الأعمال المسرحية المغربية المستفيدة من الدعم.. طغيان الاقتباس والتباس التأليف

الأعمال المسرحية المغربية المستفيدة من الدعم طغيان الاقتباس وتوجه تجريبي يسائل الإنسان والعالم ويشجب الحروب…

سعيدة شريف*

تتراوح الأعمال المسرحية المستفيدة هذا العام من الدعم المسرحي بالمغرب بين الاقتباس من نصوص مسرحية عالمية بارزة تمت مغربتها أو ترجمتها إلى اللغات المحلية كالحسانية والأمازيغية، والتأليف، حيث يحضر الكاتب المسرحي يوسف فاضل بنص “الحافة” والشاعر عبد الله زريقة عبر تجميع لمجموعة من نصوصه الشعرية والنثرية، والكاتب المسرحي عصام اليوسفي، وتحضر نصوص من تأليف بعض المخرجين أنفسهم، إضافة إلى استلهام التاريخ والتراث المغربي والعربي، غير أن التباس مفهوم التأليف يجعل الاقتباس هو الطاغي على هذه الأعمال المسرحية ذات التوجه التجريبي العام والمعتمدة على أساليب مختلفة في مقاربتها لأسئلة الذات والعالم والعلاقات الإنسانية كالزواج في عالم على وشك الانهيار، وأسئلة بخصوص الأرض والصراعات والحروب التي تجتاح العالم.

طغيان الاقتباس والتباس التأليف

فمن ضمن 57 مشروعا مسرحيا في الإنتاج والترويج (42) والتوطين (15) استفاد من برنامج دعم المشاريع الثقافية والفنية في قطاع المسرح لسنة 2024، الذي تخصصه كل سنة وزارة الشباب والثقافة والتواصل، نجد أن 44% من الأعمال المسرحية الحائزة على الدعم هي اقتباس من نصوص مسرحية عالمية بارزة كمسرحية “نهاية اللعبة” لصامويل بيكيت، و”طبيب بالرغم عنه” لموليير، و”المغنية الصلعاء” ليوجين يونسكو، و”فصيلة على طريق الموت” لألفونسو ساستر، و”نزهة في ميدان المعركة” لفرناندو أربال، و”خبز يملأ الجيوب” لماتي فيزنياك، و”طلب زواج” لتشيخوف، وهي نصوص كما يقول عنها الأستاذ حسن النفالي رئيس لجنة الدعم المسرحي في تصريح لمجلة “المسرح”، وضع لها الذين اشتغلوا عليها أسماء مختلفة كالاقتباس والإعداد أو الترجمة إلى لغات محلية كالأمازيغية أو الحسانية، وهو منحى أثار انتباه أعضاء اللجنة بشكل عام، وهو ما جعلها تشير إليه في ملاحظاتها العامة على الأعمال المقدمة للدعم بشكل عام هذا العام  بتنصيصها على “غياب النصوص المؤلفة تأليفا خالصا بشكل كبير والاعتماد على الاقتباس الذي أصبح ظاهرة واضحة في مجمل المشاريع المقدمة، هذا إلى جانب عدم التوفيق في هذه الاقتباسات بالنسبة للعديد من النصوص”.

ويضيف النفالي بأن نسبة التأليف في الأعمال الحائزة على الدعم هذا العام بلغت 56 %، وهي تطرح سؤال التأليف لأن البعض منها مأخوذ من التراث الإنساني المغربي أو العربي كألف ليلة وليلة مثلا، أو مستلهمة من شخصيات كشخصية “شرتات” في الثقافة الحسانية المعروفة بالذكاء والدهاء الشبيهة بجحا، والتي تم الاشتغال عليها بتأليف خالص.

الحرب والعلاقة بين المرأة والرجل

ويشير النفالي إلى أن التوجه العام لهذه العروض يدخل في إطار التجريب المسرحي المتعدد الأساليب، كالواقعية والرمزية واللامعقول أو العبث والفانطازيا، خصوصا في مسرح الطفل الذي يتم الحرص فيه على البعدين العجائبي والغرائبي، موضحا أن “المواضيع التي يتناولها المسرح المغربي المستفيد من الدعم هذا العام لا تخرج بشكل كبير عن سابقاتها، مع بعض الاستثناءات التي تطرح مواضيع مختلفة. غير أن هناك تيمتين تأخذان حيزا واضحا في مجموعة من الأعمال المسرحية: أولها العلاقة بين الرجل والمرأة في مختلف تجلياتها وأبعادها ومظاهرها: الحب، الزواج، المعيش اليومي، المستوى الثقافي، العاطفة والعلاقات الاجتماعية. وثانيها تيمة الحرب وآثارها ومخلفاتها على المجتمعات والجماعات في كل مكان، مع الشجب والانتقاد الواسع للحروب والغوص في نفسيات الشخصيات التي تعاني من هذه الحروب في كل بقاع العالم”.

أما باقي المواضيع فهي تتجلى في انتقاد الفساد والظلم الاجتماعي، وإبراز أهمية الأمل والمثابرة في الحياة، وكشف تناقضات المجتمع ومخلفات الظواهر الاجتماعية، وقضايا المهمشين، كما برزت قضية الجسد، كما يقول النفالي، في مواجهته للأفكار والحالات النفسية المتعددة، وهذا موضوع يثار باستمرار في المسرح المغربي من لدن بعض الفرق. وعلاوة على ذلك هناك نصوص ذات بعد فلسفي تطرح العلاقة بين الموت والحياة، وأخرى تتناول موضوع الاستبداد والظلم الذي تتعرض له المرأة وبعض المناطق المهمشة كالعالم القروي ناهيك عن التحولات المجتمعية في زمن الرقميات ومجموعة من المواضيع الأخرة كقضايا الأمهات العازبات ونظرة المجتمع إليهن.

أما المسرح الموجه للأطفال، كما يوضح النفالي، فهو يتناول موضوعات تثير اهتمام الأطفال تقوم على أنسنة الحيوانات لإبراز العديد من القيم والتنديد بأخرى يرفضها المجتمع، والصراع بين الخير والشر والتحسيس بأهمية العلم والمعرفة، ومشكل ندرة المياه والتهديد الذي يسببه الإنسان على هذا الكوكب كتلوث البيئة والخراب. إضافة إلى التعايش والتعاون من خلال التعريف بأهمية هاتين القيمتين وربطهما بالتحديات العصرية وتأثير التكنولوجيا على عالم الطفل. وذلك بأساليب تليق بمستوى الطفل عبر اللجوء إلى عوالم غرائبية وعجائبية تستهوي الأطفال حتى يشاهدوا تلك العروض.

المسرح الحساني والأمازيغي

على الرغم من التراجع الذي لوحظ هذا العام على مستوى إيداع الملفات بالتي بلغت نسبة 35% مقارنة مع العام الماضي، حيث فتراجع العدد من 343 مشروعا في عام 2023 إلى 226 مشروعا هذا العام، وكان التراجع كبيرا على مستوى مجالي الإنتاج والترويج والإقامات الفنية والورشات مقارنة بباقي المجالات الأخرى التي عرفت تراجعا طفيفا، فإن لجنة الدعم المسرحي لهذه السنة والمؤلفة من حسن النفالي رئيسا، والأعضاء: عبد المجيد فنيش، حسن بحراوي، زكريا قسي لحلو، عادل مديح، امحمد صلو، أسماء لقماني، سيدي رضوان الشرقاوي، رفيقة بنميمون، وسيلة صابحي، وهاجر كريكع، فقد حرصت على التوزيع الجغرافي للدعم حتى يشمل تقريبا جميع الجهات، كما جاء في بيان اللجنة، حيث استفادت منه فرق بخمس جهات من المملكة، وشمل التعبيرات اللغوية التالية: المسرح الموجه للكبار (44)، المسرح الموجه للصغار (13)، المسرح المقدم باللغة الأمازيغية (8)، والمسرح المقدم باللغة الحسانية(7)، المسرح المقدم بالعامية المغربية (36)، والمسرح المقدم باللغة العربية الفصحى (6).

ومن بين العروض المسرحية الأمازيغية المستفيدة من الدعم نذكر مسرحية “نزهة في ميدان المعركة” لفرقة “الريف للمسرح الأمازيغي” المقتبسة عن نص للمسرحي العالمي فرناندو أربال، والتي يقوم بإخراجها وإعداد السينوغرافيا الخاصة بها الفنان يوسف العرقوبي، وقام بترجمتها إلى الأمازيغية الريفية عزيز الإبراهيمي، ولعل موضوعة الحرب هي من المواضيع التي تثيرها الفرق المسرحية الأمازيغية خاصة بالريف، لأن المنطقة عانت من ويلات الحرب والتهميش والصراعات حول الأرض.

المسرح الحساني أيضا له خصوصيته، فهو ينهل من المجتمع الصحراوي والثقافة الحسانية، ويقدم مسرحيات من تلك البيئة ومن معاناة الإنسان الصحراوي مع الاعتقال في مخيمات البوليساريو الانفصالية، ولكنه أيضا منفتح على الريبرتوار العالمي، مثلما هوم الشأن مع فرقة “روافد المسرح الاحتفالي” بالداخلة، التي استفادت مسرحيتها “قانع وسط حاسي” وهو عنوان بالحسانية ويعني “كلب في قعر البئر” للمخرج حسن بديدة، والمقتبس عن نص “خبز يملأ الجيوب” لفرناندو أربال، وقام بإعدادها للحسانية سيدي أحمد الشكاف، الذي يقول لمجلة “المسرح” إنه اختار هذا العمل لما له من حمولة ثقافية واجتماعية وسياسية تتماشى مع الموضوعات التي يرغبون في التطرق إليها وعلى رأسها رحلة الإنسان في البحث عن ذاته.

الجسد والحافة والحب والزواج

أسماء هوري من الأسماء المسرحية المغربية المتميزة، استفاد عملها “هُم /     Les autres” من الدعم مع فرقة “مسرح أنفاس”، تقول لمجلة “المسرح” بأن المسرحية هي “عصارة تجميع درامي لمجموعة نصوص لعبد الله زريقة جمعت بين الشعر والنثر،  يصف من خلالها الكاتب حالة العجز عن التعبير وعدم امتثال الجسد الفردي والجماعي لمتطلبات عالم يسير بِنَحْوٍ مضطرد نحو الامتلاء،  الاستعلاء والإقصاء وعن إمكانية أو استحالة التصالح معه”.

وتضيف المخرجة بأن المسرحية تطرح مجموعة من الأسئلة اللامتناهية من مثل أسئلة حول الأنا والآخر، ولا تكتفي بهذا بل تقوم في نفس الوقت، وبأسلوب ونفسين عميقين بتلمس الإجابات عبر حالات بوح فردية وجماعية غاية في الشاعرية والتجريد تجعل المتلقي، كيفما كان، منتميا ومندمجا  مع حكي مسرحي يأخذه بطريقة حسية إلى مناطق متقدمة من التفكير والتفاعل  التطهيري.

ومن جهته يعمل المخرج عبد المجيد الهواس في عمله المسرحي الجديد “الحافة” لفرقة “أفروديت”، على الاشتغال على نص للكاتب المسرحي والروائي المغربي يوسف فاضل، الذي يطرح فيه إشكالية العلاقات الإنسانية وتحولاتها في ظل الواقع المرير الذي تعيشه، والذي استلهم موضوعها كما أشار إلى ذلك سابقا في “ملتقى مكناس للكتابة المسرحية”، أثناء تقديم قراءة بيضاء لبعض مشاهدها، من قصة الطفل ريان الذي سقط في البئر، حيث يسلط الضوء من خلال السقوط الوهمي لأحد عمال شركة البناء في الحفرة، على واقع العمال المهمشين وأوضاعهم الاجتماعية وحالاتهم النفسية وتناقضاتهم وآلامهم وأوجاعهم وآمالهم.

كما تعمل المخرجة نعيمة زيطان مع فرقتها “مسرح الأكواريوم” على موضوعة الحب المأساوي في مسرحية “الدالية” وهي من تأليفها وإخراجها، تستكشف من خلالها جراحات الطفولة، وامتداد العلاقات الإنسانية وتشابك المبادئ بين الحب والفن والصداقة، والاضطراب العاطفي للشخصيات التي تسعى إلى تحديد هوياتها من خلال علاقاتها ببعضها وبالأشياء من حولها. إنه عمل مسرحي، كما تقول زيطان: “يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويطرح خيارات مفجعة بين العاطفة والعقل، الرغبة والواجب، الإبداع والدمار”.

أما المخرج محمد فركاني فقد اختار في مسرحيته “زواج” لفرقة “فيركانيزم” التطرق لهذا الموضوع الحساس والإشكالي، الذي ألفه الكاتب عصام اليوسفي، وأثار فيه الكثير من الصعوبات والمشاكل والتحديات التي تؤثر على هذه العلاقة الإنسانية، من انعدام الثقة، وتباين الثقافات والأوساط الاجتماعية، والفوارق العمرية بين الأزواج، كل ذلك عبر تصور إخراجي، كما يقول المخرج محمد فركاني، كوكتيل منهجي يعرض لمجموعة من التجارب والمدارس المسرحية ضمن قالب تجريبي.

ضرورة مراجعة الدعم 

لم يفصح البيان الذي أعلنت فيه لجنة الدعم المسرحي للموسم الجديد عن  نتائجها عن هذا الجانب الموضوعاتي الجوهري المهم، الذي من خلاله يمكن معرفة توجهات العروض المسرحية المقبلة، والرؤية الإخراجية التي ستقدم بها هذه الأعمال المسرحية، وحظ التجارب المسرحية الشابة منها، بل اقتصر البيان على سرد العديد من التفاصيل التقنية والشكلية المتعلقة بملفات المشاريع المقدمة، والتي لا ننكر أهميتها، ولكنها تظل مؤشرات على أن الدعم المسرحي بالمغرب، يحتاج إلى أكثر من وقفة، ما دام أنه على الرغم من مرور ستة وعشرين سنة (1998)على الشروع في العمل به، ما زال يجمع في سلة واحدة بين المسرح الاحترافي والهاوي ومسرح الطفل، وهي تحتاج إلى دعم خاص بها، ومازالت إشكالية تدبير هذا الدعم الأساسي للممارسة المسرحية بالمغرب، ترتهن إلى الملفات التي تفنن العديد من الممتهنين للمسرح في “فبركتها”، حسب العديد من المسرحيين الذين شاركوا في لجان سابقة للدعم، أكثر من التفنن في الأعمال المسرحية المقدمة على مستوى الكتابة والإخراج والسينوغرافيا والأداء وغيرها من الأمور التي تدخل في الإنتاج المسرحي,

وفي تقييمه لتجربة الدعم المسرحي، يرى الدكتور ندير عبد اللطيف أن هذه الاستراتيجية الني نهجتها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، أصبحت اليوم ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ في حاجة ماسة إلى “المراجعة والتقويم لأنها تشكل عبئا على البعض، وتخلف الكثير من الحساسيات بل والصراعات والمواقف المختلفة بين كل المشتغلين في حقل أبي الفنون (روادا منهم وشبابا)، ذلك أنه في السنوات الأخيرة ظهرت على الساحة المسرحية الكثير من ردود الأفعال المتناقضة بين أقطاب هذا الفن الرفيع بسبب ما أصاب البعضَ من تهميش وإقصاء ممنهج. فلا يعقل أن تستفيد سنويا نفس الفرق ونفس الوجوه على حساب فرق مسرحية جادة، ولا يعقل ألا تستفيد فرق مسرحية لها مشروع واعد بسبب أنها ليس لها رصيد ونهج سيرة كبير. لا يعقل أن تقصى فعاليات من الرواد منهم من في رصيدها خمسون عاما من الحضور بدعوى أن عملهم قديم وكلاسيكي، ولا يعقل أن يقصى هذا العمل أو ذاك بسبب انتماء أصحابه الى نقابة أو هيئة أخرى”.

ويضيف في تصريحه لمجلة “المسرح” أن جل الفرق المسرحية المغربية غير راضية عن الطريقة والكيفية التي تسير بها الأمور، بدءا من دفتر التحملات ومرورا بلجان الدعم التي تقترحها الوزارة وانتهاء بالميزانية السنوية المخصصة لهذا المشروع، والتي غالبا ما تكون ضعيفة وغير منصفة، مشيرا إلى أنه “لا يجب أن نغفل ما تعرضت له كثير من الفعاليات والفرق من محو للتجربة وتوقيف مسارها بشكل كلي، مقابل ذلك فقد حققت بعض الفرق المسرحية، وهي محدودة ومعدودة على رؤوس الأصابع، انتعاشة قوية من  التميز والارتقاء سواء في المحيط المحلي أو في امتداده الجغرافي العربي، كما لا يجادل أحد في حالات انبهار النقاد والباحثين العرب بالمكانة التي تبوَّأها أبو الفنون في المغرب بفرقه الجادة التي لا ترضى في كل محطة الا بالتتويج إخراجا وتأليفا وتشخيصا وحصولها على أعلى المراتب والدرجات، والتي بموجبها يحصدون الجوائز الأولى في التأليف والإخراج والتشخيص في مهرجانات عربية ودولية، غير أن السؤال المطروح هو هل تبك الفرق المغربية المعدودة تعبر عن الوجه الحقيقي لهذا المسرح في المغرب؟ والجواب لا، لأنه من المفروض أن تعم النهضة المسرحية على الفرق كلها ولا تنحصر على فئة قليلة من الجمعيات أو الفرق، وإلا سنسقط في النمذجة بعيدا عن كل الحساسيات الفنية والتجارب المسرحية الأخرى”.

الدعم و”الصناعة الثقافية”

أما حسن النفالي رئيس لجنة الدعم، فيرى أن الدعم المسرحي بالمغرب كان ومازال مطلب المسرحيين المغاربة بالأساس، ومكسب يجب الحفاظ عليه، خاصة وأنه من أبرز وأهم الدعومات المقدمة على مستوى العالم، وفي طريق التحول إلى أن يصبح “صناعة ثقافية”، ولهذا من الواجب التعامل معه بشكل جدي والسعي إلى تجويده، لأن المشكل “لا يكمن في المبالغ المالية الضعيفة المرصودة له أصلا، ولكن في العديد من الشروط وأبرزها الجمع بين مسرح الهواة والشباب والمدرسي والاحترافي في دعم واحد، مع العلم أنه من الممكن تخصيص دعم خاص بكل فئة حتى لا يدخلوا في المنافسة مع المحترفين الذين يعيشون أصلا من هذه الممارسة المهنية الفنية”.

ويؤكد النفالي أن الدعم أسدى خدمات عديدة للمسرح المغربي، ولا أدل على ذلك من تربع المسرح المغربي على عرش المسرح العربي في العشرية الأخيرة: خريف، صولو، شمس، بريندا، شاطارا، تاكنزة قصة تودة، وغيرها من المسرحيات التي حظيت بالإعجاب على مستوى العالم العربي، ناهيك عن الحضور القوي للبحوث والدراسات الأكاديمية لمجموعة من الباحثين الأكاديميين المغاربة، الذي يسلكون نفس مسار أستاذ الأجيال وعميد المسرح المغربي الراحل الدكتور حسن المنيعي، الذي ساهم في تأطير العديد من الباحثين المغاربة، ما جعل المغرب “يتربع على عرش الإبداع والنقد المسرحي عل مستوى العالم العربي”.

ومع ذلك ما زال المسرح بالمغرب بشكل عام يفتقر إلى الاهتمام الذي تحظى به الرياضة، والدعم المرصود لها من طرف المؤسسات والجهات الخاصة، التي بإمكانها أن تسهم في نهضة مسرحية وفنية حقيقية بالمغرب، خاصة أن هناك تجارب مسرحية شابة للأسف يخطئ الدعم في تقديرها، ولا يتم الالتفات إليها إلا حينما تفرض نفسها وتبرز بإمكانياتها الخاصة، مثلما ما حدث مع المخرج أحمد أمين ساهل، الذي لم تستفد مسرحيته “لافيكتوريا” من أي دعم ومع ذلك خلقت المفاجأة بحصدها لأغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح الاحترافي بتطوان في دورته الأخيرة، وهو ما يمكن أن يتكرر مع مخرجين شباب آخرين كالمخرج الشاب أسامة بوفارنو الذي لم يحظ مشروعه المسرحي ” بِلْ مِلْ”، على الدعم، وهو عمل من تأليفه وإخراجه يسلط من خلاله الضوء، كما أخبر مجلة “المسرح”، على الصراع بين الطموحات الفردية والقيود الاجتماعية من خلال قصة تتكرر مع الأم وابنتها، اعتمد فيه على توظيف التقنيات السينمائية في المسرح، وجمع بين الفن الحديث والتكنولوجيا المتطورة لتعزيز السرد الدرامي.

قد يكون ملف هذا المخرج الشاب يحتاج إلى تصويب على مستوى تقديم الملف، وهو ما كان يمكن أن تنبه إله لجنة قبلية تستقبل الملفات في وزارة الثقافة قبل أن يصل إلى لجنة الدعم، التي يجب أن تناقش كنه المسرح ولا تقتصر في بياناتها إلى تبرير أسباب الإقصاء الشكلية، كما يرى ندير عبد اللطيف الذي يخلص إلى أنه “في خضم هذا الوضع غير صحي من حقنا أن طرح مجموعة من الأسئلة التي تحتاج الى أجوبة من الوزارة أن تكون مقنعة وشافية وكافية: أين يكمن الخلل في استراتيجية الدعم المسرحي في ارتباطها مع الفرق المسرحية؟ هل في التنظيم أم التأطير؟ أم في التوجه العام للوزارة؟ أم في اختلاف وتباين رؤى أعضاء لجان الدعم؟ أم في طبيعة الفرق التي لا تتوفر على الشروط التقنية المنظمة لهذه العلائقية الملتبسة؟ أم في ضعف الميزانية السنوية المخصصة لهذا الدعم؟ أما آن الأوان للوزارة الوصية أن تفتح نقاشا مع كل الفرقاء المسرحيين من أطر وجمعيات ونقابات للجلوس معا في مناظرة وطنية للإجابة عن كل هذه الأسئلة وتغيير مسار هذا الدعم الى الأجود والأحسن؟”.

*عن مجلة المسرح

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

“الدالية” مسرحية بنص مبتذل وشخوص خشبية جامدة

عن عرض ما سمي بمسرحية الدالية إنتاج جمعية مسرح الأكواريوم بدعم من وزارة الثقافة… جميلة الهوني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *