الأغنية تفقد رائدا من روادها فتح الله المغاري..السينما والتشكيل ينعيان محمد أبو الوقار.. والكوميديا تبكي نور الدين بكر
بيت الفن
عاشت الساحة الفنية والثقافية المغربية، بداية الشهر الجاري (شتنبر 2022)، على وقع رحيل ثلاث قامات فنية كبيرة، ويتعلق الأمر بالفنان الكوميدي نور الدين بكر الذي ودع الحياة صباح يوم الجمعة المنصرم بالدارالبيضاء عن عمر يناهز 70 سنة، والفنان التشكيلي والمخرج السينمائي محمد أبو الوقار، الذي وافاه الأجل بروسيا عن عمر 76 سنة، ثم الملحن والزجال والمغني فتح الله المغاري الذي غادر الحياة بمدينة الرباط عن عمر 82 سنة.
فتح الله المغاري..فنان اجتمع فيه ما تفرق في غيره
بالمستشفى العسكري بالرباط، فقدت الأغنية المغربية رائدا من روادها الملحن والزجال والمغني فتح الله المغاري إثر أزمة قلبية ألمت به.
وفتح الله المغاري، ملحن وكاتب كلمات ومغني مغربي، ولد سنة 1940 بمدينة فاس، وهو واحد من مؤسسي الأغنية المغربية، عاش طفولته في وسط عائلي يهتم بالموسيقى، وبعد نيله شهادة بكالوريا عام 1958، بدأ الراحل مساره الفني زجالا وملحنا ومغنيا.
من أبرز أعماله التي لاقت رواجا ونجاحا واسعا “كاس البلار”، “اللي بنيتو راه الريح داه”، “خسارة فيك غرامي”، “رجال الله”، و”الله على راحة”، “فينك أ لحبيب”، “والله مانتا معانا”، “ضاعت لي نوارة”.
في السبعينيات حقق شهرة واسعة بأغنية “نداء الحسن” التي كتب كلماتها مع إعلان المغفور له الحسن الثاني انطلاق المسيرة الخضراء، وغنتها المجموعة بلحن وضعه عبد الله عصامي.
ساهم الراحل في تألق عدد مهم من الأصوات المغربية بكلماته وألحانه، حيث أبدع “ظروف” و”حبك محال” و”جرح قديم” و”الصنارة” لعبد الهادي بلخياط، و”الدار لي هناك” لعبد الوهاب الدكالي، و”خليك يا قلبي هاني” للراحل إسماعيل أحمد، و”ما بقيتي عندي فالبال” للحبيب الإدريسي، و”محال ينساك البال” للراحل محمود الإدريسي، و”هادا حالي” و”على غفلة” لنعيمة سميح، و”فايتلي شفتك” لسميرة بنسعيد، و”أنا فعارك يا يما”، و”عشرة لحباب” و”مغيارة” للطيفة رأفت…
أبو الوقار.. سينمائي استهواه الفن التشكيلي
مبدع “حادة”، الفنان التشكيلي والسينمائي محمد أبو الوقار، أبى إلا أن يزيد من حزن ومتاعب الوسط الفني بالمغرب، بعد رحيله المفاجئ، بروسيا التي اختار العيش فيها منذ سنوات إلى جانب عائلته الروسية.
وازداد الراحل محمد أبو الوقار سنة 1946 بمراكش، وتابع دراسته العليا بالمعهد السينمائي بموسكو من 1966 إلى 1973، واهتم بالرسم بعد مسار حافل في مجال السينما.
أنجز أبو الوقار مجموعة أفلام قصيرة، واشتهر أكثر بفيلمه الروائي الطويل “حادة” (1984)، الذي نال عدة جوائز مختلفة، منها أربع جوائز بالمهرجان الوطني للفيلم، ضمنها الجائزة الكبرى وجائزة السيناريو الذي كتبه أستاذه في اللغة العربية في مرحلة الثانوي المسرحي محمد مشعل، وقد أثار الفيلم ضجة لدى عرضه، واعتمد فيه على قصة فتاة تعرضت للاعتداء، حيث تروى الحكاية على خلفية تشكيلية تقوم على علاقة اللون بالوعي واللاوعي.
يكاد يكون محمد أبو الوقار أحد المخرجين العرب القلائل الذين اهتموا بتقديم تاريخ وأثر الفن من خلال العمل السينمائي. كما نظم معارض لأعماله التشكيلية، وصدر عنه قي سنة 2016 كتاب فني عن منشورات رواق “أتولييه 21″، بعنوان “محمد أبو الوقار: شغف الحلاج”، شارك في إنجازه كل من الناقد الفني عزيز الداكي والكاتب الروائي كبير عمي، إضافة إلى الصحافي والكاتب محمد جبريل صديقه من أيام الدراسة في موسكو السوفياتية.
وتنتمي أعمال أبو الوقار التشكيلية إلى عالم من الفانتازيا القاسية والمكتظة بالشخصيات والرموز المستعارة من الثقافة العربية التي يقوم بإعادة تشكيلها وفقا لمنظوره الخاص.
أخرج أبو الوقار أفلاما وثائقية حول الفن التشكيلي جمع بعضها بين المسرح والشعر والتشكيل، وسعى إلى توظيف تقنيات فن الفيديو والصورة الفوتوغرافية في مراحل متأخرة من تجربته، فأقام معارض فوتوغرافية إلى جانب معارض لأعماله التشكيلية.
درس الراحل محمد أبو الوقار الإخراج السينمائي في “المعهد العالي للسينما” في موسكو، الذي تخرج منه سنة 1973، ثم التحق بالعمل في “المركز السينمائي المغربي”، لكن سرعان ما عاد إلى موسكو للعمل في “استوديوهات غوركي”، قبل أن ينسحب من السينما ويتفرغ للتصوير وفن الفيديو والرسم.
على صفحتها بـ”الفايسبوك” نشرت ابنته آسيا أبو الوقار كلمة باللغة الروسية، جاء فيها “وفاة الأب يوم الفاتح من شتنبر .. أجد صعوبة بالغة في إدراك وفهم ما حدث، فوالدي كان هو الكون بالنسبة لي.. قبل ستة أيام دخل في غيوبة، وقبيل ساعات قليلة من وفاته، بعد أن تغلب على عسر النطق المتطور وكسر الارتباك، تمكن والدي من أن ينطق بكلمة “أحبك”..
كان واضحا أن هناك الكثير من القوة في هذه الكلمة لرجل يحتضر، لدرجة أن الأمر أصبح واضحا جدا. هذا شعور معبر عنه وهناك شيء تقف عليه الحياة..وبالطبع هذه الكلمات موجهة إلى جميع أبنائه وإلى الأحفاد الذين أحبهم كثيرا.. لقد كان سموحا متسامحا.. ولم تكن لديه ضغينة لأحد أبدا.. لم يحمل أبدا شرا لأحد في قلبه..وفي تلك اللحظة فقط كنت هناك…
قد تجد روحك يا أبي التحرر من القلق والمخاوف والآلام التي كانت في الحياة الأرضية..سنتذكر النور والفرح والطاقة واللطف والعمق الذي كنت تمنحنا إياه دائما…
أحبك يا أبي… نحن نحبك”.
من جانبه قال الناقد والمخرج السينمائي عبد الإله الجوهري، إن محمد أبو الوقار هو الفنان الذي نذر نفسه، منذ سنوات، للعزلة والابتعاد عن المجتمع الفني قدر المستطاع.
“حادة” عمله السينمائي الروائي الطويل الأوحد، يمكن اعتباره فيلما استثنائيا من حيث لغته، والفضاءات التي اشتغل عليها، وأيضا لتوظيفه رؤية تشكيلية ثورية، حقق من خلالها عملا مبهجا للعين ومكرسا سينما أخرى لم تكن التجارب المغربية قد غامرت من قبل في تحقيقها. لهذا استحق إعجاب النقاد والمثقفين وعشاق السينما، وفي الآن نفسه “سخط” العميان، وقليلي الفهم، ومن لا محبة له للصورة الجميلة الحاذقة. فلا عجب أن فاز بالجائزة الكبرى، بإجماع لجنة التحكيم، في الدورة الثانية من دورات المهرجان الوطني للفيلم بالرباط سنة 1984.
أما الناقد عادل السمار فقال “حين التقيت الفنان السينمائي والتشكيلي محمد أبو الوقار في افتتاح المعرض الاستيعادي لأعماله التشكيلية الذي احتضنته فيلا الفنون بالرباط ما بين 10 يناير و 30 مارس 2020، خاطبته مازحا: يجب تنظيم عرض خاص لفيلمك “حادة” لكي تكتمل النظرة الاستعادية لمنجزك الفني. فبرقت عيناه والتفت نحو رفيقته قائلا: اسمعي ماذا يقول، إنهم يعرفون فيلمي، أنتم من تقولون ألا أحد مازال يذكرني في هذا البلد..
تحدثنا بعدها عن غياب نسخة صالحة للعرض من فيلمه، متمنيا أن يتم ترميم أو رقمنة نسخة فيلمه. لم تكن لي معرفة شخصية كبيرة بالرجل، ولكن شغفه وبريق عينيه وهو يتحدث عن فيلمه أو أعماله الفنية، هو من الشيء النادر الذي لا تراه إلا لدى الفنانين الحقيقيين.
نور الدين بكر.. سلطان الكوميديا
بعد صلاة عصر يوم الجمعة المنصرم بمسجد الشهداء شهدت مقبرة الشهداء بالدار البيضاء، مراسم تشييع جثمان الراحل نور الدين بكر، الفنان والممثل والمسرحي، في موكب جنائزي مهيب حضره أفراد أسرة الفقيد وأقاربه وذويه، إلى جانب العديد من الفنانين والممثلين والكتاب والإعلاميين.
وقال الفنان محمد الخياري، ضمن شهادات إن الراحل يعد أكاديمية في فن التمثيل ومعلمة تاريخية في المسرح.
وتابع أن الفقيد يعتبر سلطان الفرجة وأمير الكوميديا وملك خشبة المسرح، مضيفا أن الراحل كان له الفضل في بزوغ اسمه في سماء الفن المغربي، مبرزا أن بكر كان محرك مسرح الحي.
من جهته، قال حسن الرايس، الإعلامي والكاتب المسرحي، إن رحيل الفنان نور الدين بكر المبدع الكبير والصديق، خسارة كبيرة، مستحضرا في هذا السياق قولة الفقيد “لا يمكن أن تكون فنانا إذا لم تكن إنسانا”، مضيفا أنه تعلم من الفقيد التعامل الإنساني بين الفنانين والجمهور.
وواصل أن نور الدين بكر، الذي حظي بحب الجميع، من طينة الفنانين الذي يقدم فنا راقيا ويصمت ولا يشكو حاله إلى الغير.
وكانت النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية قد نعت الفنان والممثل المسرحي الكبير نور الدين بكر، الذي وافته المنية صباح يوم الجمعة المنصرم بالدار البيضاء، بعد معاناة مع المرض.
ويعد نور الدين بكر من أشهر الكوميديين المغاربة، دخل عالم التمثيل في سن مبكرة، مع الراحل عصفور ودخل مرحلة الهواية مع عبد العظيم الشناوي، مرورا بالطيب الصديقي إلى فرقة مسرح الحي، التي قدم معها أشهر أعماله من بينها “شرح ملح” و”حب وتبن” سنة 1998، بالإضافة إلى مسلسلات تلفزيونية، أشهرها “سرب الحمام” سنة 1998 مع رشيد الوالي، ومجموعة من السيتكومات والمسرحيات التي بصم من خلالها الراحل على مسار مهني حافل بالنجاحات قبل أن يبعده المرض عن الساحة الفنية.
وشارك الراحل في شهر رمضان الماضي، في سيتكوم “زنقة السعادة” الذي عرض على القناة الثانية “دوزيم”، رغم مرضه الشديد.
كما شارك في العديد من الأعمال السينمائية من بينها فيلم “الزفت” للراحل الطيب الصديقي، و”عمي” لنسيم عباسي، و”براكاج بالمغربية” لأحمد الطاهيري الإدريسي.