وزير الثقافة والاتصال

النية وقلة النية في ثقافة “سلك” من التلفزيون إلى السينما المغربية

نية التهميش وتكريس الرداءة هي العملة السائدة في تعاطي الوزارة ليس في حدود السينما والتلفزيون، بل المسرح مضاف إليهما، والعبرة بمهرجان تطوان…

وحيد الركيبي

“وما قصدت كل ما ألفته مقصد المؤلفين ولا التأليف، وإنما كان يرد من الحق تعالى موارد تكاد تحرقني” ابن عربي.

النية واحدة من حيث ذاتها مختلفة ومتعددة من حيث منوياتها…”، يقول الشيخ الأكبر ابن عربي، الذي نسوقه للتساؤل عن بيان نوايا مخرجة الفيلم الوثائقي “زوايا الصحراء، زوايا وطن”، لنشير بأن لجنة الدعم وحدها تعرف سرائر نية المخرجة في ما كانت تسعى إليه من وراء هذا العمل وهي تضع رجلها في بلاد الساقية الحمراء ووادي الذهب، موطن القداسة والصلحاء، المنطوي على الكينونة ونظام التمثلات، حيث المجال والذاكرة والمقدس تعد من العناصر الدالة المرتبطة بها، والتي تجعل من حاضرة السمارة تحديدا مسارا للالتقاء الصلحاء والشرفاء والأسلاف، كما تحدد الخصوصية لهذا المجال.

فسيدي أحمد الركيبي، وسيدي أحمد العروسي، وبويا علي، هم نماذج من أسلاف قبائل المنطقة، هذا دون أن يفوتنا استحضار اسم الشيخ ماء العينين، ومن ثمة فإن الأنساب والروايات التاريخية تهيكل الزمن بين الأسلاف الذين وهبوا اسمهم للقبيلة، هذا بالإضافة إلى الأضرحة والزوايا التي تنتشر كمعالم في المنطقة وتمنح الساقية الحمراء طابعا مؤسسيا عميقا في تجدر قيم الأولياء والصلحاء، وعلى رأسهم سيدي أحمد الركيبي، الذي يمتد اشعاعه بامتداد نسله، نحو تندوف حيث تقام زاوية له، وفي بلاد مالي والسينغال وموريتانيا.

وإذا كان الناس من ذريته ومن قبيلته، مصدقون في أنسابهم على كل حال، فلا أحد يمكن أن يقف رقيبا على مجيدة بنكيران، في مقاربة موضوعها من زاوية التنقيب في أنساب الصلحاء والعلماء، وهذا مجال علمي وفرع من فروع التاريخ، يقوم على الأنساب والإسناد والتراجم، ولعل اهتمام العرب والمغاربة المتداول بشجرة الأنساب منذ القديم لم يأت سدى، بل كان الهدف منه تأسيس مصداقية المروي والرواية، ومن ثمة توثيقها على نحو من الدقة والمنهجية العلمية، لتؤدي وظيفتها في حفظ المأثور من تاريخ وإنتاج مختلف الأعلام…

وإن كانت المخرجة تريد أن تعزل بعض العناصر الأسطورية عن المقومات الفكرية والأخلاقية للزوايا والتجريح بالمفهوم الفقهي في أنسابها، ففي كلا الحالتين عليها أن تلتزم الحياد، فالنقد ليس كلام يصدر على عواهنه، بقدر ما هو ممارسة ديمقراطية تقوم على الحوار،  والحوار يكون بين طرفين أو أطراف، يقبل كل منها الآخر، النقد ممارسة تعتمد على المعرفة العلمية من أجل الحكم على موضوع، ومن هنا يستمد البحث مشروعيته، وحقل الزوايا في المغرب، كتب عنه الشيء الكثير، ونذكر بمجلة “المناهل” التي أفردت لها بعض من أعدادها، وقامت وزارة الثقافة في فترة سابقة، بإعادة إصدارها في مؤلفين كبيرين، هذا على سبيل الحصر لا القصر.

أما من يريد الحديث في علم الأنساب فعليه الاستئناس بشجرة القبيلة وباستشارة  المختصين في المجال، وعلى رأسهم عبد العزيز الثلاني، وهو مؤرخ يشتغل في المكتبة الوطنية، كما أن الأقاليم الصحراوية أنجبت باحثين ودكاترة في التاريخ والأنتربولجيا، كالبشير الضماني، ورحال بوبريك، واللائحة طويلة، كما توجد مكتبات عائلية في مختلف ربوع هاته الأقاليم تضم مخطوطات ومؤلفات للأسر العالمة بالمنطقة، وغيرها من المسارات العلمية الكفيلة بأن تضفي العمق على مستوى البحث، وغربلة المعطيات، وتدقيق المعلومات، لتكون مسنودة وموثوقة.

صدق المعلومات وموثوقيتها، وصلابتها، تلك أهم القواعد التي يقوم عليها الفيلم الوثائقي، ذو الطبيعة التاريخية والثقافية والسياسية، وكذا التراثية في شقيها المادي واللامادي، فكيف تغيب هذه المبادئ عن مخرجة تقول عن نفسها أنها تتوفر على شهادة الماجيستير في الفيلم الوثائقي، وأنها بصدد إعداد دكتوراه في المجال ذاته.

عذرا سيدتي، ما هذا الادعاء، وأنت ترسبين في أول امتحان، فلا تجعلي من نفسك زاهدا أحمقا مدثرا بالورع، وهي صفة لن نرضاها لك، ففي أول خرجة إعلامية لك حول الضجة التي أثارها فيلمك، تقولين إنك “لست مسؤولة عن مضامين الفيلم، وأن مجالك هو الرؤية الفنية الإخراجية”، بالله عليك ما هو الحيز الزمني لمداخلة “المؤرخ” بين قوسين الذي استندت إليه في الحديث عن سيدي أحمد الركيبي أثناء التصوير، ومن هو المسؤول عن اختيار  المقاطع التي تم توظيبها للشخص نفسه، هل الموظب وما دورك في مرحلة المونتاج والميكساج وأي رؤية فنية في بنائك للحكاية الفيلمية؟

المصور قام بالتصوير، والموضب قام بالتوضيب، وشخص ما اختار لائحة المتدخلين، فأين موقعك من هذا كله، الرياسة وحب الظهور والتعصب والكلام الشعبوي، هذا ما يمكن أن يستنتجه الناس من فحوى كلامك، حيث كان من اللازم تحمل المسؤولية والقول: “ليس في الإمكان أبدع مما كان”.

وإن كانت المسؤولية، تتحملها مختلف الأطراف بالتضامن، من الوزارة التي تعين اللجان في إطار العلاقات الشلالية، وبعض أعضاء اللجان، الذين لا يهمهم إلا المردودية المالية لأتعاب لا تكلفهم عناء قراءة المشاريع والتدقيق في موضوعاتها وزاوية معالجتها على مستوى المضمون والمقاربة البصرية والفنية، بقدر ما يسعون إلى ترضية الخواطر وخدمة المصالح الزبونية، والدليل هو السوية الفنية وغياب القيمة المضافة لما تراكم من لأفلام وثائقية حول الصحراء، إلا ما ندر.

وننوه بالمناسبة ببعض الأفلام  التي أنجزتها بعض الشركات بالأقاليم الصحراوية وعلى رأسها، فيلم “حياة مجاورة للموت”، لمخرجه الراحل مجيد لحسن، من إنتاج رحاب برود، الذي حقق  جوائز واحتفى به  أهل الصحراء، ونوهت  به الصحافة داخل المغرب وخارجه، نظرا للجهد الذي بدل فيه على مستوى البحث والتوثيق والدقة في المعطيات، وإجابته على قضايا الساعة  الراهنة، وكان بالأحرى من وزارة الثقافة أن تروج له  داخل الوطن وخارجه، فما سر ما  تعرض له من تهميش، هل هي نية لإحباط المحاولات الإبداعية الجادة، وفتح الباب على  الغارب للباحثين عن الريع في السينما والتلفزيون؟

نية التهميش وتكريس الرداءة هي العملة السائدة في تعاطي الوزارة ليس في حدود السينما والتلفزيون، بل المسرح مضاف إليهما، والعبرة بمهرجان تطوان الوطني، الذي توج عملا لم يضاهي أعمالا أخرى حصلت على جوائز في مهرجانات دولية لها صفة اعتبارية مشهود بتاريخها وقيمة جوائزها، والنتيجة كانت سخطا عارما من طرف الفاعلين في الحقل، يذكرنا بسخط الفنانين على نتائج مهرجان طنجة للفيلم الوطني.

السيد وزير الثقافة والاتصال، وهو يتوجه إلى العيون ليتمسح بشيوخ الرقيبات، طالبا منهم السماح، عليه أن يكون متسامحا مع نفسه، أولا بالاعتذار للمغاربة الذين وعدهم بفتح 150 قاعة سينمائية في نهاية 2022، وثانيا للمثقفين والمخرجين والفنانين، الذين وضع أمامهم سدا منيعا يسد منافذ التواصل، من خلال مستشارين لا يميز بعضهم بين إقامة فنية وإقامة سكنية، “دبر عليهم الوزير ويتدبروا لصحابهم”، والوزير مطالب بهلم اعتذارات لا يسع التوسع فيها، وربما هو مطالب محل موظف المركز السينمائي، المشهود بكفاءته ونزاهته، والذي جعل منه المتحكمون في إدارة المركز حيطا قصيرا، في تدبير أزمة ظاهرها فيلم ليس أبدع مما كان، وجوهرها هيكلي يرتبط بالمؤسسة وظلالها.

السيد الوزير، نتمنى أن تستفيد من وليد الركراكي، الذي خلد نفسه في التاريخ بحسن نيته وسريرته، فوجد الدعم من الشعب وأعلى سلطة في البلاد، فقالوا له “سير..سير”، ولم يرفع ولا واحدا في حقه شعار “ارحل”، كما أجمع الناس حول رئيسه فوزي لقجع، الذي استمد منه الدعم، بقولهم في حقه: “رجل مناسب في مكان مناسب”.

مرة أخرى، لا يسعنا إلا أن نطلب منك صدقك في عملك، والتي يلخصها المغاربة بكلمة النية، وتعريفها في الاصطلاح الشرعي كما جاء عند السيوطي في الأشباه والنظائر نقلا عن البيضاوي الذي قال: “النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا.

ختاما “كلا تيتسقى من نيتو”.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان

حقوقيون يطالبون المركز السينمائي بالكشف عن “لوبي الفساد” ومتابعته

جمعية اللقاءات المتوسطية للسينما وحقوق الإنسان كذبت “افتراءات” تم نشرها حول تقريرها بلسان مصدر عن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by Spam Master