قال إنه منشغل الآن بكتابة عمل نقدي
بيت الفن
قال الناقد والروائي المغربي البارز محمد برادة إنه سيتوقف عن كتابة الرواية لفترة من الزمن، لأنه منشغل الآن بكتابة عمل نقدي، حول مسألة “ما مدى أهمية الشكل الروائي في تخصيص الدلالة وإعطائها القوة من خلال استعراض الإنتاج الروائي عبر 100 عام”.
وحول جمعه بين كتابة الرواية والنقد الأدبي في آن واحد، قال برادة “بدأت في شبابي بكتابة القصة القصيرة، وتوجهي نحو النقد جاء بعد دراستي الجامعية في القاهرة، وكان لا بد من البحث عن مهنة في التدريس الجامعي، والنقد يعبر عن ميولي الأدبية مثل كتابة القصة والشعر والرواية، ولا أجد في ذلك تعارضا لأنني أعتبر كل مبدع حتى الذين لا يكتبون نقدا هم نقاد من خلال اختيارهم للغة معينة، أو اختيار شكل ما دون آخر، ويتجلى ذلك في الحوارات التي يدلي بها هؤلاء الكتاب. وتتبنى الكتابات النقدية بعض القيم الجمالية والدلالية التي يعبّر عنها الناقد أو يتفاعل معها”.
وعن رأيه في الرواية المغربية، أكد برادة أنها تسير نحو مرحلة النضج لكن ببطء، مشيرا إلى أن هناك جيلا جديدا ظهر في الشعر والقصة القصيرة، لكن بنسبة أقل في الرواية، رغم أن هذا العالم أي عالم الرواية يشهد انفجارا في كافة الوطن العربي، خاصة في بلدان الخليج مثل السعودية، وهذا له دلالته الخاصة، من خلال نماذج كاشفة وعميقة، وهي ظاهرة صحية تفسر إلى حد ما الأبواب التي كانت موصدة في وجه الشباب.
وانضمت أحدث روايات برادة “رسائل من امرأة مختفية”، الصادرة عن دار الفنك إلى أعماله الأخرى، التي وضعت اسمه في صدارة النقاد العرب والروائيين المجددين، الذين لا يجدون أي تناقض في الجمع بين خيال المبدع ومنهجية الناقد.
وتدور أحداث الجديدة حول قصة امرأة مغربية اسمها “جاذبية” تجرأت على كسر القيود في مرحلة ما بعد الاستقلال في المغرب.
وتشتمل على 5 رسائل بعثتها امرأة مغربية في القرن الماضي إلى عشيقها “زهوان”، ورغم زواجها فقد أباحت لنفسها أن تعيش علاقة حب خارج مؤسسة الزواج، لأنها كانت تطمح أن تصبح كاتبة كبيرة وبدأت بالعمل في الصحافة، وأظهرت موهبة في كتابة المقالات من خلال كشفها عن التحولات التي طرأت على المجتمع المغربي بعد الاستقلال.
وتتحول هذه العلاقة، شيئا فشيئا، بين شخصية “جاذبية” و”زهوان” إلى علاقة حب مطلق بدون قيود خارج المؤسسات الاجتماعية، لذلك فهي ستعيش تجربة معقدة، وتتزوج 3 مرات وفي النهاية لا تبقي على العلاقة التي تملأ حياتها فتقرر أن تختفي.
وفي الوقت ذاته، تدخل شخصية البطل في علاقة مع امرأة ويعيش لمدة سنتين منقطعا عن أخبارها، لكنه يحن إلى رؤية “جاذبية” المختفية، ولا يعثر عليها.
كما ترجمت روايته السابقة “بعيدا من الضوضاء.. قريبا من السكات”، إلى الفرنسية خلال الشهر الماضي، وشاركت في معرض بلدان المغرب وبلدان الشرق.
هذه الرواية تحاول أن تقدم ملامح من تاريخ المغرب الحديث بالاعتماد على الشخصيات واللغة، لذلك عمد إلى حبكة معينة، وهي أن شابا عاطلا متخرجا من شعبة التاريخ لا يجد عملا لكن مؤرخا كبيرا يستنجد به ليجمع له شهادات 50 مواطنا من استقلال المغرب، وأثناء هذا العمل تأتيه فكرة أن يكتب رواية فيختار من بين المواطنين الذين استجوبهم 3 شخصيات ولدوا مع الاستقلال، ويسعى إلى رسم ملامح حياتهم، ومن خلالها تتبلور بعض القيم بما فيها الإيجابي والسلبي… لكن كون الشاب الذي كتب الرواية من الفترة الراهنة، يكتشف أن المشكلة لا تتعلق بهؤلاء الذين وجدوا لأنفسهم وضعية ما، بل المشكلة تكمن فيه هو العاطل عن العمل الذي يبحث عن مصيره.
ورغم إجادته للغة الفرنسية، حيث ترجم العديد من الأعمال الأدبية إلى العربية، وكتب أطروحته باللغة الفرنسية، كما كتب بعض المقالات فيها، فإنه لم يفكر يوما في الكتابة بالفرنسية، موضحا أنه لا يكتب نصا إبداعيا باللغة الفرنسية لأن ذلك يتطلب نوعا من الحميمية مع اللغة، بمعنى أن يتجرأ الكاتب على تحوير اللغة أو تشويهها إن صح التعبير.
لقد درس اللغة العربية في بداية حياته، ثم درس الفرنسية، لذلك فهو يفضل الكتابة باللغة العربية، إذ يصعب ترجمة لغة الكلام، فبعض الكتاب يدمجون كلمات عربية في كتاباتهم الفرنسية لكنها تفقد قوتها وتميزها كما في اللغة العربية.
ورغم ذلك فإنه ليس ضد الكتابة بلغتين أو ثلاثة، فهناك بعض الكتاب يكتبون بلغات عديدة مثل جوزيف كونراد الذي يكتب بالفرنسية والإنجليزية، وكذلك صموئيل بيكت، وعندنا نموذج لهذا النوع من الكتاب وهو الأستاذ عبد الله العروي الذي يكتب أبحاثه ودراساته الفكرية باللغة الفرنسية، لكنه كتب بعض الروايات باللغة العربية، فهو يتقنها بشكل جيد، ويؤمن أن هذه اللغة ترتبط بالطفولة والجذور الأولى.
الأدب الفرانكفوني، إيجابي، لكن علاقته به تبقى جدلية ونقدية، فما يكتب باللغة العربية يتفوق أحيانا على ما يكتب باللغة الفرنسية، في الوقت الذي أصبحت فيه الرواية فنا عالميا عبر وسائل كثيرة.