العزة بيروك

الناقدة المغربية العزة بيروك تدعو إلى توثيق الشعر الحساني

بيت الفن

دعت الناقدة والشاعرة العزة بيروك إلى تأسيس مجموعات البحث في الثقافة الحسانية، وتشجيع التوثيق والتدوين للمنجز الشعري الحساني خوفا عليه من المحو. ونوهت الباحثة، وهي تستقصي أسئلة الهوية والصحراء والمرأة في الشعر الحساني، في فقرة “الإقامة في القصيدة” التي نظمتها دار الشعر بمراكش، أخيرا، بمقر الدار الكائن بالمركز الثقافي الداوديات، بغنى التجربة الشعرية في منطقة بني حسان الممتدة في الجنوب، بروافدها المادية واللامادية.

وأوضحت الناقدة والشاعرة الدكتورة العزة بيروك، خلال اللقاء، الذي شاركت فيه الفنانة آمال بنعلية والعازف رضوان بقشيش بفقرات موسيقية تمتح من التراث المغربي، أن تثمين هذا المنجز الشعري الحساني، بجمالياته التي تمزج بين الأدب العربي الأصيل وغنى اللهجة والموروث الحساني، يفترض المحافظة عليه وترسيخه ضمن منظومة الثقافة المغربية، مع التأكيد على خصوصيته، فالشعر “لغنى”، يحفل بالعديد من نقط التقاطع بينه وبين الشعر العربي القديم (الغزل الحساني نموذجا)، إلى جانب مواضيع أخرى.  وتكفي الإشارة هنا، إلى “الطلعة”، التي عوضت المقدمات الطللية مع الاحتفاظ على تيمة الموضوع والدلالات، بصيغ مختلفة تتلاءم وطبيعة المجتمع الصحراوي.

وركزت الباحثة العزة بيروك على طبيعة النص الشعري الحساني، في خضوعه لنظام “عروضي” داخلي، إلى جانب ارتكازه على “أشطر” تتوزع القصيدة. وتضفي خاصية الترقيق، وأيضا خاصية نطق بعض الأحرف، سمات خاصة تحدد جماليات النص الشعري الحساني الذي يظل خاضعا لطقوس محددة، ترتبط بعضها باليومي وبالحياة في الصحراء وعند آهل “البيضان”.

وعكس ما يتبادر لأذهان البعض، فالشعر الحساني يخضع لقواعد وبنيات عروضية وبلاغية وإيقاعاته الموسيقية (لبتوت). وسواء البيت (الكاف) أو الطلعة (القصيدة)، فإن الشعر الحساني، مثله مثل باقي جغرافيات الشعر الإنساني، خضع لتطور وتحولات مست بنيته الداخلية. ولعل هذا المعطى هو ما يؤشر، حسب الباحثة بيروك، إلى ضرورة استقصاء علمي ومعرفي ببنياته الداخلية ودراسته.

لا ينفصل الشعر الحساني (لغنى)، عن الموسيقى بل ينذغمان بشكل كلي وينصهران في بوثقة واحدة. ولعل خضوع أوزان نظم لغنى، أضحى يرتبط بهذا التطور والتحول إلى ضرورة ارتباط الشعر بالغناء. طبعا لا تنفصل أغراض الشعر الحساني، عن الأغراض المتعارف عليها، كـ (الغزل، المديح النبوي، الرثاء، الصحراء، الوصف…). وانتقلت الباحثة العزة بيروك في القسم الأخير، إلى حضور المرأة في الشعر الحساني (والثقافة والمجتمع البيضان عموما)، على اعتبار خصوصية المرأة ووضعها اللافت في التراتبية الاجتماعية.

وإذا كانت “الطلعة”، تؤشر للقصيدة و”لبتوت” للبحر (كما في الشعر العربي)، فإن شعر التبراع، وهو الكلام الموزون تزنه النساء للتغزل بالرجال، (يتكون من شطرين وأقرب إلى “الشذرة”) تعتبر فيه المرأة حاملا للقول الشعري، وتكفي “تبريعة” واحدة للتعبير عن المعنى من خلال التكثيف الدلالي والاستعاري. وأكدت الناقدة بيروك، أن “التبراع” شعر خاص بالمرأة الحسانية، استطاعت من خلالها التحرر من القيود الاجتماعية. غير أنه طقس غزلي صحراوي بامتياز، دأبت على إبداعه الشاعرات الصحراويات، وكن حريصات على تداوله دون اسم، إذ لا يمكن التعرف على أسماء الشاعرات ولا انتمائهن. وأوضحت الناقدة بيروك أن قصيدة شعر التبراع تروج بدون معرفة قائلتها، نظرا للضوابط الاجتماعية، لكن لوحظ السنوات الأخيرة تحرر من هذا المعطى، وأمست العديد من الشاعرات ترسخن أسماءهن في المشهد (فرحة منت الحسن، خديجة لعبيدي،  دستورة..الخ).

وحرصت الناقدة والشاعرة العزة بيروك، في جميع محاور اللقاء، أن تقدم مقاطع شعرية من الشعر الحساني، ضمن المحاور التي خصصتها فقرة الإقامة في القصيدة لدار الشعر بمراكش.

وأكدت الباحثة أن الثقافة الحسانية، والأدب الحساني خصوصا، يعد رافدا من روافد الثقافة المغربية، ويشكل مكونا أساسيا من مكونات الهوية المغربية، لذلك دعت بيروك، إلى ضرورة الاهتمام بهذا المنجز الغني، وإيلائه مزيدا من البحث والاهتمام على صعيد مختبرات البحث الأكاديمي وأيضا الحرص على توثيقه وتدوينه. هذا الإرث والتراث الحساني، الذي يمتلك مقوماته الذاتية وعمق أصالته الفنية، في قدرته على تجسيد البيئة الصحراوية. لكن، في الآن نفسه، امتلاكه لأصالته المتفردة من الأدب العربي.

الشعر الحساني اليوم، الذي بدأ يشهد حراكا لافتا في توثيقه وتدوينه، ومحاولات حثيثة لجمع وتوثيق هذا التراكم، أمسى يحتاج لتظافر الجهود لتجميعه، وقد أعادت الناقدة بيروك تأكيد ضرورة توثيق هذه الذاكرة الشعرية خوفا عليها من الانمحاء، وتجاوز طبيعتها الشفوية وضرورة تدوينها. الشعر والأدب الحساني، الذي يظل مكونا من التنوع الثقافي للهوية المغربية.

يشار إلى فقرة “الإقامة في القصيدة” التي تأتي ضمن برنامج الموسم الرابع 2020/2021، تشكل لحظة شعرية ونقدية للاقتراب من تجربة إبداعية ونقدية مغربية، استطاعت أن تنسج من خلال مسارها الشعري والنقدي، انشغالها العميق بأفق القصيدة وأسئلة النقد الشعري.

والجدير بالذكر أن الناقدة العزة بيروك (من مواليد مدينة كلميم)، رئيسة مركز “أهل بيروك” للتراث والأبحاث والتنمية التي سبق لها أن حصلت على شهادة الدكتوراه في الآداب تخصص تراث شعبي من جامعة الحسن الثاني/ بنمسيك الدار البيضاء سنة 2013 وحدة  توثيق وتحقيق ودراسة التراث المغربي المخطوط والشفهي، في موضوع “الغناء والرقص الحسانيان: توثيق ودراسة”. وإلى جانب مقالاتها المنشورة في العديد من الجرائد والمجلات، شاركت الباحثة العزة بيروك في العديد من الندوات ناقشت مواضيع (صورة المرأة الحسانية من خلال الكتابات الكولونيالية، الأشكال المسرحية الحسانية، شعر التبراع، الموروث الحساني، الأدب الحساني، أهازيج وادي نون: الكدرة، الهرمة، كنكا..).

وشكل اللقاء بالناقدة العزة بيروك مناسبة للاقتراب من أسئلة الشعر الحساني، من خلال السفر في أقانيم أسئلة الهوية والصحراء وحضور المرأة في هذا المنجز الذي يشكل، بزخم تراثه المادي واللامادي، مشتلا مفتوحا على أسئلة الثقافة المغربية الغنية بتعددها (العربي والأمازيغي والحساني والمتوسطي والإفريقي).

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

الدرس الافتتاحي لدار الشعر بمراكش يستقصي العلاقة بين الشاعر والمترجم

نورالدين الزويتني وثريا إقبال وسعيد العوادي يستقصون سؤالا يتعلق بموضوع “الشاعر والمترجم: النص والآخر“… بيت …