عندما يغتال الوزير روح البحث العلمي في جامعات المغرب!

دعونا نأخذ الكلام من فم الأسد، وفي هذه الحالة من فم اللبؤة نفسها، إذ تقول: “أحضر حاليًا الدكتوراه حول المسرح الوثائقي..” وقد شهد شاهد من أهلها!…

كفانا تواضعا بأن نقبل أن طالبة في بداية الطريق في مرحلة التعلم واكتساب حمولة فكرية وأدوات منهجية لا تستطيع أن تكون حجة في “تقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي“…

محمد الشرقاوي

ثمة قاعدةٌ ذهبيةٌ تتّبعها الجامعات الرصينة في العالم بدعوة أكاديمي (ة) يدرّس في جامعة أخرى وينشر أبحاثه في مجال قريب ليكون محكّما خارجيا ضمن لجنة مناقشة أطروحة الدكتوراه أو رسالة الماجستير حرصًا على الموضوعية وإشراك وجهات نظر أخرى عند التمحيص في الموضوع وحيادية معايير التقييم. ومما يعزز هذا المنحى أيضا التنويع الأكاديمي بين هيئة التدريس من خارج خريجي الجامعة أو ما يصطلح عليه بعبارة Faculty in-breeding.

هناك منهجٌ مماثلٌ تتبعه المجلات العلمية المحكّمة دوليا بأن تبعث الدراسة المقترحة للنشر إلى أكاديميين اثنين لهما باع في التدريس والتخصص في موضوع الدراسة، وذلك تحت غطاء السرية دون كشف إسم صاحب الدراسة أو إسميْ المحكّمين.

في كلتي الحالتين، تكون الصفة الأكاديمية (حاصل على دكتوراه، وعضو هيئة تدريس في جامعة، وله أبحاث منشورة حول الموضوع) من أبجديات معيار دعوة الشخص إلى تقييم الأطروحة أو الرسالة أو الدراسة المرشحة للنشر.

لا شك أن الدكتور عز الدين المداوي وزير للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار يدرك هذا جيدا، وقد يكون حديثي هنا بمثابة تحصيل حاصل!

لكن، دعونا نعتبره رجلا يلتزم بنص القانون وصارما في تطبيقه، عندما يذكّر الخواص والعوام بأنه يطبق “القانون 67.16 ولا سيما المادة 8 منه والتي تنصّ على تعيين ممثل عن المؤسسات غير التابعة للجامعات من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي باقتراح من مجلس التنسيق” عندما يعيّن ممثلة مسرح “عضوا (وليست عضوة، وهو تعسف لغوي في نص القرار) بمجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي”.

عبارةٌ ذات مثقالٍ وازنٍ عندما تجتمع مفردات “الوطنية”، و”تقييم”، و”ضمان”، “جودة” التعليم العالي والبحث العلمي. وتنطوي على مسؤولية جسيمة لدى من ستتولى تصنيف السمين من الغث موضوعًا ومنهجًا وتحليلًا، وهل يقدم البحث قيمة معرفية مضافة حقيقية، وكيف يمكن بلورة استراتيجية النهوض بالبحث العلمي في جامعات المغرب وتدليل التحديات الراهنة التي تحول دون وجودها في مؤشرات تصنيف الجامعات في العالم، خاصة المؤشران الأساسيان: مؤشر Quacquarelli Symonds، ومؤشر شنغهاي ARWU.

إذا جارينا منطق الوزير الحريص على نفخ روح جديدة في التعليم العالي والبحث العلمي بمن يراهم “أكفاء” لهذه المهمة، وتصورنا اجتماعا للوكالة الوطنية الميمونة تدور فيه النقاشات، وجاء الاستفهامات التي يتواتر طرحه باستمرار:

* كيف يمكن التغلب على معضلة المنهجية التي يعانيها جل طلبة الدراسات العليا في الجامعات المغربية؟

*ما هي السبل الكفيلة برفع منسوب البحث التجريبي empirical research، أو التأكد من الصدقية العلمية scientific validity؟

* كيف يمكن قياس الأثر بين متغير مستقل ومتغير تابع؟

* كيف يمكن تشجيع الطلبة المغاربة على الانفتاح على المناهج المختلطة بدلا من تفضيل المنهجي النوعي على المنهج الكمي؟

* كيف يتحرر طلبة الدكتوراه مثلا من الذاتية الإنشائية ويتمسكون بالبحث الميداني وقاعدة “دع البيانات تتحدث عن ذاتها” let data speak for itself، أو غيرها من مقومات الكتابة المنهجية المنشودة.

يمكن أن تطول محاور التطوير المنشود في هذا الاجتماع، فماذا ستقول السيدة القادمة من أضواء المسرح؟ من أين سنبدأ أو تنتهي عند تقديم “المشورة العلمية” التي يحتاجها طلبة الدراسات العليا من “عصارة خبرتها وأبحاثها المنشورة”؟!

ليس علم المناهج والصرامة العلمية اللازمة لنهضة التعليم العالي مسألة قابلة لسوء التقدير أو إسقاطها في حجر من لا يملك الخبرة والتجربة العملية. وحتى لا نستبعد الممثلة المحترمة من حقها في الرد، هي تقول دفاعا عن نفسها وسمعتها العلمية: “يعرفني الناس كفنانة ومخرجة، لكن ينسون أنني باحثة وأحضر حاليًا الدكتوراه حول المسرح الوثائقي، ولدي ماستر السينما الوثائقية، وأستاذة ومديرة المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وعضو بالمكتب التنفيذي للمعهد الدولي للمسرح التابع لليونيسكو، ومؤسسة لهيئات عالمية”.

دعونا نأخذ الكلام من فم الأسد، وفي هذه الحالة من فم اللبؤة نفسها، إذ تقول: “أحضر حاليًا الدكتوراه حول المسرح الوثائقي..” وقد شهد شاهد من أهلها!

كفانا تواضعا بأن نقبل أن طالبة في بداية الطريق في مرحلة التعلم واكتساب حمولة فكرية وأدوات منهجية لا تستطيع أن تكون حجة في “تقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي”.

فكيف سيحاول الوزيرُ بعيدُ النظر ترميم هذه المجازفة الشاردة بصناعة لبؤة من ورقٍ.. وأنفةٍ.. وأضغاث أحلامٍ!

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

فوضى مهرجانية!!

لماذا أمسى المسرحيون في كل دورة يهمسون ويتهامسون ويتكلمون في خياشيمهم؟ ولما لا يستطيعون البوح …