الرواية تقترح إجابة سردية على سؤال: كيف آلت المدينة إلى ما آلت إليه؟
بيت الفن
عن منشورات المتوسط بإيطاليا، صدرت، أخيرا، الرواية الجديدة للكاتب والروائي الفلسطيني، عباد يحيى بعنوان “رام الله”، وهي خامس إصدارات الكاتب الروائية من بينها “جريمة في رام الله” الصادرة عن المتوسط سنة 2017.
تقع الرواية في 736 صفحة من القطع المتوسط، بصورة غلاف هي اشتغال على مقطع من خريطة لرام الله في إحصاء فلسطين 1930، وضم رسومات داخلية لفنان زاهر بشارات.
تحكي هذه الرواية مدينة رام الله، في مدى زمني يقارب مائة وخمسين عاما. فهي تقدم ما يبدو سياقا لتحول قرية صغيرة في ظل الحكم العثماني في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، إلى مدينة تتداخل فيها الأزمنة وتنقطع فيها المصائر، وصولا إلى الزمن الحاضر. ما يجعل الرواية تقترح إجابة سردية على سؤال: كيف آلت المدينة إلى ما آلت إليه؟
بين الأحداث التاريخية الكبرى التي مرت بها مدينة رام الله، وبمستويات سرد متباينة في اللغة والبناء، يكتب الروائي الفلسطيني عباد يحيى، سيرة للمدينة، للمكان وناسه. ينفذ إلى طبقات المدينة ووجدانها، وإلى شعاب المشاعر الجمعية والفردية لمن عاشوا فيها في أطوارها المختلفة، ومثلما يفعل منقب الآثار، يسير الكاتب بأناة في تاريخ ووجدان ولاوعي مدينة رام الله، ليبنيها حجرا حجرا، وحكاية حكاية، من خلال سيرة دار آل النجار التي ستصبح كلمة سر المكان، ويصبح بيت العائلة في مآله عبر التاريخ حجر أساس الحكاية، وذاكرة ترويها حجارة قديمة، وقصة متشعبة تركب في مستويات أخرى، أعمق وأبعد، وجه رام الله، المدينة.
بنفس ملحمي طويل، تتداور في فصول الرواية الحقب الزمنية وتتداخل، مكونة صورة للمدينة وتطورها، ولنمضي بعد الإمساك بخيط السرد الأول في تتبع مصائر الشخصيات، وحيواتها المليئة بالدراما والموت والحب والجنون. أبطال يعيشون تحولات المدينة ويتجولون بين مدن أخرى من القدس إلى يافا إلى بيروت إلى العالم، وعلى تخوم بين الواقعي والمتخيل، يواجه الأستاذ الجامعي عماد العايش تاريخا لرام الله أثناء بحثه عن إجابة لسؤال حياته الأهم، كما سيكتشف القارئ شخصيات لن ينساها، بطرس النجار، الأم هيلانة، المستر مل، خليل، نعمة، سالم، ماري وكمال وجميل وغيرهم، ويرى معهم أحوال فئات اجتماعية متباينة، من النخبة السياسية والثقافية إلى المهاجرين واللاجئين، إلى أهل المدينة الذين عاشوا تحولها من حكم إلى حكم، عثماني فانتدابي بريطاني فأردني فاحتلال إسرائيلي ثم زمن السلطة الفلسطينية.
“رام الله”… قصة مدينة.. وتنحو لتكون رواية أمة، لارتباط الفردي فيها بالجماعي والوطني والديني، وبالطبيعة التي استنطق الكاتب أشياءها لتروي حكاية أصحابها. حروب وهجرات، غربة وألفة، غراميات وخيانات، سجون ومناف وحنين. قصص مدفونة تفضي إليها عتبات في دار عمرها أكثر من قرن، تريد أن تقول لنا إنها الديار كلها.
عباد يحيى وفي روايته الجديدة، كتب السيرة الذاتية الروائية لمدينة رام الله.
من أجواء الرواية نقرأ:
“إلى أين ينظر التمثال هو أهم شيء فيه بعد موقعه”، يقول في نفسه. ينظرون صوب رام الله القديمة، ظهورهم للشرق، بل للشرق مع انحناء جنوبي، هل فكر واضعو التمثال أن يستدبر الكرك التي جاء منها ويستقبل رام الله؟ حتى إن لم يفكروا فالوقفة مناسبة.
تبحث المدن عن تاريخها أو تصنعه، تنبش الأرض وتنظف الحجارة وتقرأ ما حفر السابقون وخطوا. أو تختصر الأمر وتصممه، تنحته من الحكاية فيصير النحت جزءا من حكاية لاحقة. التاريخ يصنعه اللاحقون، أما السابقون فيعيشون وحسب. والدكتور عماد شاهد على الاثنين.
فكر لو أنه صاحب أمر، لنحت عائلة الحدادين جالسين لا واقفين، هذا أدعم لتاريخ رام الله المصمم. أما روح رام الله، فيناسبها الوقوف المتوتر، الوصول حديثا أو الغربة التي تجعل كل وقوف كأنه وصول للتو.
وهو يركب سيارته رمق التماثيل، فاستقر على رأي أخير ولدته الرؤية الشاملة عن بعد وبزاوية واسعة. توحي التماثيل أن الواقفين في الساحة وعابريها هم أصحاب المكان، وأن راشد الحدادين وعائلته ضيوف عليهم، لا العكس.
“التماثيل في مدن العالم توحي بتملك التمثال للمكان وإن كان غريبا عنه كل الغربة، أما هذا فلا يوحي”. قال في دخيلته، وتابع: “هذا ليس تمثالا لعائلة الحدادين بل تمثالا لمشهد وصولهم لرام الله. لو أنهم كتبوا ذلك في اللوح التعريفي قربه”.
يشار إلى أن عباد يحيى، روائي وباحث وصحفي فلسطيني، حاصل على شهادة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة بير زيت. صدرت له روايات “رام الله الشقراء”، و”القسم 14″، و”هاتف عمومي”، و”جريمة في رام الله” عن المتوسط 2017، عمل صحفيا في عدة وسائل إعلام عربية وفلسطينية. كما وله العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في مجلات علمية محكمة.