كفانا من مظاهر التقهقر عبر الشطط السلطوي، والجهل بالقوانين، وضرب السياسات العمومية التي يخطط لها عاهل البلاد لما فيه خير البلاد والعباد…
هشام الودغيري
كان مقررا مساء الجمعة 4 يوليوز 2025 بساحة المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بالرباط العاصمة تنظيم تظاهرة ثقافية سينمائية ابتداء من الساعة الثامنة مساء إلى غاية السادسة صباحا من اليوم الموالي، في إطار تقليد سنوي “الليلة البيضاء” جرت العادة بتنظيمه من طرف “جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان”، حيث كان جمهور الرباط السينيفيلي مع موعد مع الدورة الثالثة عشرة من هذا النشاط السينيفيلي، تحت شعار “السينما والمواطنة”.
فعلا، انطلقت فعاليات التظاهرة بالشق التنظيري ابتداءا من الساعة الرابعة بعد الظهر، وذلك بالمدرج الإدريسي بقلب الحرم الجامعي لجامعة محمد الخامس العتيدة.
وكان هذا التقديم ندوة عامة حول موضوع “الليلة البيضاء” الذي هو “السينما والمواطنة”، وعرف مشاركة نخبة من الأساتذة المنتمين لقطاعات حكومية (مجلس النواب، وزارة التربية، وفاعلون جمعويون) على رأسهم إدريس اليزمي رئيس “مجلس الجالية المغربية بالخارج”، فضلا على مشاركة داعمة من طرف هيآت دبلوماسية كالمعهد الفرنسي، منظمة نساء منظمة الأمم المتحدة، السفارة الإسبانية وغيرهم.
عند الانتقال إلى باحة المكتبة الوطنية، القريبة بخطوات من جامعة محمد الخامس، تفاجأ الجميع بتداول خبر منع العروض السينمائية المُقررة (9 تسعة أفلام: من المغرب، وفرنسا، وفلسطين، ومصر، وإسبانيا، والبيرو، ولبنان ورومانيا)، حيث شاع بين الحضور خبر منع النشاط/العروض من طرف السلطات الترابية، بدعوى عدم توصلها بأي إشعار رسمي بتنظيم التظاهرة/التجمع من الجهة المنظمة.
ووفقا لبلاغ الجمعية الذي يسجل ويحتج و”يدين” قرار المنع (منع شفهي غير معَلل كتابة)، فإن الجمعية تؤكد أنها “بادرت إلى تقديم جميع المساطر الإدارية والقانونية المتخذة مع السلطة المحلية بما فيها موافقة المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بتاريخ 14ماي وإشعار والي جهة الرباط سلا القنيطرة والمدير العام للأمن الوطني والمدير العام للوقاية المدنية بتاريخ 27 ماي موثقة ذلك بوصول استلام عن كل مراسلة”.
عودة للقانون رقم 76.00، الذي يغير ويتمم بموجبه الظهير الشريف رقم 1.58.377 الصادر في 3 جمادى الأولى 1378 (15 نونبر 1958) بشأن التجمعات العمومية، يستفاد منه وتبعا لمنطوق الفصل الثاني منه “يمكن عقد الاجتماعات العمومية دون الحصول على إذن سابق بشرط أن تراعى في ذلك المقتضيات التالية: الفصل الثالث: … وتعفى من سابق التصريح المنصوص عليه في المقطع الأول من هذا الفصل الاجتماعات التي تعقدها الجمعيات والهيآت المؤسسة بصفة قانونية التي تهدف بصفة خاصة إلى غاية ثقافية أو فنية أو رياضية …”.
وعليه، يمكن التنديد جملة وتفصيلا بقرار السلطات الترابية بالعاصمة الرباط، بمنع لنشاط ثقافي جرت العادة بتنظيمه سنويا ولمدة 12 سنة/دورة خلت، وعدم امتثالها لمنطوق قانون تشريعي دستوري، وتماديها في الشطط السلطوي، وضربها بعرض الحائط لدستور المملكة الشريفة، وللمؤسسة التشريعية، وللعمل والتضامن الحكومي (النشاط حاصل على دعم مالي للمركز السينمائي المغربي، التابع قطاعيا لوزارة الشباب والتواصل والثقافة)، ولكل مبادرة جمعوية تشاركية هادفة، تعانق رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في الرفع بالتنمية البشرية للبلاد، التي تمر وجوبا عبر العمل الثقافي والجمعوي، إضافة إلى تطلع جلالته الحضاري والراقي في جعل عاصمة مملكته “الرباط عاصمة للأنوار” تستقطب كل أنواع وأشكال التعبير الثقافي والفني والرياضي، وغيرها من إبداعات البشرية، فلا نور دون علم، ودون ثقافة، ودون فنون، ودون يد وفكر الإنسان.
أظن إنه في بحر سنة 2025، وعلى مقربة تنظيم المملكة المغربية لفعاليات كأس العالم لكرة القدم سنة 2030، كفانا من مظاهر التقهقر عبر الشطط السلطوي، والجهل بالقوانين، وضرب السياسات العمومية التي يخطط لها عاهل البلاد لما فيه خير البلاد والعباد، كفانا من أخطاء أُطر وأعوان وزارة الداخلية التي كلف شططها، عبر التاريخ القريب، تراجعات حقوقية ومدنية شديدة الخطورة على تقعيد العمل المؤسساتي الداخلي، وعلى صعيد واجهة صورة المملكة الخارجية بين جوقة الأمم، ناهيك عن الكلفة المالية الثقيلة التي تستنزف خزينة الدولة جراء شطط السلطات المتعاقب .
كفانا عبثا، كفانا شططا، كفانا هدرا للطاقات المواطنة بشريا وماديا.
وفي حديث آخر:
أقبل باختلاف الأذواق، وفي تمتيع “طوطو” وغيره بمنصة مؤقتة (تدوم أيام) لعرض عمومي تجاوز 400 ألف متفرج، لكن، رجائي الاحتفاظ بحق الآخر، ديمقراطيا وحضاريا ومواطنة، في تنظيم نشاطه بمنصة مؤقتة (تدوم ساعات) لعرض عمومي لا يتجاوز 400 مشاهد.
بيت الفن المغربي فضاء للتلاقي، للتفاعل، للتآلف، للحوار، ولتبادل الأفكار بيت الفن فضاء للتلاقي، للتفاعل، للتآلف، للحوار، ولتبادل الأفكار، للانفتاح على الآخر، إنه حيز مشترك غير قابل لأن يتملكه أيا كان، الثقافة ملك مشاع، البيت بيتك، اقترب وادخل، إنه فسيح لا يضيق بأهله، ينبذ ثقافة الفكر المتزمت بكل أشكاله وسيظل منحازا للقيم الإنسانية، “بيت الفن” منبر للتعبير الحر، مستقل، مفتوح لكل التيارات الفنية والأدبية والفكرية.