بيت الفن
يحتضن رواق مندار بالدارالبيضاء، إلى غاية 7 نونبر 2020، أول معرض فردي للفنان التشكيلي المغربي، مصطفى مزيان، الذي انطلقت تجربته الصباغية من واقع حادثة سير أدخلته في غيبوبة.
راح مزيان يكتشف ذاته من خلال سرد تجربته المائية والزيتية معا عبر مجموعة من اللوحات التشكيلية التي كانت بالنسبة إليه بلسما للجراح والجروح، بل كانت أملا كبيرا في تطلعه إلى حياة أفضل.
يقول نقاد وقفوا عند تجربة مصطفى مزيان الصباغية، في رواق “مندار”، إن كل لوحة لها وقع خاص، ولها شهادة ميلاد فنية، التموجات تنطلق لتبدأ من جديد، ورأوا في أعماله استدعاء للمسة الفنان المغربي محمد المليحي، وكذا للفنان العالمي كاندينسكي، وميرو، كلها تجارب سكنته وسكنها، وتركت انطباعا جماليا في سريرته وذائقته الفنية.
لم يكن صدفة أن يحمل المعرض المقيم حاليا برواق مندار، لصاحبته الفنانة الألمعية، إلهام عراقي عمري، الذي يمتد إلى غاية السابع من نونبر المقبل، “سفر داخلي”، فالسفر هنا عبر الأسندة، والألوان والتموجات والأشكال الهندسية، التي تتغذى عليها تجربة مزيان الصباغية، كما يعكس عنوان المعرض الفردي الأول، للفنان أول باكورته في عالم الإبداع، وقدم ثيمات نفسية مثل الشك واليقين والتفاؤل والألم الداخلي والتأمل في معنى الوجود.
يقول مزيان في هذا الشأن إن الفن ديدنه ووسيلته البسيطة لإعادة اكتشاف الحياة، فالفن حسب تعبيره وجهه إلى آفاق جديدة وعلمه الاحتفاء بالحياة مجددا، كانت الطريقة طويلة وكان الفن ملاذا حقيقيا بالنسبة إليه.
وأضاف أن أعماله تخفي في ثناياها تجربة مروعة أصبحت انعكاسا لدواخله الدفينة وشكلا من أشكال العلاج.
وأوضح أن أعماله الفنية هي ثمار “ولادة جديدة”.. يحكي مزيان أنه في عام 2002، وفي سن 18 سنة، تعرض لحادث مروري أوقعه في غيبوبة وعندما استيقظ منها وجد نفسه منغمسا في حياة جديدة.
وقال “لا أتذكر إلا النزر القليل من حياتي الماضية”، مضيفا “استلهمت ولادة جديدة في دواخلي ترفل بشغف التشكيل، الذي كان غير معروف بالنسبة لي في السابق”.
ويردف قائلا “في فترة النقاهة الكاملة، أصبح التشكيل بالنسبة لي مرادفا للعلاج وأداة للتعبير الحسي”.
“عندما أرسم، أكون في نشوة غامرة” يقول مزيان، مضيفا أن اللوحة بالنسبة لي “هي مصدر إلهام وهروبا إلى ثنايا أخرى”.
سنة 2005 مثلت منعطفا في حياة هذا الفنان التشكيلي حيث قام برسم لوحة تشكيلية وبطريقة عفوية تماما، وهو أول عمل في مسيرته الفنية، والذي لم يكن سوى صورته الشخصية.
يضيف مزيان مسترسلا “يبدو لي أنها كانت طريقة لطرد مخاوفي التي هي بقع داكنة في حياتي.. أربط الألوان الزاهية بالأشكال التي تصبح متوجة وانسيابية.. اللون يصبح بالنسبة لي وسيلة للاحتفال بالحياة التي أعيد اكتشافها مرة أخرى”.
من جانبها تقول مندوبة معرض “سفر داخلي” سلمى نجيب، في تصريح مماثل، إن أعمال مزيان تثير تساؤلات عديدة، مضيفة: “ثمة تجربة خلف التموجات والأشكال الهندسية التي نراها في اللوحة التي ليست، في النهاية، سوى انعكاس لدواخلنا”.
إلى جانب اللوحات، يتضمن المعرض إحدى عشر قصيدة استوحتها الشاعرة المغربية سارة بلقيتي من أعمال مصطفى مزيان؛ حيث تأتي النصوص في محاولة للفك شيفرة اللوحة بحسب الشاعرة التي تعتبر أن “الرسم مدين للشعر، والشعر مدين للرسم” في هذه التجربة.
مصطفى مزيان عصامي التنشئة الفنية بالتأكيد، بحكم أنه انغمس في عالم الفن منذ طفولته، حيث غمر نفسه في ورشة عمته التي ليست سوى مريم مزيان، الفنانة التشكيلية المغربية ذائعة الصيت عالميا.
في معرضه الفردي الأول، يغرقنا التشكيلي مزيان في عالم كوني يطغى عليه اللون. هي إذن يقول مزيان دعوة للهروب والسفر في رحاب ومتاهات جلية ساطعة بالألوان الزاهية التي تلهمني بشكل وارف.