قوانين الأوسكار تشترط وفق المادة 30 عرض الفيلم المرشح لمدة لا تقل عن أسبوع في بلده
بيت الفن
أثار الفيلم الروائي الطويل “بابيشا”، وهو إنتاج جزائري-فرنسي-بلجيكي، لمخرجته مونيا مدور، ضجة كبيرة بعد منع عرضه في الجزائر، رغم قبوله في ترشيحات القائمة الطويلة لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي 2020.
وفي الـ21 شتنبر الماضي كان مقررا عرض “بابيشا” للجمهور الجزائري، وأن تبدأ جولته في قاعات السينما عبر محافظات البلاد، قبل إلغاء العرض.
و”بابيشا”، عنوان العمل، مصطلح في اللهجة المحلية الجزائرية، يقصد به الفتاة الجميلة، لكن في بعض مدن البلاد المحافظة تعتبر هذه الكلمة مخلة بالآداب.
وأرجع المركز الجزائري لتطوير السينما سبب إلغاء العرض إلى أنه خارج عن نطاق سيطرته.
وجاء في بيان للمركز “نعلمكم بأسف أن العرض الأول لفيلم (بابيشا) لمونيا مدور، الذي كان مقررا في 21 شتنبر 2019 بقاعة ابن زيدون بالعاصمة قد ألغي”.
وأضاف “نتمنى للجزائريين الذين خاب أملهم بسبب هذا الإلغاء، الخارج عن نطاق سيطرتنا، أن يطمئنوا. نحن بصدق متعاطفون معهم ومتفهمون بعمق”.
وقال منتج الفيلم مصطفى حجاج، في تصريحات سابقة لوسائل إعلام فرنسية، إنه اضطر إلى “تأجيل العرض الافتتاحي وموعد طرح الفيلم بعد اتصال هاتفي من وزارة الثقافة”.
وأضاف حجاج “رغم حظر الفيلم في الجزائر، أخلت الأكاديمية بقواعدها لتسمح لـ(بابيشا) بالمشاركة في سباق الأوسكار”.
واختير “بابيشا” من قبل لجنة مختصة بوزارة الثقافة الجزائرية ليمثل الجزائر في ترشيحات أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
وتشترط قوانين أكاديمية الأوسكار وفق المادة 30 أن يتم عرض الفيلم المرشح في بلده الأصلي، والقيام بعروض تجارية لمدة لا تقل عن أسبوع.
وفي ظل هذا الجدل القائم بدأ في 9 أكتوبر عرض فيلم “بابيشا” بقاعات السينما الفرنسية، حسب ما أعلنه طاقم العمل على صفحته الرسمية على “إنستغرام”.
وقال فيصل شيباني، الصحافي المختص في الشأن السينمائي، “إلى حد الآن لا نعلم هل الفيلم منع من العرض أم تم تأجيله؟”.
وأضاف شيباني “في وقت ظهرت بعض التسريبات تقول إن الفيلم منع لأسباب سياسية، لأن طاقم الفيلم رفع شعار الحراك ‘يتنحاو قاع‘ (عبارة شهيرة في الحراك الشعبي الجزائري وتعني فليتنحوا جميعا)، ولكن لا شيء مؤكد لحد الآن بخصوص هذا الكلام”.
وبشأن ترشيح العمل إلى الأوسكار أشار شيباني إلى أن قواعد هذه المسابقة المرموقة واضحة ومعروفة. وأوضح أن “الأكاديمية تشترط أن يعرض الفيلم تجاريا داخل بلاده أولا حتى يتم قبوله”.
وتساءل المتحدث، “هنا نطرح السؤال لماذا رشحته وزارة الثقافة؟ وهل تجهل لجنة ترشيح الفيلم الجزائري القواعد الأساسية لمسابقة الأوسكار؟”.
وبالتالي فإن “مشاركة الأفلام الجزائرية أصبحت شكلية فقط بحكم أنها لا تصل إلى القائمة القصيرة، لذلك أصبح أمر الترشيح حدثا بلا قيمة، كما أن فيلم (بابيشة) وبالنظر إلى قيمته الفنية لا يمكن التعويل عليه”.
ويرى محمد أوراري المهتم بالشأن السينمائي أن ترشيح الفيلم للأوسكار يحمل كثيرا من التناقضات والغرابة. وقال أوراري، في تصريح له إن “الفيلم لم يعرض في البلد الذي يمثله، فكيف يختار ترشيحه؟”، مضيفا “علما أن من أهم شروط الترشيح هو أن يشاهده الجمهور في بلده الأم، لكن ليس غريبا أن يحصل هذا فالترشيح في الجزائر وبعض دول عالم الثالث هو مجرد بريستيج لدى الجهات الرسمية والوصية على قطاع السينما”.
وبحسب أوراري “هي مشاركة من أجل المشاركة فقط بالنسبة إلى الجهات الرسمية التي تمنع وتسمح في الآن ذاته”. وعلق قائلا “معروف أن الأفلام التي تتوج في هذه الفئة وراءها لوبيات، حكومات وإمكانيات هائلة”.
وخلف إلغاء “بابيشا” ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، فتباينت ردود أفعال النشطاء بين رافض ومتسائل عن السبب.
وكتب الصحافي محمد علال “مصدر رسمي أكد لي أن السلطة قررت معاقبة فريق فيلم ‘بابيشا‘ بمنع عرضه في الجزائر بسبب رفع المخرجة والممثلين لشعار ‘يتناحو قاع‘ ومطلب ‘جمهورية ثانية‘، فوق البساط الأحمر لمهرجان كان”. وأضاف “للأسف الدولة عندما أرادت التعبير عن غضبها قررت معاقبة الفيلم والجمهور”.
وغردت الكاتبة الجزائرية فايزة مصطفى، في تدوينة لها “يتجول فريق فيلم ‘بابيشا‘ في دول العالم ناقلا صوت الحراك وصوت التحرر، وهذا سلوك في منتهى الحضارة والوعي الذي يجب أن يتوفر في الفنان، وفي الإبداع معا”.
وأردفت “لكن، أليست الأولوية هي النضال في سبيل أن يصل الفيلم إلى الجمهور الجزائري؟ ألم يكن الأجدى والأهم لفريق العمل أن يتنقل إلى البلد ويطالب بعرض العمل وسيجد بالتأكيد المئات من الآلاف يدعمونهم؟”. وختمت قائلة “الفيلم هو عمل فني موجه للجمهور لمشاهدته وليس مجرد فكرة أو مشروع يمكن التعبير عنه في أي منبر”.
وحسب ملخص الفيلم، تدور قصة “بابيشا”، في تسعينات القرن الماضي بالجزائر، حول الفتاة نجمة (18 عاما)، لديها شغف بتصميم الأزياء والموضة، فلا تدع الأحداث المأساوية التي تشهدها بلادها (العشرية السوداء) تؤثر على خيارها عيْش حياة طبيعية رفقة صديقتها وسيلة، فتواجه ضغوطا من قبل المتطرفين الذين يريدون فرض قوانين جديدة كمنع التعري والسهر وغيرها، فتحارب من أجل استقلالها الشخصي بالتخطيط لتنظيم عرض للأزياء.
وتوج مؤخرا فيلم “بابيشا” بأكثر من جائزة في مهرجان “أنغوليم للفيلم الفرانكوفوني” بفرنسا، وأفضل فيلم بمهرجان الجونة السينمائي بمصر، وعرض في فئة “نظرة ما” بالدورة الأخيرة لمهرجان “كان” السينمائي.
ويشار إلى أن أكاديمية الأوسكار ستنشر لائحة قصيرة للأفلام المرشحة لأفضل فيلم أجنبي في دجنبر المقبل.