سعاد العطار
شهد المسرح المغربي خلال سنة 2018 تطورا مهما خاصة من حيث عدد الأعمال المقدمة، ودخول مسارح جديدة إلى دائرة الفعل المسرحي المؤسس، وساهمت في هذا الحراك المسرحي عوامل عديدة لعل أبرزها وفرة المهرجانات واهتمامها بالتجديد النوعي.
ومن بين المسرحيات المغربية التي تميزت نذكر تمثيلا لا حصرا، “صولو” لمحمد الحر، و”خريف” لأسماء هوري، و”الخادمتان” لجواد الأسدي وغيرها.
“صولو”.. طقس صوفي عن تحرر الذات
وفق طرح دراماتورجي مقتبس عن رواية «ليلة القدر» للطاهر بنجلون، أخضع المخرج المغربي محمد الحر مسرحية «صولو» في صياغتها الإخراجية لمسار روائي في نقل قضايا تحرر الذات وإثارة أسئلة وجودية تشغل الإنسان، انطلاقاً من موضوع معاناة المرأة من السلطة المجتمعية بمختلف تجلياتها، داخل العائلة وفي تعاملها مع الآخر.
وفازت المسرحية المغربية ” صولو ” بمرتبة الأفضل في السباق المسرحي لمهرجان المسرح العربي الذي احتضنته تونس مؤخرا.
وهذه المسرحية لفرقة “اكون” للثقافة والفنون من المغرب وهي للمخرج محمد الحر وتقوم بأدوار البطولة فيها كل من آمال بن جدو وسعيد الهراسي وجميلة الهوني وهدى زبيد ومحمد ابا صالح ومحمد عسيلة وصلاح مقرة.
وسبق ان فازت هذه المسرحية بجائزتين في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج المسرحية وهي جائزة أفضل ممثلة لآمال بن جدو مناصفة مع الممثلة السورية نوار يوسف وجائزة أفضل ممثل لسعيد هراسي مناصفة مع الممثل السوري سامر عمران.
وحصدت هذه المسرحية أيضا مجمل الجوائز في الدورة الأخيرة لمهرجان المسرح الوطني بتطوان بالمغرب.
“خريف” فرجة أدائية بعوالم إنسانية
استطاعت ” خريف” لفرقة “مسرح أنفاس” بعوالمها الإنسانية، التي تفتح ملف مرض العصر “السرطان” على خشبة المسرح، أن تشد إليها الأنفاس طيلة مدة العرض، سواء من حيث جمالية النص أو من حيث اللغة البصرية الحسية، التي اعتمدتها مخرجة هذا العمل المسرحي، أسماء هوري.
عرض مسرحي متميز مثقل بأحاسيس رمزية إنسانية بلغة إبداعية راقية أسهمت في إعطاء النص كنهه الفرجوي والأدائي المتكامل، صلبه المركزي احتفاؤه وتمجيده للحياة من خلال جسد معذب يعاني وينطفئ في صمت، إلا أنه يتحدى بشاعة الموت الذي يمزقه بصمت، يقاوم كل أشكال الألم النفسي والجسدي متمسكا بالأمل وبقيم الحياة، مجابها قدره بشجاعة وإصرار حتى اللحظات الأخيرة.
كما قدم “خريف” الذي نجح في اختزال معادلة الحياة والموت، بلغة بسيطة واقتحام قلوب واحاسيس الجمهور بدون استئذان، رؤية إبداعية متينة وجلية وبليغة تسائل الإنسانية جمعاء، بضرورة التمسك بقيم الحياة إلى آخر رمق، بعيدا عن اجترار المعاناة، وإنشاد وازع الإرادة لمقاومة الألم.
كما وظف هذا العرض المسرحي، برؤية أدائية من خلال مشاهد جسدية، متجانسة وأحيانا مترابطة، لغة حركة وايماءة مختلفة الأبعاد، تعتمد على جوانب فنية وسيميائية لافتة، من سينوغرافيا جلية وموسيقى باهرة تألق مؤلفها في عزفها في نسيج فني مترابط، وفي تعبير بليغ يوحي للمتلقي بمضمونها الإنساني المرهف.
وكانت “فرقة أنفاس”، نالت جائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي لأفضل عمل مسرحي عربي ل خلال الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي.
“كل شيء عن أبي”.. بعيدا عن الضوضاء قريبا من السكات
عُرضت مسرحية “كل شيء عن أبي” لفرقة “مسرح الشامات” ضمن فعاليات “مهرجان المسرح العربي” إلى جانب عرض مغربي آخر بعنوان “خريف”.
المسرحية مقتبسة عن رواية الناقد والروائي المغربي محمد برادة “بعيدا عن الضوضاء قريبا من السكات”، وهي من إخراج المسرحي بوسلهام الضعيف وسينوغرافيا أمين بودريقة وتمثيل وسيلة صابحي وزينب الناجم وسعيد الهراسي ورشيد العدواني.
تُسائل المسرحية التاريخ المغربي الحديث، وتبحث في الدواعي السياسية التي شكّلته منذ مرحلة الاستعمار إلى اليوم. ركّز النص الدرامي على حقبتين؛ المرحلة التي تلت استقلال المغرب ثم المغرب الراهن.
يبني الفريق المسرحي العرض من خلال عائلة نتعرّف من خلال مسار حياتها على “تراجيديا” تشكل المغرب المعاصر بلغة انتقادية واحتجاجية، تسمّي الأشياء كما هي. ورغم رهان بناء “كل شيء عن أبي” على الحكي طوال العرض، إلا أنه لم يسقط في مطب “الملل” ولا تلك “النبرة الخطابية”، بل ظلّ ينساب عبر نفس الحركة الزمنية بين الشخصيات.
لا يذهب العرض إلى “التاريخ” كأحداث ووقائع وتفاصيل وشعارات، بل يتجه الى التفاصيل الحميمية وكأن المخرج يحوّل التفاصيل الخاصة إلى مرآة لأسئلة جيل جديد يرى الراهن من خلال الماضي، فالحاضر هو التاريخ. وهذا الأخير ليس هدفاً مركزياً في المسرحية، ولا حتى “قطيعة” معه
“الخادمتان”صراع أزلي بين الجلاد والضحية
“الخادمتان “مسرحية مغربية تقوم على لعبة التعرية و السخط والنبش عن المسكوت عنه، وتتناول في مجملها النزاع والصراع بين المستبد والضحية ، بين السلطة العليا والتهميش المطلق للانسان والتنكيل بالفرد، كما تطرح اشكالية “السيد والعبد ” وتنظر لثنائية “الجلاد والضحية” ونشير الى أن نص هذا العمل المسرحي كتبه جان جينيه سنة 1947، ومنذ ذلك الحين مازال يقدم في نسخ مختلفة، وكان المخرج العراقي جواد الأسدي أحد رواد المسرح العربي الذي أسره هذا النص، مما دفعه الى تقديمه في بلدان عدّة، حيث أنجز عنه عرضين مختلفين في لبنان، وآخر بالعراق، واليوم يقدمه من المغرب، وعن هذا الاختيار قال جواد الأسري:” يوجد في نص جينيه مساحات ونوع من الحفريات العميقة، هي قابلة للنبش المتجدد وصالحة لكل مرحلة أو فترة زمنية من الوضع العربي” مضيفا أنه بتغيير الجغرافيا تضيف للعمل ثقافة البلد الذي ينتمي اليه الممثلون ووعيهم الجمالي والمعرفي مؤكدا أن مسرحية الخادمتان التي أنجزها منذ 10 سنوات تختلف تماما عن هذا العرض حيث أنها خالية من التكرار والتشابه.
مسرحية قدمت ضمن فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان المسرح العربي، ألفها جان جينيه، وأخرجها العراقي جواد الاسدي ، وجسدت دور البطولة فيها كل من جليلة التلمسي ورجاء خرماز، وقد ساعد في اخراجها عبد الجبار خمران ووضع موسيقاها رشيد برومي.