53 سنة من العطاء السينمائي و30 دورة انتصرت في مجملها للسينما العربية ومعها السينما الإفريقية
تونس: عبد الإله الجوهري
قراءة سريعة لبرنامج الدورة يجعل القارئ المتتبع يعرف أنه أمام دورة غنية بالفعاليات والأنشطة واللقاءات والأفلام المشاركة القادمة من دول عربية وإفريقية، إضافة لأفلام ممثلة لبلدان عالمية عديدة في فقرات مختلفة متباينة يصعب حصرها في عجالة، حيث تمت برمجة مائة وسبعون فيلما قادما من 40 دولة موزعة على القارات الخمس، أفلام مستقلة تعكس جرأة زماننا من خلال ما تمرره من قوة وقسوة وجمال وعقد. لهذا تؤكد السيدة لمياء قيقة، المندوبة العامة للمهرجان من خلال قولها “إن أيام قرطاج السينمائية كواجهة للسينما المغايرة، تمكننا من مشاهدة حواديثنا وواقعنا من زوايا تحلت أكثر من أي زمن آخر بحلية المنحى الكوني”.
زخم في العروض والأنشطة واللقاءات المهنية، يترجم بالملموس الشغف الكبير لمنظمي المهرجان، بما يقومون به ويؤمنون، مثلما يعكس الإرادة التونسية في القول والفعل وتسطير أرضية نحو الخلق، من خلال فتح الباب على مصراعية للطاقات الشابة القادمة بقوة، الطاقات الصانعة لسينما الغد، في هذا الصدد كتب مدير المهرجان الراحل نجيب عياد، قبل رحيله “أيام قرطاج السينمائية هي ثلاثة وخمسون عاما من الاكتشافات والتفاعلات والنقاشات العاصفة أحيانا، والبناءة والمثيرة دائما، بين الأجيال من المخرجين الموهوبين في الجنوب. يغذي السينمائيون الشبان اليوم قيم أيام قرطاج السينمائية، يسيرون على خطى الكبار، ويقترحون أساليب فنية مبتكرة، دائما ما تبقي الجماهير في أكبر مهرجانات السينما مبهورة ومندهشة”.
نعم، ثلاثة وخمسون سنة من العطاء السينمائي، وثلاثون دورة بالتمام والكمال، دورات في مجملها انتصرت للسينما العربية ومعها السينما الإفريقية، وشكلت وعي أجيال وأجيال، هذه الأجيال هي السند الحقيقي للمهرجان وقوته الضاربة، حيث يندر أن تجد قاعة من القاعات العديدة المبرمجة للأفلام، دون حشود من الجماهير القادمة للمساهمة والمشاهدة، حشود لا تيمز بين عروض المسابقات الرسمية وعروض السينما الضيف أو غيرها من العروض، لحد أن الإعجاب والانبهار بهذا الوعي السينمائي يجعلك ترفع القبعة عاليا لجماهير تونس ووعيها الخلاق في مساندة فعل ثقافي سينمائي جاد، مثلما تفرض الذهاب باكرا للقاعات لحجز مقعد وإلا بقيت في الخارج تمضغ أحزان الوقت وتندب الحظك عدم المشاركة والمساهمة في فرجة جماعية قل نظيرها في المهرجانات العربية والإفريقية.
ملاحظة لابد من الإشارة إليها في نهاية هذه الورقة، تتمثل في المساهمات والحضور النسائي الوازن، حيث تؤكد المندوبة العامة للمهرجانفي هذا الصدد “مرة أخرى، الأنوثة السينمائية الرقيقة تفرض نفسها، سنشاهد مجموعة من الأعمال النسوية ذات مصادر مختلفة معالجة مواضيعها بلغة متجددة وأساليب تقنية فاعلة دون عقد أو تكلف”، صحيح، فالمساهمة النسائية جد كبيرة، نساء ونساء وراء الكاميرا سواء كمخرجات أو تقنيات في مهمات مختلفة حضرن بقوة لتقديم أعمالهن، تتقدمهم ثلاث مخرجات مغاربيات شابات وازنات، وهن مريم التوزاني بفيلمها “آدم” من المغرب، ومونية المدور بفيلمها “بابيشا” من الجزائر، وهند بوجمعة بفيلمها “نورة تحلم” من تونس، إضافة للممثلات اللواتي يضفن على أيام المهرجان رونقا خاصا بأناقتهن و سحرهن القاتل..