محمد كارة يكشف أسرار “بيت الأعالي” في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة

الفيلم سيعرض اليوم الأربعاء في الساعة السادسة والنصف الأربعاء 22 أكتوبر الجاري بالقاعة الكبرى ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة

بيت الفن

يتناول المخرج ومدير التصوير محمد كارة في الفيلم القصير الموسوم بـ”بيت الأعالي” إشكالا وجوديا متعلقا بصراع الأنوثة والذكورة، ضمن قالب سردي إبداعي، يستند إلى المعاش والموروث الثقافي السائد، يحتضن المباشر واللا مباشر، الواقعي والمتخيل، الواضح والرمزي، اليومي والعارض في علاقة مع أفعال الشخوص وكلامها وعلائقها، عناصر سنفصل فيها مع المخرج على هامش مشاركته في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة بهذا العمل ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، حيث سيعرض اليوم الأربعاء بالقاعة الكبرى عند الساعة السادسة والنصف الأربعاء 22 أكتوبر الجاري.

محمد كارة وفي تصريح لـ”بيت الفن”، يقول إن صراع الذكورة والأنوثة، لها تجليات عدة ومعاشة داخل المجتمع، نلتقطها عبر مشاهد وألفاظ وتعبيرات، كالقول للصبي لا تبك، الفتيات هن من يبكين، في إشارة إلى أن الهشاشة العاطفية والرقة والحنان والخجل والطيبة والسماح وغيرها، هي من سمات الأنثى، بخلاف الرجل الذي يجب أن تتوفر فيه صفات الرجولة بما تحيل عليه من قوة وشجاعة وشهامة وصبر وإصرار وتحدي و”جدعنة” بالتعبير المصري، وهي صفات حتى وإن توفرت في المرأة، نقرنها دوما بالرجل، كالقول: “امرأة بألف رجل”، وهي في الوعي الجمعي مجرد حالة استثناء.

وفي حالات عدم تطابق كلام الرجل مع أفعاله أو حين يخلف وعده، يقال عنه إنه يبيع الكلام، أو أن ما يصدر عنه مجرد كلام نسوان، والأمثلة عديدة، فما معنى أن يكون المرء شريفا رجلا كان أو امرأة وهو يعمد إلى الغش والدهاء ويجعل من المراوغة فضيلة، أو يقدم خدمة تحت الطلب بمقابل أو لمصلحة، أكان موظفا بسيطا أو في منصب سامي أو يمارس مهنة نبيلة كالصحافة والمحاماة أو حتى نقابيا، فلا بقع رمادية في الأخلاق.

ويؤكد محمد كارة، أن المجتمع الذكوري يعيش حسب ما هو مقبول من القواعد المسوغة من طرفه، أخلاقيا، قانونيا واجتماعيا، حتى وإن كانت تعكس قيما سلبية، فإن الوعي السائد لا يعمل على مساءلتها باعتبارها أعراف وتقاليد جارية وحتمية، وهو ما يجعله تبعا لذلك، لا ينظر إلى الإنسان كان ذكرا أو أنثى وفقا لسلوكه وممارسته المحددة لوعيه وقدراته، يضيف المتحدث.

ومن هذا المنطلق فإن مسألة النوع تبعا له، تراكم موصول في المنجز السينمائي الوطني والدولي، وما عرض من أفلام خلال الدورة الحالية للمهرجان، كالفيلم الطويل “الوصايا”، والفيلمين القصيرين “طر بي إلى القمر”، و”شيخة” على سبيل المثال يظهر ذلك.

ومن وجهة نظر محمد كارة، فإن “بيت الأعالي”، يندرج ضمن هذا التنويع على حرف “الميم”، القائم على سيناريو كتبه حميد عزيزي، “فعملت على تحويله إلى الشاشة الكبرى، حيث وجدت فيه إلى جانب الشركة المنتجة “رحاب برود”، مقاربة سردية تقوم على التخييل لا الوصف التقريري -الذي يتم تصريفه ذهنيا على لسان الشخصيات، يقول المخرج.

ويضيف، بالنظر إلى السيناريو فإن الشخصيات المرسومة فيه، تتبدى أنها من لحم ودم، لها سماتها الفيزيقية والنفسية، بما يجعل أفعالها وحواراتها تتسم بالصدقية، حوار موسوم بلون محلي ومنسجم في أبعاده مع الحدث، والزمان والمكان، وكذا اللغة الحاضنة لهاته البيئة وهي الأمازيغية، والمتوافقة مع الفضاء العام الذي تدور فيه القصة، وكانت هذه العناصر هي الحافز الذي دفعه للانخراط في المشروع. ويشير إلى أن البيت يتبدى كبؤرة مكانية محاطة بالأسرار، لا يبلغها إلا الرجال الشجعان، الذين ما عاد لهم أثر في القرية تبعا لخطاب الجد الموجه للطفل. فمن هو يا ترى القادر على بلوغ ذلك المكان؟ وحدها طفلة يافعة تقرر خوض المغامرة، لكن في أثناء الرحلة ستنتابها حالة من الرعب والخوف والتردد والشك، فتحاول أن تكون مسترجلة لاستعادة التوازن، وفي اللحظة ذاتها تخوض صراعا داخليا لتنزع عنها هذا القالب من أجل إثبات ذاتها وأنثويتها وصلابتها في تحدي كتلة جبلية طبيعية صلدة، وفي الآن عينه تحاول التحرر من كتلة من المواضعات والقيم والعادات التقليدية، التي تعكسها العديد من المقولات الشعبية المتداولة في الأوساط الاجتماعية المغربية، ومن بينها الوسط الأمازيغي، كما سيرد في جزء من الحوار بالفيلم، حيث توجه أحدى السيدات كلامها لبطلة الفيلم بالقول :”النعجة حتى وإن لبست جلد النمر، فإنها تظل مسكونة بغريزة الخوف من الذئب”. بمعنى أن المرأة تظل دائما عاجزة عن القيام بأدوار الرجل… ويوضح كارة، بأن المنطق الذي يعكس مستوى وعي وتمثلات السيدة المتحدثة عن موقع المرأة في المجتمع، ترفضه بطلة الفيلم ليس عن وعي كامل، بل عن وعي حسي، اكتسبته من خلال خبرتها وأدوارها في البيت، فهي تقوم بعمل شاق كجمع الحطب في وسط طبيعي دو تضاريس وعرة وفي مناخ بارد، وتحلمه على أكتافها، تغسل الصوف وتنسجه وتقوم بصباغته، إضافة إلى أعباء كثيرة لا يقوم بها الرجال، حس نحث ملامح شخصيتها المتسمة بالصلابة والثقة النسبية بالنفس، وما يصدر عنها من كلام لا يخلو من السخرية والحدة، تبدت في أكثر من موقف ومشاهد تناولها الفيلم في تقديم الشخصية، راسمة ملامح وعيها الحسي والاجتماعي ودواخلها النفسية.. المنسجمة مع رغباتها والحوافز التي قادتها لخوض المغامرة إلى البيت العلوي الذي يشكل بؤرة الحكاية، بشكل مباشر وغير مباشر.

ويستطرد، القصة كما قلت، تحتضن المباشر والغير المباشر، فـ”بيت الأعالي” الذي لا يصله إلا الرجال الشجعان، يبقى مبهما، وهو ما يحفز المشاهد للتنقيب عن الأسباب المحتملة، هل تكمن في بعد المسافة؟ هل في وعورة الطريق المؤدية إليه وخطورتها؟ أم أن الخطورة تكمن في كون هذا البيت مسكون بالعفاريت أم ماذا؟

وهو ما ينطبق، أيضا، على الحوار حسب المخرج، فحين يسأل الطفل عن مفهوم الرجولة بما أن الجد سبق وأن أجابه بأن الرجال الذين كان بإمكانهم الوصول إلى هذا المكان غابوا ورحلوا، يرد عليه الطفل بأن هناك رجال في القرية، لكنهم حسب وجهة نظر الجد الكفيف ذو البصيرة، هم ليسوا كباقي الرجال، لكن الطفل يعبر للجد عن عدم وضوح جوابه في تحديد ماهية الرجولة، فيرد عليه هذا الأخير، كالتالي: “الذي يعرف ما يتوجب عليه فعله، ولم يفعل، لا يعد رجلا، وهو ما يجعل الطفل يعبر عن أسفه للجد لأنه لم يقدم له جوابا شافيا، غير أن هذا الأخير يعلق على ذلك قائلا: “العارف ينصت، والذي لا يعرف نقدم له شرحا، والذي لا يعرف كونه لا يعرف نسل له أذنيه”، فما بين الواضح والرمزي في هكذا مقتطف من الحوار، نشرك المشاهد في صياغة السؤال بالطريقة التي تحفزه بشكل أكبر في التنقيب عن الإجابات. وعن طبيعة الرؤية الفنية للمخرج، يبرز هذا الأخير، بأنه حاول  أن يجعل الحكاية تتساوق مع الفضاء المتخيل في السيناريو، باختيار الفضاء الطبيعي الملائم للقصة، وبعد جهد جهيد، سيعثر في ضواحي دائرة القصيبة جماعة الدير، عن موقع يسمى “ثيثتنزيزة”، على مختلف عناصر الديكور المطلوبة، تمثل في بيت مقام فوق تلة وعند منحدرها قطعة أرض منبسطة، تستغلها العائلة لبعض أنشطتها المنزلية والفلاحية، وفي الجهة المقابلة للتلة جبل شاهق يتمدد كلوح طويل يتسم بتدرجات حادة وفواصل أفقية متكررة وصخور جرانيتيه لا يمكن تسلقها إلا من طرف المحترفين المختصين، وعلى قمته يبرز بيت مهجور صممه فنان الديكور الراحل إدريس صولاحي.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

حضور فيلموغرافي مغربي متميز في مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة

3 أفلام مغربية تنافس على جوائز المسابقة الرسمية الطويلة للدورة الـ25 من المهرجان الدولي للسينما …