تكريما لوالدته ولكل الأمهات اللواتي ضحين من أجل مستقبل أطفالهن
بيت الفن
شرعت القاعات السينمائية المغربية، منذ يوم الأربعاء 14 شتنبر 2022، في عرض فيلم «لعزيزة» إنتاج أسماء كريميش سيناريو وإخراج محسن البصري، بطولة فاطمة الزهراء بن ناصر، وعمر لطفي، ورشيد الوالي، وزكريا عاطيفي…
على مدى 82 دقيقة، يأخذنا محسن البصري في رحلة على الطريق وعبر دهاليز ذاكرته، مستكشفا تلك اللحظة المصيرية التي اضطر فيها للانفصال عن أمه.
في فيلمه “لعزيزة”، الذي سبق عرضه في مهرجانات دولية عديدة، من بينها القاهرة السينمائي وأيام قرطاج والرباط لسينما المؤلف، ومهرجان الدار البيضاء للفيلم العربي، يحكي البصري قصة رحلته مع والدته من قريته إلى العاصمة الرباط ليعيش مع والده الذي ترك الأم دون تفسير وهي حامل في شهرها السابع.
وحسب الناقد السينمائي، أحمد سيجلماسي، فقد تألقت بطلة الفيلم الممثلة فاطمة الزهراء بناصر كعادتها في دور أم شابة ضحت بكل شيء من أجل أن يتمدرس ابنها الوحيد. فرغم تطليقها وطردها من البيت من طرف زوجها وهي حامل، ورغم ضغوطات أسرتها أبت إلا أن تلحق طفلها (5 سنوات) بأبيه ليتمدرس في كنفه بالرباط. لقد حرمت وهي طفلة من المدرسة، ولهذا قررت ألا يحرم طفلها الصغير من متابعة دراسته وبناء مستقبله.
ويمكن اعتبار الفيلم، الذي عاد فيه مخرجه محسن البصري إلى جزء من سيرته الذاتية طفولته، بمثابة تكريم لوالدته التي لولا تضحيتها هاته لما وصل إلى ما وصل إليه من مستوى تعليمي جامعي.
الفيلم ينتمي لأفلام الطريق، لكنه على النقيض من أفلام كثيرة تنتمي لهذه النوعية، يخلو من الحبكة والصراع الخارجي باستثناء معاناة شخصية الأم الداخلية وصراعها بين حبها الشديد لابنها وتعلقها به وبين قرارها إرساله للأب كي يحصل على فرصة أفضل في التعليم، الذي حرمت هي منه.
وبميزانية لا تتجاوز 250 مليون سنتيم، يخصص البصري، الذي أخرج وكتب الفيلم، القسم الأكبر من الشريط لتوثيق رحلة الطفل (إحسان) مع أمه (لعزيزة) في حافلة متجهة للرباط. وبالموازاة مع تلك الرحلة يعرض الفيلم عبر تقنية الـ“فلاش باك” تستعرض لمحات من حياة الأم في الطفولة ليخلق رابطا قويا بين الطفلة المستسلمة التي أخرجها والداها من المدرسة وأجبراها على الجلوس في المنزل بانتظار زوج المستقبل، والأم العازمة على أن يحصل ابنها على مستقبل أفضل.
يغلب على الفيلم طابع وثائقي واضح وكأن المخرج، رغم حميمية التجربة وخصوصيتها، أراد أن ينتزع نفسه من ذكرياته الشخصية لينظر لها عن بعد. يختار لذلك بشكل واع ألا يتضمن الشريط أي موسيقى تصويرية. يختار كذلك ألا يستغرق في التفاصيل عن أسباب انفصال الأب عن الأم ويفضل بدلا من ذلك التركيز على الرحلة وتداعياتها المصيرية على الأم وابنها.
ورغم واقعيته لا يخلو الفيلم من لمسة خيال. فالطفلة (لعزيزة) تصاحب (لعزيزة) الأم طوال الطريق لتذكرها بما تركته خلفها وتعينها على ما هي مقبلة عليه.
وشدد المخرج محسن البصري على أن بطء إيقاع فيلمه مقصود، إذ يتذكر كيف بدت الرحلة التي استغرقت بضع ساعات، وكأنها استغرقت عاما من الوقت، بل ويعكس ذلك من خلال ساعة الحافلة المتوقفة نتيجة عطل وكأن عقاربها، مثل الطفل، تأبى أن ينقضي الوقت وأن تصل الحافلة إلى وجهتها.
يشار إلى «لعزيزة» هو ثالث فيلم روائي طويل للمخرج محسن البصري، بعد فيلمه الأول «المغضوب عليهم»، و«طفح الكيل».
ومحسن البصري مخرج مغربي ولد سنة 1971 في مدينة مكناس، تابع دراسته الجامعية في شعبة الفيزياء بكلية العلوم بمدينة الرباط، انتقل بعد ذلك إلى سويسرا لدارسة الإعلام، ثم عمل مدرسا لمادة الرياضيات. وبعد تجارب متعددة كمساعد مخرج، بدأ مساره السينمائي.