الأفلام الأمازيغية مهمشة وتحتاج لكوطا كالأشرطة الوثائقية الحسانية وإنتاجات الخواص تحتاج للدعم لاستمرارها
حكيم القبابي*
منذ أزيد من عشر سنوات وأنا أضع مشاريع أفلام مختلفة المواضيع والأساليب بهدف الحصول على دعم لجنة الأفلام السينمائية التابعة للمركز السينمائي المغربي، رؤساء وأعضاء لجان مختلفة مروا ولا أحد أنصف كل هذه المجهودات بأسباب جد واهية و غريبة.
جالست كل رؤساء اللجان وأعضائها، من عبد الكريم برشيد ومبارك ربيع وفاطمة الوكيلي وغيثة الخياط، وكلهم رفضوا أفلامي بمبررات غريبة وتافهة.
أغلبية الأعضاء ذوو ثقافة فرنسية ولا علاقة حقيقية لهم بالسينما والواقع السينمائي المغربي، ولم تطأ قط أقدامهم موقع تصوير ولا يعرفون ظروف صناعة فيلم، سيرهم الذاتية فارغة من أي عمل سينمائي متميز، فقط يكتبون أسطرا هنا وهناك ويحضرون مهرجانات كأعضاء لجان تحكيم أو كضيوف سياح، أفضلهم يحمل سيف النقد السينمائي، يحابون الأسماء القديمة والأصدقاء و الخلان.
أستغرب كيف لرئيسة اللجنة فرنكفونية الثقافة، أن تقرأ سيناريو مكتوب باللغة العربية و تحكم على جودته من ضعفه، أسئلتهم تنم عن ضعف شديد في قراءة السيناريو وفك رموزه، يستدعون فقط المخرج دون السيناريست والمنتج، ويطرحون أسئلة فارغة ويتناوبون على جلد الجالس أمامهم دون معرفة أعماله السابقة أو مساره الإبداعي، كيف للمخرج أن ينوب عن السيناريست في الدفاع عن قيمة السيناريو وكيف للمخرج أن ينوب عن المنتج وهي مهنة أخرى لا علاقة لها بالإخراج السينمائي. لا فرق لديهم بين هذا و ذاك.
تمنيت لو يناقشوا معي رؤيتي الإخراجية وكيف سأصور الشريط و كيف اخترت الممثلين وكيف سأدير تشخيصهم و كيف علاقتي بمدير التصوير وأين سأصور الشريط؟ لا شيء من هذا يحصل.
الاجتماع الأخير الذي مر يوم الأربعاء 27 يوليوز 2022 بأحد الفنادق الفخمة بالدار البيضاء، أظهر لي كما المعتاد أنهم يقتلون السينما المغربية بوعي أو بدون وعي، الرئيسة كان همها هو القناع الطبي الذي أضعه في وجهي فكلما سقط قليلا تطالبني بإعادته قاطعة حبل أفكاري ولا سؤال طرحته علي، وأسئلة باقي الأعضاء كانت غريبة تبين ضعف مستواهم السينمائي، وعدم تمكنهم من فهم تطور الشخصيات والأحداث، وهي محصلة عدم قراءتهم لمشروعي أو عدم الاهتمام به كما يلزم، أخبروني بأنني أخذت أطول مدة في النقاشات مقارنة مع باقي المشاريع الأخرى، مع العلم أن المدة لم تتجاوز نصف ساعة، سرعة في قراءة ودراسة المشاريع وغياب أطراف المشاريع وحكم مسبق على الشخص الجالس.
كيف لهذه اللجنة أن تقرأ وتحلل وتناقش 82 مشروعا بين الأفلام الطويلة والقصيرة والوثائقية في مدة قياسية لا تتعدى بضعة أشهر وكلهم لهم مهن أخرى بعيدة عن السينما و ارتباطات خارج مهامهم كأعضاء اللجنة. كيف يجدون الوقت لكل هذا؟ غريب هذه القدرة التي لديهم.
فقط خلال عمر هذه اللجنة، قدمت أربعة أشرطة مختلفة الأفكار و الأسلوب في محاولة مني للبحث عن النوع التي تفضله هذه اللجنة الغريبة: شريط “البحث عن سي احمد”، حكاية رجل يبحث عن السعادة وغادر منزله لمدة 15 سنة يطوف كل مناطق المغرب ليعود ليموت بين أحضان أسرته، شريط “لابيسين” يحكي عن أزمة ندرة المياه بأسلوب كوميدي، وهو ما نعيشه اليوم ويبين ضعف استشراف اللجنة لمواضيع الساعة، شريط “الدوامة” ويحكي عن محامية تدافع عن مغتصب للأطفال و تصارع المجتمع من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، والشريط الأخير بسيكودراما مغربية ”حياة سعيدة” يحكي عن خادمة تعيسة تعشق مشغلها و تقوم بقتل كل من يضايقه.
و في كل مرة يرفض مشروعي أقوم بتصحيحه حسب ملاحظاتهم وآرائهم وأدفعه مجددا ويتم رفضه بدون سبب وجيه. كل مرة أحاول تغيير أسلوب كتابتي وتصوراتي الفنية من أجل فك طلاسم الأفلام التي تفضلها اللجنة ولا حياة لمن تنادي.
ماذا يريدون بالضبط ؟ لا أعرف، هل هناك تصور معين لديهم؟ لا أعتقد. بدليل أن مخرجين وزوجاتهم وخلانهم أخذوا الدعم مرتين و ثلاث خلال في السنوات العشرة الأخيرة بل وهناك مخرجون لا مسار إبداعي لهم لا في السينما ولا في التلفزة ويحصلون على الدعم.
يريدون أن يغرسوا اليأس في نفوسنا، يريدون أن نستسلم، يريدون أن ندخل “للسيستيم” كما قال لي أحد المنتجين الحاصلين على الدعم، والغريب أنني اشتغلت في بعض الأفلام المدعمة بصفة مباشرة وغير مباشرة من خلال مراجعة السيناريوهات التي وافقوا عليها، وشاهدنا أفلاما حصلت على الدعم، والنتيجة تعرفونها جيدا .
نريد عدالة سينمائية من خلال تعيين أسماء سينمائية محترمة يشهد لها الجميع بالمصداقية والمهنية والاحترافية، نريد الحفاظ على مكتسبات السينما المغربية، نريد تبريرات علمية حقيقية عن سبب رفض مشاريعنا عوض الاكتفاء بكلمات جوفاء مثل شخصيات مهلهلة، ضعف الحبكة وغيرها من الأجوبة المضحكة.
نريد لجان متنوعة حسب نوعية المشاريع المقدمة (لجنة للأفلام الطويلة – لجنة للأفلام القصيرة – لجنة للأشرطة الوثائقية) لإعطائها الوقت المناسب لدراسة مختلف المشاريع.
لن أتحدث عن السينما الأمازيغية المهمشة جدا والتي تحتاج لكوطا كالأشرطة الوثائقية الحسانية، لن أتحدث عن الأفلام المنتجة من طرف الخواص والتي تحتاج للدعم لاستمرارها، فقط سأقول لهم مهما ظلمتم ومهما أفسدتم السينما المغربية سأكتب سيناريوهات أخرى وسأظل أقدم مشاريعي بدون ملل ولا كلل، لأنكم زائلون ونحن من نعشق السينما بحق سنظل واقفون وصامدون إلى الأبد.
سيناريست ومخرج مغربي*