معرض فني يقدم أعمالا تتيح لعشاق الفن فرصة نادرة للتعرف على عوالم نحات وتشكيلي متميز…
بيت الفن
يستضيف متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، معرضا استعاديا استثنائي بعنوان “أرمان: العنصر الفني”، احتفاء بالمنجز التشكيلي للفنان العالمي أرمان الذي يعد أحد أبرز فناني القرن العشرين.
ويجمع هذا الحدث الثقافي الكبير، المنظم من طرف المؤسسة الوطنية للمتاحف بتعاون مع “ذي أرمان مارتيال تراست”، 67 عملا فنيا بارزا لأرمان تستعرض مساره الإبداعي من 1950 إلى 2000.
ويستكشف المعرض الابتكارات التشكيلية لأرمان، رائد الحركة الواقعية الجديدة، من خلال مواضيع مختلفة من قبيل “التراكمات” و”كؤوس وغضب” و”الاحتراق”.
ويقدم المعرض أعمالا غير مسبوقة تنتمي للمجموعة الشخصية للفنان، متيحا للجمهور المغربي فرصة فريدة للتعرف على عوالمه الفنية.
وفي هذا الصدد، أبرز رئيس المؤسسة الوطنية للمتاحف المهدي قطبي أن هذا المعرض الاستعادي يكتسي أهمية خاصة، حيث أنه يمثل بداية الاحتفالات بالذكرى العاشرة لتأسيس متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، التي تصادف الذكرى العشرين لوفاة أرمان.
وأضاف أن هذا المعرض يجمع أعمالا تبرز الحوار الأزلي بين الإنسان وبيئته، ويكرم العبقرية الإبداعية للفنان.
وأكد قطبي أنه “باستكشاف عوالم أرمان، نسافر إلى عالم فريد يتحرر فيه العنصر من وظيفته النفعية ليصبح مصدرا للتأمل والتساؤل والشعر”، مشيرا إلى أن أرمان كان “مناضلا لا يكل من أجل حقوق الإنسان”.
من جهته، شدد سفير فرنسا بالمغرب كريستوف لوكورتييه على الأهمية الكبيرة للعلاقة الثقافية بين المغرب وفرنسا، مبرزا أنها تضطلع بدور أساسي في تنمية وتعزيز الصداقة بين البلدين.
من جانبها، أعربت أرملة الفنان كوريس أرمان عن خالص شكرها للمؤسسة الوطنية للمتاحف، مشيرة إلى أن أرمان “كان سيفخر بهذا التكريم بالمؤسسة الأولى في المملكة المكرسة بالكامل للفن الحديث والمعاصر”.
وشهد هذا المعرض الاستعادي لحظة قوية عندما تبرعت كوريس أرمان بتحفة فنية، ستعرض بشكل دائم بساحة المتحف. ومن شأن هذه المساهمة أن تثري مجموعات متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، وأن ترمز لأهمية فن أرمان في التراث الثقافي المعاصر.
ويدعو المعرض، الذي يشرف عليه جيروم نوتريس وعبدالعزيز الإدريسي، الزوار لاكتشاف كيف أعاد أرمان تعريف حدود الفن من خلال تحويل الأشياء اليومية إلى أعمال فنية رائعة. ويبرز المعرض مقاربته المتنورة تجاه مجتمع الاستهلاك وعواقبه، وهي رسالة لا تزال صالحة في السياق الحالي.
إن المعرض الاستعادي الذي تجري فعالياته في الرباط اليوم. ليس مجرد دعوة لزيارة هذا الفنان في منحوتاته الغرائبية وعالمه الأغرب. وإنما، دعوة لتكريم فنان تألق رغم افتراقه عن قواعد الفن التي لا تزال سارية لغاية اليوم. وتمرد على كل القوالب الفنية التي عاشها القرن العشرون. وهو لذلك معرض مهم وممتع.
ومن خلال الاحتفاء بأعمال أرمان، يواصل متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر مهمته في الترويج للفن والثقافة في المغرب، وتعزيز مكانته كملتقي رئيسي لمحبي الفن وعموم الجمهور.
الرسام والنحات والفنان التشكيلي أرمان، اسمه الحقيقي بيار أرمان فرنانديز، ولد في 17 نونبر 1928 في نيس وتوفي في 22 أكتوبر 2005 بنيويورك.
وكان أرمان رائدا في استخدام العناصر المصنعة كمادة تصويرية، ورأى أن هذه المواد تعد امتدادا طبيعيا ومتعددا لليد البشرية، وهي خاضعة لدورة متواصلة من الإنتاج والاستهلاك والتدمير.
تربى أرمان مع والدته مارغريت جاكيه، التي كانت مزارعة ولم توفق مع زواجها بأبيه الذي كان أحد أهم تجار التحف القديمة في نيس. فكان أن تفتحت عيناه على ثلاث مآس في وقت واحد. مأساته العائلية بانفصال أبيه عن أمه ومأساة الفقر الذي حل بالعالم وأوروبا في ذلك الوقت. ومأساة الحرب الكونية الثانية وأهوالها.
أحب الرسم منذ نعومة أظافره فدرس في مدرسة الفنون الزخرفية في نيس ثم اتجه صوب باريس والتحق بمدرسة اللوفر. وأنهى رحلة حياته في نيويورك. ربما لأنها المدينة التي تأثر بها كثيرا، لضخامتها.
عرف عن أرمان اشتغاله على أسلوب مميز في الفن، فهو كسر كل القوالب الفنية التي ورثت عن عصر النهضة في التشكيل وعن الموروث النحتي الروماني والإغريقي. فعمل على منحوتات لا تشبه الذائقة الكلاسيكية من خلال استعماله لمواد لم تكن تستخدم في النحت من قبل مثل البلاستيك والأشياء المهملة التي حولها إلى أيقونات فنية غاية في الجمال.
وقد ساهمت الحرب التي عاشها صغيرا في تشكل وعي مغاير عن مجايليه وحتى عن أسلافه. فقام باستخدام أدوات الحرب، القاتلة، كرموز في بنائية الإنسان المعاصر. محولا إياها، من أدوات قتل وتدمير إلى مجرد منحوتات صامتة رمزية لا تفعل شيئا سوى أنها وجدت للتعبير عن صمتها.