المهرجان الوطني للمسرح..نتائج تسائل الإنتاج والدعم

لعل طغيان الاقتباس والتباس التأليف هو ما جعل لجنة التحكيم تثير إشكالية النص المسرحي في هذه الدورة، لكنها بتتويج عمل ينتفي فيه هذا الشرط، فتحت على نفسها باب النقد رغم القيمة العلمية والمعرفية لعناصرها…

سعيدة شريف*

رغم التنظيم الجيد للمهرجان الوطني للمسرح بتطوان في دورته 24 وخلال الدورة السابقة بإشراف فني من المخرج المغربي محمود الشاهدي وطاقمه الشاب، إلا أن المستوى الفني للعروض المسرحية المقدمة خلاله (12 عرضا من ضمنها ثلاث مسرحيات بالأمازيغية الريفية) في المسابقة الرسمية لم يكن بالشكل المرضي لا للمخرجين ولا للجمهور الحاضر من النقاد والباحثين والمسرحيين، وذلك لأن تأخر إعلان نتائج الدعم وإلزام الفرق بوقت محدد وقصير من أجل إنجاز الأعمال، انعكس بشكل سلبي عليها، حيث لم تأخذ الفرق وقتها الكافي لإنجاز عروضها، وكانت أغلب العروض المقدمة في المهرجان بمثابة العروض الأولى أو ما قبل الأولى، وهو ما ضيع الفرصة على مجموعة من العروض المسرحية المهمة من مثل مسرحية “هم” للمخرجة أسماء هوري المعتمدة على نصوص للشاعر المغربي عبد الله زريقة، ولمسرحية “بريد” للمخرج بوسلهام الضعيف وغيرهما من المشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان، ما أثار سؤالي الدعم والإنتاج المسرحيين بالمغرب، وأي مسرح نريده؟

إشكالية النص والإغراق في التجديد

بمجرد إعلان نتائج الدورة 24 من المهرجان الوطني للمسرح المنظمة من 22 إلى 29 نوفمبر بمدينة تطوان، أعرب العديد من المسرحيين المغاربة المشاركين في المسابقة الرسمية وغير المشاركين عن تذمرهم وخيبتهم من تلك النتائج “غير المنصفة” برأيهم، والتي لم تأخذ بالاعتبار حتى الملاحظات التي قدمتها لجنة التحكيم، التي كان يرأسها الدكتور مولاي أحمد بدري، وبعضوية الدكتور عزالدين بونيت، والدكتور فؤاد ازروال، والفنان بوسرحان الزيتوني، والفنان عبد الكبير الركاكنة، والفنانة أمال بنعياد، والأستاذة أسماء لقماني( في تقريرها الذي سبق الإعلان عن النتائج والذي ركزت فيه على عنصرين أساسين: أولهما “عدم وضوح العلاقة التي يقيمها منتجو العروض المسرحية مع النص المسرحي الأصلي، سواء كانت بصيغة درامية أو شذرية، واستحالة التمييز بين نص الكاتب وما يدخل عليه من تعديلات تحت مسمى الإعداد وهو مسمى غامض، لا يقيم الحدود بين الإعداد المجرد والاقتباس، ما يمتد  إلى صعوبة الحكم على هذه النصوص في أفق إسناد جائزة النص، وهو ما سيؤدي إلى الحكم على النص المسرحي بالتلاشي والتآكل”، ولهذا دعت اللجنة وزارة الثقافة إلى تزويد لجان التحكيم في الدورات المقبلة بالنصوص المسرحية المعتمدة في صيغتها المرخصة من الكتاب للمخرجين من أجل الاشتغال عليها، وذلك لتوضيح حقوق التأليف والحقوق المعنوية لأصحابها، لأن هناك نصوص لا تغدو لها أي علاقة بأصحابها.

والملاحظة الثانية تتعلق بالإغراق في التجديد المتكلف في مجموعة من التجارب المسرحية المغربية المنفتحة على أساليب جديدة في الكتابة النصية والركحية، والذي يؤدي في النهاية إلى ضياع الأثر الجمالي المطلوب، وتفكيك العلاقة مع المتلقي، وهو ما حثت اللجنة على تلافيه، كما دعت اللجنة وزارة الثقافة إلى التفكير في التجديد الممكن للمهرجان الوطني للمسرح ليكون محطة مسرحية أساسية وليس حدثا عابرا، بل تتويجا لمسار مسرحي منطقي يبدأ بالموسم المسرحي وينتهي بالتتويج في المهرجان الوطني والاحتفاء بجهود المسرحيين المغاربة، حتى يكون بمثابة نافذة للعالم على المسرح المغربي.

مفارقات التتويج المسرحي

لكن المفارقة العجيبة، هي أنه رغم هذه الملاحظات القيمة فإن لجنة التحكيم قد توجت بالجائزة الكبرى عملا مسرحيا لا يتوفر فيه شرط النص، وهو مسرحية “فوضى” للمخرجة مريم الزعيمي، وهي أول عمل إخراجي لها، ولكنه رغم جودته فإن كاتب نصه أحمد السبياع قد أثار أثناء مناقشة العرض تدخل المخرجة في النص بنسبة تفوق 50 في المائة من دون علمه ولا حتى استشارته، وهو ما جعله يقول بأن هذا النص “لا يمثله إلا جزئيا”، ودعا المخرجة إلى كتابة نصوصها بنفسها، على عكس مجموعة من المخرجين الذين يحترمون عمله ويستشيرونه في كل صغيرة وكبيرة، مثل ما فعل المخرج محمود الشاهدي معه في مسرحية “آح وبردات”، التي اشتغلا عليها معا.

ولعل طغيان الاقتباس والتباس التأليف هو ما جعل لجنة التحكيم تثير إشكالية النص المسرحي في هذه الدورة، لكنها بتتويج عمل ينتفي فيه هذا الشرط، فتحت على نفسها باب النقد رغم القيمة العلمية والمعرفية لعناصرها، حيث لم يكن منح الجائزة الكبرى لذلك العمل المسرحي مبررا بما يكفي من العناصر، والتي كانت متوفرة، حسب متابعي المهرجان في مسرحية “آح وبردات” للمخرج محمود الشاهدي، الذي توج بأربع جوائز في الإخراج والتأليف للكاتب أحمد السبياع والتشخيص ذكور للممثل سعيد عامل، والتشخيص إناث للممثلة جليلة التلمسي، والذي كان يستحق الجائزة الكبرى عن جدارة واستحقاق، وذلك رغم بعض التنافي الذي رآه بعض متابعي المهرجان بين مهمته كمدير فني للمهرجان ومخرج مسرحي مشارك في المسابقة الرسمية. وعادت جائزة السينوغرافيا لأسماء هموش عن مسرحية “فوضى”، وجائزة الأمل للممثل الشاب أشرف مسياح عن العمل نفسه، فيما عادت جائزة الملابس لنادية فركاني عن مسرحية “في مكان ما” للمخرج محمد فركاني.

عروض المسابقة الرسمية

من بين 30 عملا مسرحيا توصلت بها وزارة الثقافة للمشاركة في المسابقة الرسمية تم انتقاء 12 عملا مسرحيا من قبل لجنة انتقاء العروض، المكونة من: الحسن النفالي رئيسا، والأعضاء: أحمد طنيش، عادل مديح، سيدي رضوان الشرقاوي، رفيقة بنميمون، وسيلة صابحي، ورحمة الناجي، وهي: مسرحية “إساءة” لفرقة نادي المرآة من فاس، ومسرحية “فوضى” لفرقة المسرحيين المتحدين من فاس، ومسرحية: “أبريذ غر اجنا” أي الطريق إلى السماء لفرقة أريف للثقافة والتراث من الحسيمة، ومسرحية “كو- فيد 81” لفرقة شارع الفن للإبداع من الدار البيضاء، ومسرحية “في مكان ما” لفرقة فركانيزم  من سلا، ومسرحية “الرابوز” لفرقة أوراس للمسرح الأمازيغي من الحسيمة، ومسرحية “نزهة” لفرقة الريف للمسرح الأمازيغي من الحسيمة، ومسرحية “الحافة” لفرقة مسرح أفروديت من الرباط، ومسرحية “آح وبردات” لفرقة نحن نلعب للفنون من الرباط، ومسرحية “جدار الضوء نفسه أغمق” لفرقة مؤسسة أرض الشاون للثقافات من شفشاون، ومسرحية “دوخة” لفرقة الحي للثقافة والتنمية من تمارة، ثم مسرحية “نشرب إذن” لفرقة مؤسسة علي زاوا – فرع فاس.

وقد استفادت هذه الأعمال من دعم الإنتاج المسرحي والتوطين باستثناء عملين هما: مسرحية “آح وبردات” وهي من إنتاج مسرح محمد الخامس بشراكة مع المركز الثقافي سعيد حجي، ومسرحية “نشرب إذن” التي مولها مركز علي زاوا -فرع فاس، وبعضها من تأليف مسرحيين مغاربة أو عرب مع اللبس الذي اعترى بعضها على مستوى التأليف، والآخر اقتباس من الريبرتوار المسرحي العالمي بلمسة إعداد مغربية أو ما يعرف ب “الاستنبات”، وهو ما أشارت إليه لجنة التحكيم في تقريرها الختامي. وقد طغت على المواضيع التي اشتغل عليها المسرحيون المغاربة مشاكل العلاقات الزوجية كالخيانة والشك وطغيان المصالح، وأسئلة الذات والهوية المتشظية والمجتمع والمرض والإدمان والعزلة والحرب وقوانينها واستغلال الدين، واستعادة مراحل قاسية من تاريخ المغرب كأحداث الدارالبيضاء عام 1981 في مسرحية “كو- فيد 81″، وقضية الطفل ريان الذي سقط في البئر، وكان حديث العالم في مسرحية “الحافة” التي أبدع في كتابتها الكاتب يوسف فاضل ومنحها هوية عُمالية أثار من خلالها مشاكل المهمشين وعمال المناجم المشتغلين بتزفيت الطرق. وكان أداء الممثلين رغم قصر مدة إنجاز الأعمال المسرحية، مميزا برزت فيه العديد من الطاقات الشابة رغم ظهورها في أكثر من عمل بالمسابقة، حيث كانت تبدع في التشخيص وتتلون بتلون الأعمال وتحول الشخصيات.

أما السينوغرافيا المعتمدة في هذه الأعمال فهي سينوغرافيا بديعة اجتهد فيها السينوغرافيون المغاربة: طارق الربح، يوسف العرقوبي، عبد المجيد الهواس، ياسين الزاوي، عبد الحي السغروشني، أسماء هموش، رضا العبدلاوي، محمد فركاني وآخرين، وكانت السينوغر افيا المعتمدة في مجملها وظيفية إلى أبعد الحدود، لدرجة أن البعض منها يتلاشى مع انتهاء العرض، كما هو الشأن مع السينوغرافيا الشفافة لمسرحية “جدار، الضوء نفسه أغمق” للسينوغراف ياسين الزاوي.

عروض أول إخراج

وفي بادرة مهمة، سجلت  الدورة 24 من المهرجان الوطني للمسرح بتطوان تنظيم لقاء مفتوح مع مخرجين مسرحيين شباب يخوضون غمار الإخراج لأول مرة قصد تقديم أعمالهم ورؤاهم الفنية والفكرية لجمهور المسرح للتعرف عليهم وعلى تجاربهم. ويتعلق الأمر بخمسة مخرجين، هم: أسامة العروسي مخرج عرض “موبيوس”، وآية جبران مخرجة عرض “الخادمات”، ورضا شراها مخرج عرض “زوكو”، وحنان العلام مخرجة عرض “غرق”، وهم جميعا من خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، إضافة إلى المخرج محمد العويسي صاحب عرض “قوقعة” الذي تكون في دور الشباب وفي الجمعيات الثقافية التي تهتم بالمسرح.

وتميز اللقاء المفتوح الذي جمعهم بجمهور المهرجان، بالبوح الصريح برؤاهم المسرحية وتوجهاتهم واهتماماتهم والقضايا التي تشغل بالهم سواء كانت صغيرة وكبيرة، وبحساسيتهم المرهفة وإيمانهم الكبير بالفن المسرحي، الذي ولج البعض منهم باب التكوين فيه عن اقتناع لأنه كان حلما لديه يغديه منذ صغره، ومنهم من ولجه بالصدفة فوجد فيه مجالا للعب وممارسة ما يعشقه، ومنهم من أتى إليه بعدما قضى سنوات في التكوين بالجمعيات ودور الشباب، فكان المعهد العالي للمسرح والتنشيط الثقافي هو البوابة الأساسية لصقل الموهبة والتكوين وتحقيق الحلم.

وفي حديثهم عن عملهم الإخراجي الأول، وهو الذي كان بحث تخرجهم المسرحي، أبرزوا اهتماماتهم وعللوا اختياراتهم، حيث كشفت المخرجة حنان العلام المتوجة بجائزة الإخراج في الدورة العاشرة من مهرجان المعاهد المسرحية عن مسرحيتها “غرق”، عن انفتاحها على تخصصات أخرى كالتصوير، وهو ما مكنها من التعبير عن مواضيع يتعذر إيصالها بالكلام فقط، مؤكدة أن هذه التخصصات لا تلغي النص بل تقويه.

ومن جهته أكد أسامة العروسي مخرج “موبيوس” أنه يشتغل أكثر على الجسد باعتباره طاقة دفينة للممثل، ويمنح للرقص والتعبيرات الجسدية حضورا كبيرا في العرض. وفيما يعطي محمد العويسي مخرج “قوقعة” المكون في دار الشباب بفاس الأهمية للشخصية الواحدة من أجل الغوص في عدة شخصيات أخرى، تحلق آية جبران بخيالها وتبني اختياراتها، كما قالت، من أشياء عابرة أحيانا لكنها تؤثر فيها كثيرا، مؤكدة أن حلم إخراج مسرحية “الخادمات”، بدأ معها منذ السنة الثانية في المعهد، وهو الأمر نفسه الذي أكده رضا شراها مخرج مسرحية “زوكو” الذي قال إنه اكتشف في المسرح اللعب الذي كان يعشقه منذ طفولته.

وبعد تخصيص موضوع الندوة الفكرية في العالم الماضي لموضوع الإخراج المسرحي، خصصت اللجنة المنظمة موضوع الندوة الفكرية لهذه الدورة لموضوع مهنة السينوغراف وأسئلة الإبداع المسرحي بالمغرب، ومقاربة الموضوع من زوايا متعدد تكشف علاقة السينوغراف بالمبدعين المتدخلين في مشروع العرض وهم: الكاتب والمخرج والممثل والمتفرج.

وقد كشفت هذه الندوة الفكرية عن الكثير من نقاط الضوء في عمل السينوغراف وعلاقاته بكل عناصر العرض، كما كشفت عن بعض الاختلالات التي تعتريها، بل غياب تلك العلاقة تماما بينه وبين الممثل، وهو ما عبرت عنه الممثلة أمل عيوش والممثل مالك أخميس، حيث لا يلتقي الممثل بالسينوغراف إلا في المرحلة النهائية من العمل، مع العلم أنه يمكن أن يعبر له عن رأيه ومدى تأقلمه مع الديكور والملابس والإنارة، وكل عناصر السينوغرافيا.

الشيء نفسه تمت إثارته في محور السينوغراف في علاقته بالجمهور، خاصة أن الجمهور هو أحد العناصر الأساسية في العملية المسرحية، ومن دونه لا يمكن للمسرح أن تقوم له قائمة، وأن تكون له فعالية. فهل يراعي السينوغراف ذائقة الجمهور واحتياجاته في تصوراته السينوغرافية أم لا؟ وعلى أي أساس يبنيها؟ هل من منطلق التلقي أم من منطلقات إبداعية خالصة؟ ,على أي حد يمكن القول إن سينوغرافيات أعمالنا المسرحية تشبهنا وتمثلنا؟

كما خصصت ورشات مسرحية ولقاءات لتقديم آخر الإصدارات في مجال المسرح ومعرضا للكتاب المسرحي، ونظمت معرضا للأزياء المسرحية عبر التاريخ تحت عنوان “حياكة الزمن: تاريخ وإبداع الأزياء المسرحية المغربية”، كشف عن البصمة المتميزة لمجموعة من مصممي الأزياء المسرحية وهم: ماريا الصديقي، بدر السعود الحساني، أسماء هموش، رفيقة بنميمون، طارق الربح، صفية معناوي، سناء شدال، ونورة إسماعيل.

ورغم مجموعة من النقاط الإيجابية التي سجلت في الدورتين الأخيرتين من المهرجان الوطني للمسرح بتطوان على مستوى التنظيم والإخراج الفني، فإنه ما زال يحتاج إلى المزيد من الاجتهاد وإلى إخراجه من ذلك الوقت الضيق الذي يتزامن مع مهرجان أيام قرطاج المسرحية بتونس، واختيار توقيت مناسب له، كما كان في السابق لما كان ينظم في مدينة مكناس في شهر يونيو أو يوليوز ليكون تتويجا للموسم المسرحي، ومحطة مسرحية ينتظرها كل المسرحيين المغاربة ويتنافسون على المشاركة فيها بعروض مختمرة وليس عروض أولى.

*إعلامية مغربية 

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

“هم” مسرحية مغربية تنافس على جائزة المسرح العربي بسلطنة عمان

أسماء هوري تعود للمنافسة على جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي بعد تتويجها في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *