بيت الفن
تتعدد رؤى الأديب والأكاديمي الأردني بسام الهلول في كتابه “ضبح الأمكنة”، لتضم إلى جانب توثيق أجزاء من السيرة الذاتية، مجموعة من الهواجس الإنسانية والموضوعات الوطنية والقومية، إضافة إلى التحليلات التاريخية والسياسية، فتنصهر هذه العناصر كلها جاعلة من الكتاب رحلة ذات قيمة معرفية وإنسانية عالية.
قدم المفكر إبراهيم العجلوني للكتاب، الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” بعمان، قائلا “أيمكن، في أقصى الاحتمال أو في أبعد الخيال، أن تضبح الأمكنة؟ أيمكن لمرابع الصبا، وللأوطان، وللمَهاجر وما قد يتقلب على المرء (الغريب) فيها من مراغمَ وسَعَة، أن تعتلق قلقَ الروح في اضطرابها الدائم وارتحالها القدري؟”.
والضبح هو صوت أنفاس الخيل عند العدو، يرمز به الكاتب إلى جري الأماكن مع الزمن متغيرة، وفي داخل الذات والحنين بملامحها القديمة.
ويقول العجلوني إن هذا الكتاب “يتبوأ مكانه، بجدارة، في نسق مرموق من أعمال تتمحور حول إشكالية النهضة، واستعادة الدور الحضاري للأمة، وعلاقة المسلمين بالغرب”، مشيرا إلى أنه يذكرنا بـ“تخليص الإبريز في تلخيص باريز” لرفاعة رافع الطهطاوي، و“قنديل أم هاشم” ليحيى حقي، و“بدوي في أوروبا” لجمعة حماد، و”عصفور من الشرق” لتوفيق الحكيم. بيد أنه “يتفرد بإيقاع نفسي مسكون بالغيرة والغضب النبيلين”.
ومن حضن هذه الفضاءات المكانية يشرع الهلول في رحلته، منطلقا من “ميلاده الوعر” في قرية صغيرة، واصفا الجغرافيا، والعادات، وصعوبات العيش، وملامح الزمان بما حَمَلَه من عادات وبنى اجتماعية تركت أثرها في الفتى الذي كان ما يزال ينسج أحلامه.
ثم يمتد المكان فتبلغ الرحلة بالمؤلف أقاصي المغرب العربي ليكون على موعد مع ساحل الأطلسي، فيصف نفسه وكتابه هذا بأنه “حراق لكن لا يشاطِئ أطلسيه”، وينقل كثيرا من معالم الحياة في المغرب وتونس، نثرا وشعرا ومحكية دارجة.. وينتقل إلى فرنسا، ثم العراق، مقدما في كل مرحلة خلاصة تجاربه ورؤاه، ضمن قالب أدبي فلسفي، يمتزج فيه العام بالخاص.
ويعنون المؤلف نصوص الكتاب بما يشير في كل مرة إلى فرادة الموضوعات المطروقة، مثل “بغداد وحفارو القبور ومحفل النهايات ومنفتحها الدلالي للعدد تسعين”، و“القطار والجمل كصيغة وجودية ومتواصلهما الدلالي”، و“مَن لي بيد كيد قسيس سانت إتين”.