لا يمكن الحديث عن المصطلحات الفنية في النقد التشكيلي العربي بدون الحديث عن المجهود العلمي والبيداغوجي الذي بذله الناقد والفنان المبدع إبراهيم الحيسن…
بيت الفن
بحضور نخبة من الفنانين والمثقفين والإعلاميين والطلبة، احتضنت رحاب المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء يوم الجمعة المنصرم حفل توقيع كتاب “الفن التشكيلي المعاصر- صدمة الراهن” للفنان والناقد التشكيلي ابراهيم الحيسن.
في البداية قدم سعيد كيحيا، مدير مدرسة الفنون الجميلة، كلمة افتتاحية شكر في مستهلها الأساتذة والفنانين والمثقفين والطلبة الحاضرين، منوها بأهمية مثل هذه اللقاءات الفنية التي تندرج ضمن الأنشطة الثقافية التي يستفيد منها طلبة المدرسة. كما ألقى شهادة في حق الناقد المحتفى به إبراهيم الحيسن من خلال إصداراته وإسهاماته النقدية التي تغني المكتبة الفنية المغربية والعربية.
وقال “أن تخوض غمار الكتابة عن ابراهيم الحيسن ليس بالأمر اليسير والهين، وبالأحرى عن غمار تجربته الفياضة والضافية. فهو الإنسان الخلوق والمبدع الخلاق. هو أيضاً الأستاذ المربي، والكاتب المرموق، والباحث الموسوعي من طينة الأعلام، تشهد على ذلك إصداراته العلمية، ودراساته النقدية الجمالية، وأبحاثه الميدانية المتواصلة بدون انقطاع كماً وكيفاً.
وأضاف “السي الحيسن”، كما أحب أن أناديه، مثقف عضوي متعطش جدا لذخائر التراث الصحراوي كرافد من روافد الهوية المغربية العريقة والأصيلة، التي قارب تعبيراتها الشفهية والمكتوبة والبصرية بشكل معمق في معرض بحوثه الإثنوغرافية المحكمة.
في مغامرته الإبداعية الترحالية، اتخذ إبراهيم الحيسن من سنائد الورق والحبر صديقين حميمين متلازمين، للتعبير عن خلاصات كشوفاته العلمية والتجريبية في المجالات التخييلية، والأدبية، والرمزية، والأنثروبولوجية.
بعد ذلك، تناول الكلمة الناقد والباحث الفني الباحث الأكاديمي عبد الله الشيخ نيابة عن الطاقم التربوي بالمدرسة، شكر فيها الحاضرين ومبرزاً الأهداف البيداغوجية والتكوينية لمثل هذه اللقاءات التي تفتح أبواب النقاش والتفاعل حول مستجدات الحقل التشكيلي والبصري المحلي والدولي من خلال المحاضرات والندوات واللقاءات المفتوحة وتوقيع الإصدارات الفنية بحضور المؤلفين من داخل وخارج المغرب. وعزز الشيخ تدخله بشهادة حول المسار الإبداعي والنقدي للفنان والناقد الحيسن، من بين ما جاء فيها: “لا يمكن الحديث عن المصطلحات الفنية في النقد التشكيلي العربي بدون الحديث عن المجهود العلمي والبيداغوجي الذي بذله الناقد والفنان المبدع إبراهيم الحيسن (هو أيضاً مفتش جهوي تخصصي لمادة التربية التشكيلية بالمغرب) على مستوى الحفر في آليات التلقي التشكيلي والجمالي، إذ يظل الهدف المركزي لمشروعه الاصطلاحي هو تهييئ المتعلم بطبيعته البيوعصبية لاستيعاب وبناء المهارات والقدرات النفسية التي تساهم لا محالة في بلورة شخصيته وفق الكفايات المنشودة كما أكد ذلك الباحث عبد الكريم غريب”.
كما قدم الباحث الجمالي محمد الشيكر قراءة في كتاب “الفن التشكيلي المعاصر- صدمة الراهن”، استعرض فيها خرائط الكتاب بإسهاب، من خلال التنقل بين أقسامه ومحتوياته، ومتوقفاً عند المفاهيم والسياقات البصرية والتاريخية التي استند عليها.
يقول الشيكر “إبراهيم الحيسن ناقد فني مهجوس بكارتوغرافيات الفن المعاصر المنذورة للصيرورة والتقلب الدائبين. فله – في ما حبره من كتابات نقدية وما أنجزه من أعمال فنية- كلفٌ مخصوص، وولع متميز باستقراء ملامح التحول المفصلية التي شهدتها خرائط التشكيل الراهنة، والتي طالت أنساقه المعيارية ومرجعياته الجمالية. وكتابه المحتفى به، اليوم، عنوان على هذه المساءلة الملحاحة لراهن الفن التشكيلي، ولثورته على كل من البراديغمين الكلاسيكي والحداثي. إنه عمل نقدي مائز يضع القارئ وجهاً لوجه إزاء انعطافات الفن المعاصر، ويمكنه من التعرف على فتوحاته المثيرة، ومن القبض على رؤى جمالية مغايرة، وإنشاءات مفهومية جديدة، وقيم تعبيرية غير مأنوسة في التركيب الفني والتشكيل الكروماتي والاستعارة التعبيرية.
يقودنا إبراهيم الحيسن في منجزه المحتفى به ملء إمبراطورية المرايا المحدبة والمتصاقبة التي يشيدها الفن المعاصر ويقوضها في ذات الآن، ويستميلنا إلى عالم الإنشاءات بزئبقيته وهشاشاته، وإلى سينوغرافيات الجسد كما يمعن فن البرفورمانس في صياغة تضاعيفها، ويشرع أعيننا على إستتيقا العابر والمتلاشي والمنعطب والمبتسر، التي تحول صدمة الراهنية إلى راهنية للصدمة، وتنشئ ريطوريقا جديدة تصدم العين وتحلحل سكونها وتقض ضجعتها، بدل أن تستدرجها إلى ضرب من المتعة الخاملة أو اللذاذة الواهمة. إنه، بحق، كتاب/كاتب جسور يدعونا، حسب تعبير نتشه، إلى التفكير في الفن المعاصر، وفي بلاغاته البديلة على وقع المطرقة، وعلى إيقاع جنيالوجيا الهدم والبناء.
في الأخير، أعطيت الكلمة لمؤلف الكتاب الناقد ابراهيم الحيسن الذي شكر بدوره الحاضرين، منوها بكل الجهود الطيبة التي بذلت من أجل إنجاح هذا اللقاء الثقافي البهي، إخراجا وتنظيما وتقديما وحضورا. ليفتح باب المناقشة، حيث طرحت أسئلة عديدة حول محتوى الكتاب وموضوعه بمشاركة وتفاعل طلبة المدرسة.