نور الدين الصايل

لحظة حزن… وداعا نور الدين الصايل الشعلة الدائمة

بيت الفن

في هكذا جو غائم تخيم مشاعر الحزن والأسى لدى الوسط الفني السينمائي والإعلامي، إثر وفاة أحد أعمدة النقد السنيمائي وأبرز الوجوه التي بصمت مشهد الصناعة والفرجة السينمائية والتلفزيونية، نور الين الصايل.

يصعب أن نقول لك وداعا…فإن توقف قلبك عن الخفقان فستظل شعلتك دائمة، قاتلت الوقت لتصنع فرادتك وأبدعت دون أن تخدع نفسك بوهم الخلود، حين جعلت من الوقت كينونة وجودك بالفعل لا بالكلام والضجيج، أنت المسلح بخلفية فلسفية حمت من الانزلاق في متاهة الفراغ.

يشهد على ذلك مسارك الفكري والمهني، منذ أن ولجت حجرة الدرس الفلسفي سنة 1969، ثم مفتشا عاما للمادة سنة 1976، ورئيسا لجمعية مدرسي الفلسفة، وأخذت على عاتقك صحبة آخرين وضع برنامج في الكيفية الأحسن لتدريس الفلسفة من خلال مصاحبة التلاميذ للنصوص، كي يتعلموا أن هناك عدة طرق للتفكير تتجاور وتتصارع، لكن الفكر المحافظ اقفل المشروع.. بإفراغ هذا العلم الإنساني لصالح الفكر الإسلامي لوحده. وهي الهيمنة التي فتحت الباب جزئيا أمام أسلمة المجتمع.

لم يكن الفعل مستحيلا بالنسبة إليك، لكونك اكتسبت فكرا لماحا، أعطاك القدرة على فتح عوالم أخرى إلى جانب انشغالاتك في الوظيفة العمومية، وهي الرحلة التي زاوجت من خلالها بين النادي السينمائي بالرباط وقيادة الجامعة الوطنية للأندية السينمائية، ورئاسة تحرير مجلة دراسات سينمائية، ومؤسسا لأول مهرجان سينمائي عريق بالمغرب، وهو مهرجان خريبكة، بما أنك كنت تدري مبكرا عمقنا الأفريقي، الذي يتغنى به الكثيرون الآن. مؤهلاتك أكسبت موقعا بقوة الأشياء داخل التلفزيون لتحمل لنا من خلال طلتك أعمالا إبداعية لا زالت مدفونة في أعماقنا.

على غرار البطل المأساوي، لم تكن الطريق دوما سالكة أمامك، غادرت دار البريهي إلى حيث تقدر حق قدرك، هناك بفرنسا لتحتل منصب مدير البرامج بقناة كنال بلوس، والتي ستكرس اعترافا وعرفانا بقدراتك وعدت معززا مكرما، لتحظى برئاسة القناة الثانية، فترة لا يجادل أحدا أنها شكلت تحولا نوعيا وقدمت قيمة مضافة، سرعان ما ستخبو حين انتقلت إلى المركز السينمائي المغربي كمدير عام. وحصيلة الفترة التي قضيتها على رأس هاته الإدارة سواء على مستوى ارتفاع نسبة الإنتاج السنوي للفيلم المغربي، مقرونا بارتفاع المبلغ الإجمالي لميزانية الدعم، ستبقى شاهدة على بصمتكم.

ولأنكم تؤمنون بالكم للوصول إلى الكيف فتحتم الباب واسعا للشباب الراغبين في ولوج السينما، كما انكببتم على فتح ورش الإصلاح القانوني للقطاع على مستوى الإنتاج والتوزيع والقاعات… ونظام الرقمنة والدور الذي يمكن أن يلعبه القطاع الخاص في هذه المرحلة بالاتجاه للاستثمار في الميدان السينمائي خاصة المركبات السينمائية، لكنه ورش لم يكتمل، وكان همك كما سبق وأن جاء على لسانك، “في حالة صياغة القانون الجديد سيكون المغرب بلدا يحتذى به في العالم العربي وإفريقيا”، كلام لم يكن من قبيل المزايدة، فأنت تعطي الأشياء حق قدرها، ولا أدل على ذلك وجهة نظرك في مهرجان مراكش الذي كنت نائبا للرئيس المدير العام، “إننا نسعى بكل الحيل لأن تكون جميع الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية يتم عرضها للمرة الأولى عالميًا، لكننا لا نستطيع أن ننافس مهرجانات في حجم «كان والبندقية وتورنتو وبرلين»، التي تمتلك إمكانيات قوية ولا وجه للمقارنة معها.

سيعيش نورالدين الصايل قبل مغادرته المركز السينمائي، أشهرا عصيبة في انتظار تعيين من سيخلفه، إلى أن جاءه الخبر الغير اليقين قبيل عيد الأضحى من سكرتيرته، لم يصدق الأمر في البداية، لأن الجهات المعنية لم توافيه بالقرار الذي اتخذته في مجلس حكومي.

وللتأكد من الأمر اتصل الساعد الأيمن ببعض أصدقائه بوزارة الاتصال، فأخبروه بصحة الحدث، ومع ذلك ظلت الشكوك تراود المدير السابق للمركز السينمائي، فبادر بنفسه للاستفسار في الأمر من صديقه حداد وزير السياحة، لكن هذا الأخير أجابه بأنه حضر متأخرا ولم يعرف ما دار في الاجتماع، مع أن التعيين في المناصب العليا كان آخر نقطة في جدول أعمال المجلس الحكومي.

الصايل ابتلع القرار، خاصة حين سيتم إخباره بعد ذلك بأن تسليم المهام سيتم بالوزارة، فاشتد غضبه ورفض أن تتم هذه المراسيم في إدارة مصطفى الخلفي، قائلا للجهة التي اتصلت به أنا موجود بالمركز، والفاسي الفهري ليس غريبا عني ويعرف مكتبي جيدا، وتسليم المهام في مقر الوزارة لن يحدث مطلقا.

وقال الصايل “أتمنى لزميلي التوفيق وأشكر أطر المركز الأكفاء الذين يعود لهم الفضل في نجاح مهمتي، وأرجو أن يكون صارم الفهري خير سند لهم”.

أثناء تسليم المهام، قدم نور الدين الصايل الهاتف ومفتاح سيارة المصلحة، قائلا أنا لا زلت رهن إشارة السينما المغربية، لكن المفاجأة أن الصايل وقبل أن يهم بمغادرة الإدارة سيتلقى سيارة كهدية، توقفت لتوها جنب سيارة المصلحة القديمة وهي من النوع نفسه، جادت بها شخصية سامية على الرجل عرفانا واعترافا بخدماته.

خرج نورالدين الصايل من المشهد الرسمي مرفوع الرأس، مسجلا حضوره في أوساط المجتمع المدني وعلى واجهة الإعلام في مناسبة من المناسبات، لم يكن يشغل باله في الفترة الأخيرة، إلا دورة مهرجان خريبكة للسينما الأفريقية في أن يتوافر لها دعم معقول لتكون ناجحة بامتياز وتسهم في تطوير سيرورته نحو أفق أجمل… غاب الصايل إلى الأبد بعدما رسم لوحة تشدنا إلى ضوء الحياة.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

المهرجان الوطني للفيلم يبحث آليات جديدة لتمويل قطاع السينما في المغرب

الدعم الحكومي الذي توفره الدولة من خلال المركز السينمائي لا يكفي لتغطية احتياجات المشاريع الكبرى… …