة سينمائية أو مصدرا من مصادر تاريخنا المعاصر، يعكس بصدق وفنية بعض هموم ومعاناة وانكسارات وإحباطات وتطلعات الإنسان المغربي في لحظات معينة من تاريخه الفردي والجماعي. ولعل صدق هذه الأفلام وعمقها الإنساني وتمكن مبدعها من أدواته الفنية هي العناصر التي منحتها بعدا كونيا وجعلتها تحظى بإعجاب وتقدير عشاق السينما داخل المغرب وخارجه، والدليل على ذلك مشاركتها في العديد من المهرجانات الدولية عبر العالم ونيلها لجوائز واختيار “الحال” من طرف المخرج الأمريكي الكبير مارتن سكورسيزي، رئيس مؤسسة “سينما العالم” ليعرض ضمن فقرة “كلاسيكيات” بالدورة 60 لمهرجان “كان” السينمائي سنة 2007 بحضور المعنوني. وعلى ذكر فيلم”الحال”، الذي صور أولا بكاميرا 16 ملم ثم حول إلى مقاس 35 ملم، تبنت المؤسسة المذكورة مهمة ترميمه وإعادة استنساخه بغية حفظه من التلف كجزء من التراث السينمائي العالمي. ومعلوم أن هذا الفيلم، الذي راج عالميا واشترته العديد من القنوات التلفزيونية، هو الذي استلهم منه مارتن سكورسيزي موسيقى فيلمه “المحاولة الأخيرة للسيد المسيح” التي وضعها بيتر غابريال. الفضل إذن يرجع إلى فيلم “الحال” في التوثيق سينمائيا لتجربة مجموعة “ناس الغيوان” في الموسيقى والغناء، التي أحدثت ثورة ثقافية واجتماعية في مغرب بداية السبعينات من القرن الماضي، والتعريف بها على نطاق واسع.

تجدر الإشارة في الأخير إلى أن جمعية القبس للسينما والثقافة بالرشيدية قد أصدرت أواخر ماي 2011 كتابا جماعيا بعنوان “سينما أحمد المعنوني: الانتساب الواقعي والبعد الجمالي” تناول من خلاله ثلة من النقاد والباحثين تجربة المعنوني الفنية في شموليتها مع قراءات في أفلامه الطويلة.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

أحمد المعنوني

أحمد المعنوني يستعرض تجربته السينمائية في لقاء ثقافي بمدينة نيويورك

المعنوني: أعمالي السينمائية تركز على القضايا التي تسبر تاريخ المغرب والذاكرة الجماعية للمغاربة.. كما تعمل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *