وليد السجعي
بمبادرة من جمعية أصدقاء متحف “الطنطان”، يعرض الفنان والناقد التشكيلي المغربي إبراهيم الحيسن جديد أعماله الفنية بالمتحف البلدي للتراث الأمازيغي بأكادير خلال الفترة الممتدة من 7 إلى 28 يوليوز 2017.
وسيصدر بمناسبة تنظيم المعرض الذي يحمل عنوان “آثار مترحلة” “كاتالوغ” يقع في 64 صفحة يتضمن صور الأعمال الفنية وعدة نصوص ومقاربات باللغتين العربية والفرنسية لنخبة من النقاد من المغرب وفرنسا ومن أقطار عربية شقيقة، منهم طلال معلا من سوريا، أمل نصر ومصطفى عيسى من مصر، فاتح بن عامر وسامي بن عامر من تونس، دانييل كوتورييه من فرنسا.
ومن المغرب كل من محمد الشيكَر، شفيق الزكَاري، بنيونس عميروش، حسن المقداد وسعيد كرماس.
وسيتم بالمناسبة ذاتها، تنظيم ندوة بتنسيق مع اتحاد كتاب المغرب حول موضوع “المشترك الجمالي بين الفن والأدب”، يسيرها الناقد ورئيس اتحاد كتاب المغرب عبد الرحيم العلام، ويشارك فيها نقاد وكتاب وفنانون هم رشيد يحياوي، لطيفة باقا، عبدالقادر عبابو ورشيد الحاحي.
يتضمن المعرض ثلاث مجموعات فنية ويمر عبر ثلاث جولات جنوبية تنطلق من أكادير، مرورا بطنطان وانتهاء بالعيون ليشد الرحال عقب ذلك إلى العاصمة الرباط، ويرافقه تنظيم ندوات تداولية وموائد مستديرة وتوقيع إصدارات حول الفن التشكيلي بمشاركة وازنة لنخبة من النقاد والباحثين العرب والمغاربة.
تمتح اللوحات المقترحة لهذا المعرض خاصيتها الإبداعية من التراث الثقافي والجمالي في الصحراء من خلال إيقاع خطوات الإبل ودقات أوتاد الخيمة وحركات الكثبان الرملية وأصوات الرياح، وكذا الصبغات البادية في الرداء واللباس التقليدي، لاسيما ملاحف النساء الصحراويات بألوانها البهية والمعبرة، فضلا عن الرموز والعلامات المختزلة والشكول التجريدية المعتمدة في تنميق المشغولات اليدوية المحلية.
وتقول أمل نصر (فنانة وناقدة تشكيلية، رئيسة قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية – مصر: على الرّغم من الأصول الطبيعية التي يُرجع إليها الفنان إبراهيم الحَيْسن تجربة معرضه «آثار مترحِّلة» إلا أنه قدم الطبيعة بصيغة بصرية تجريدية، مشحونة بجملة من التأثيرات الانفعالية التي أضفت على تجربته دلالة وجدانية خاصة ارتبطت بذاكرة الصحراء، وكشفت عن تمتعه بحساسية تصويرية تمنحه تلك النظرة العاطفية للطبيعة. وينضمُّ الفنان إلى قطاع من المبدعين ارتكز على الطبيعة محلقاً نحو التجريد، فاحتفاظه بعبق الصحراء الذي يكتنزه قاطنوها ومحبُّوها يضفي على أعماله ذاكرة خاصة تصنع تلك الهالة العاطفية حول أبنيته التصويرية التجريدية.
لقد فكك الفنان عناصر الصحراء من آفاق ورمال وسماوات وسراب وبعض الخضرة النادرة ليُعيد رسمها بحرية مطلقة في تجريداته الملونة ليذكرنا بمقولة ف. كاندينسكي رائد التجريدية التعبيرية: «في اعتقادي أن الحدود الحرة غير المرتبطة بالشيء توفر للون إمكانيات إحداث اهتزاز خالص أكثر مما تعطيه حدود أي شيء فتثير انفعالات أكثر حرية ومُرونة.. إنها ببساطة تجريدية». يترك إبراهيم الحَيْسن لخبراتنا الجمالية أن تقوم بمهمة «تجميع» و«تنظيم» تلك البنيات المجردة في عمله الفني، ويترك لخبراتنا الحياتية أن تُستثار برصيد الآثار التي خلفتها على أرواحنا انفعالات الحياة المختلفة. والفنان يقدِّم نسيجاً للصورة غارقاً في التضادات وفي الحوارات الخاصة التي يُديرها الشكل من خلال ذاكرة بصرية حاضرة قادرة على اقتناص اللون والخط والضوء والهواء من حياة الصحراء، منزوعة عن جسد الأشياء المادي وترسيم تفاعلاتهم الخاصة على مسطحه التصويري.
ويتحدث مصطفى عيسى (فنان وناقد تشكيلي- مصر) عن أعمال إبراهيم الحيسن قائلا: من قريب، تبدو للصحراء مكانة في هذه التجربة الفنية الجمالية. فهي ترتحل داخل الفنان ومعه. إنها تلازمه، رغم التفاوت والتباين الحادث بين الدلالة والأثر المطبوع، وبين المعنى الكامن في ظل طبيعة تتسلل إلى المرء على مهلٍ، وفي أناة، كي تكسبه دهشة مُحببة، راحت تستظل برُوح العابر، فتكسب لوحته تفرُّداً مصنوعاً وفق لغة لا تجنح للمبالغة، ولا تبتغي سوى كُنْه الموقف الإبداعي وسلاسته. يصنع الحَيْسن لوحته من نسيج حاضر بين اليَدِ، وتلك بديهية تحققها الرؤية والعين، فضلاً عن بصيرة ترتقي بالفعل إلى حالاتها الخاصة. ما ينحو إليه الفنان إذن، يكمن في الظل اللامحسوس، كونه ظلاً لا يتبع إلا نفسه. إنه الظل المُرتحل في مُخيًّلة الفنان رغم وقوعه وتعينه في مناوشات الجمالية التي يحتملها رداء امرأة في صحراء بدوية تتزين بخصوصيتها.