الاقتباس السينمائي للأعمال الأدبية

المهرجان الوطني للفيلم يمد جسر تواصل بين السينمائيين والأدباء

عبد القادر لقطع: هناك انعدام ثقة بين الأدباء والمخرجين…

بيت الفن

فتح منظمو المهرجان الوطني للفيلم، يوم الأحد 29 أكتوبر 2023 بفضاء “دار البارود” بطنجة المخصص لندوات الدورة الـ23، النقاش حول موضوع تحويل الأعمال الأدبية لأفلام سينمائية من خلال مائدة مستديرة بعنوان “الاقتباس السينمائي للأعمال الأدبية” أدارتها الأستاذة الجامعية سناء غواتي، وشارك فيها نقاد وكتاب ومخرجون وباحثون أكاديميون، ويتعلق الأمر بالمخرج والكاتب عبد القادر لقطع، والناقد السينمائي، حمادي كيروم، والأكاديمي، عبد الكريم أوبلا، والكاتبة، سعاد الجامعي، والأستاذ الجامعي والمسؤول عن مختبر الدراسات السينمائية والسمعية البصرية بجامعة عبد المالك السعدي، حميد عيدوني، والكاتب والمخرج فؤاد السويبة.

في مداخلته انطلق المخرج والكاتب عبد القادر لقطع من تجربته في اقتباس 5 أعمال روائية وأدبية للسينما، كاشفا أن موضوع الاقتباس كان يشغل باله منذ زمن طويل، وأنه كان دائما يطرح سؤال غياب العلاقة (الإبداعية) بين المخرجين والروائيين المغاربة؟ وأضاف” أنا أخرج أعمالا تخييلية وهي تحتاج لقصص، وكنت أعتبر أن العلاقات التي قد أنسجها مع روائيين وكتاب قصة مغاربة يمكن أن تدفعني أن آخذها بالاعتبار في الإنتاج وأحاول أن أستهلم منها أو أقتبسها”.

وكشف أن أولى محاولاته في الاقتباس الأدبي كانت مع الشاعر والروائي محمد الأشعري ومجموعته القصصية “يوم صعب”، ولكنه اكتشف أن الروائيين لديهم مقاربة تملكية لأعمالهم ولا يقبلون أي تغيير يطالها ولا يستوعبون أن المخرج عندما يريد أن يقتبس عملا معينا، فإنه عليه أن يمتلكه أيضا، لأنه إذا لم يفعل ذلك فإنه لن ينجح في اختراق عوالمه، وهذه المسألة قد خلقت له مشكلا مع الأشعري لأن هذا الأخير، حسب لقطع لم يستوعب كيف يمكن أن يتم التغيير أو التعديل الذي يراه المخرج مناسبا لإنجاز عمل سينمائي، وتبعا لذلك لم يكتمل المشروع ولم يتحول “يوم صعب” إلى الشاشة الكبيرة في ذلك الوقت، لأن المخرج نوفل براوي حوله بمساعدة الروائي يوسف فاضل إلى فيلم سينمائي بعنوان “كأس المحبة” يشارك هذه السنة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للفيلم.

ثاني محاولة في اقتباس عمل أدبي للسينما قام بها المخرج عبد القادر لقطع كانت مع الروائي محمد برادة عن رواية “الضوء الهارب”، حيث قال في هذا الصدد “لا أخفيكم سرا ولا أنتقص هنا أو أشكك في قيمة العمل، ولكن العمل لم يلب طموحاتي وقلت مع نفسي علي أن أقوم بمجهود وأحاول أن أقيم علاقة خصبة ومثمرة مع الرواية والروائي من أجل إضافة رؤية تمكنني من التعبير(السينمائي)”، وتبعا لذلك قام لقطع، حسب ما جاء في شهادته في البداية بتحويل الشخصيات الرئيسية إلى ثانوية ومنح قيمة وحضورا أكبر للشخصيات الثانوية، لكن هذا التغيير لم يرق محمد برادة..ولم يتحقق المشروع.

ثالث مشروع أو تجربة للقطع في اقتباس أعمال أدبية للسينما كانت مع الراحل إدريس الشرايبي وروايته الشهيرة “الماضي البسيط”، لكن المشكل الذي حال دون تحقيق الأمر، كان مع ناشر الرواية الذي طالب بمبلغ 60 ألف أورو، علما أنه كان قد كتب سيناريو فيلم عن هذه الرواية ظنا منه أن المؤلف هو مالكها.

رابع مشروع أو محاولة كانت مع الطاهر بنجلون، لكنها أجهضت، حين أحاله بنجلون على الناشر، لكنه لم يتواصل معه بالنظر إلى شهرة الكاتب وقيمته في مجال الكتابة الأدبية، وبالتالي فإن حقوق اقتباس رواية من رواياته تتطلب مبلغا ماليا كبيرا.

وأكد لقطع أن محاولاته لم تتوقف إلى أن حالفه الحظ مع كتاب جوسلين اللعبي “رحيق الصبار”، الذي اقتبسه للسينما في فيلم “نصف سماء”، موضحا أن ما سهل العملية هو العلاقة الجيدة التي تربط جوسلين اللعبي مع ناشرها مما مكنه من الحصول على حقوق الاقتباس ناهيك عن ذلك مشاركة الشاعر عبد اللطيف اللعبي في عملية الاقتباس.

وفي ختام شهادته وكتلخيص لما سبق أوضح لقطع أن الكتاب لم يستوعبوا بعد العلاقة مع السينما، مشيرا إلى أن أغلب الأدباء لديهم تخوف من المخرجين، وكأنهم يعتقدون أن كاتب السيناريو والمخرج عندما يقوم بتغيير أو تحويل أشياء في العمل الأدبي سيلحق ضررا بصورة الكاتب وصيته، الذي اكتسبه في عالم الإبداع الأدبي ولدى الجمهور.

من جانبها أبرزت مسيرة الجلسة وعضو لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية التابعة للمركز السينمائي المغربي، سناء غواتي، أن هذا اللقاء يهدف إلى تقريب الكتاب من السينمائيين من أجل تعاون مثمر بين هذين العالمين الفنيين، مشيرة إلى أن الأعمال الأدبية تحتوي على إمكانات سردية استثنائية، وأن الاقتباس السينمائي يتيح الفرصة لتقديم تلك الأعمال لجمهور أوسع.

الناقد السينمائي، حمادي كيروم، أبرز أهمية جعل الاقتباس وسيلة لرؤية السينما كشكل من أشكال التعبير الفني المتميز والمكمل للأدب، لافتا إلى أنه “لا ينبغي أن يكون اقتباس الفيلم مجرد نقل للعمل الأدبي إلى الشاشة الكبيرة، بل تأويلا إبداعيا يأخذ في الاعتبار خصوصيات الوسط السينمائي”.

كما أشار كيروم إلى أن الاقتباس الأدبي يمكن أن يكون أرضا خصبة للابتكار السينمائي، مما يشجع المخرجين على تجاوز حدود الإبداع مع الحفاظ على الاحترام والتقدير للأعمال الأدبية الأصلية.

أما الأكاديمي، عبد الكريم أوبلا، فشدد على أن “لا كفاءات المخرج ولا شهرة الرواية تحددان إن كان الاقتباس جيدا أم سيئا، بل تحدده جودة الفيلم”، معتبرا أن الاقتباس لا يقل أهمية عن الفن السينمائي نفسه.

وأبرز أن المخرج الذي يطمح إلى أن يتقن الاقتباس يجب أن يحافظ على شغف دائم بقراءة الروايات واستكشاف الأعمال الأدبية المتنوعة، لكي تكون مصدر إلهام.

بدورها، أكدت الكاتبة سعاد الجامعي، التي تحدثت في مداخلتها عن تجربتها الشخصية، أن الروابط بين الأدب والسينما قليلة، لكنها أساسية، مستعرضة مراحل الاقتباس كما تتصورها الكاتبة، مع وصف عملية الانتقال من عملها الأدبي إلى مفهوم العمل السينمائي.

أما الكاتب والمخرج فؤاد السويبة، فيرى أنه “لا يوجد شيء اسمه اقتباس دقيق بنسبة 100 في المائة”، موضحا أن الاقتباس عبارة عن حوار بين النص الأصلي وتفسيره البصري.

وبعدما سلط الضوء على تجارب الاقتباس الناجحة على المستوى العالمي، لفت السويبة إلى أن “أكثر من 80 في المائة من الإنتاجات السينمائية في الولايات المتحدة ناتجة عن اقتباسات أدبية”، داعيا، في هذا السياق، المخرجين السينمائيين المغاربة إلى تركيز اهتمامهم على الأعمال الأدبية الوطنية.

جدير بالذكر أن الخزانة السينمائية المغربية تحفل بعشرات الأفلام التي استندت إلى روايات، أو قصص ومسرحيات مغربية، ومن ذلك مسرحية “حلاق درب الفقراء” ليوسف فاضل، التي وجدت طريقها إلى السينما بكاميرا محمد الركاب، واشتغل إدريس المريني على قصة “بامو” لأحمد زيادي، وهناك فيلم «صلاة الغائب» للمخرج حميد بناني الذي اشتغل فيه على رواية «صلاة الغائب» للطاهر بنجلون، والمخرج حسن بنجلون الذي اشتغل في فيلمه «الغرفة السوداء» على رواية «الغرفة السوداء» لجواد مديدش، والمخرج عبد الحي العراقي الذي اشتغل في فيلمه «جناح الهوى» على رواية «قطع مختارة» لمحمد نضالي (نايت علي)، والمخرج محمد عبد الرحمن التازي الذي اشتغل في فيلمه «جارات أبي موسى» على رواية «جارات أبي موسى» لأحمد التوفيق، والمخرج حميد الزوغي الذي اشتغل في فيلمه «بولنوار» على رواية «بولنوار» لعثمان أشقرا، والمخرج نبيل عيوش الذي اشتغل في فيلمه «ياخيل الله» على رواية «نجوم سيدي مومن» للماحي بينبين، والمخرج الجيلالي فرحاتي الذي تفاعل في فيلمه «سرير الأسرار» مع رواية «سرير الأسرار» للبشير الدامون، وفيلم «جبل موسى» لإدريس المريني الذي اقتبس من رواية جبل موسى لعبد الرحيم بهير، وأخيرا فيلم «كأس المحبة» للمخرج نوفل براوي، الذي اقتبسه  عن المجموعة القصصية “يوم صعب” للكاتب محمد الأشعري.

وهناك أيضا أعمال أدبية مغربية حولها مخرجون أجانب إلى أفلام مثل فيلم «الخبز الحافي» الذي أخرجه المخرج الجزائري رشيد بن حاج، عن رواية محمد شكري الشهيرة، وأعمال أدبية أجنبية حولها مخرجون مغاربة إلى أفلام  منها فيلم «عرس الدم» من إنتاج 1977 للمخرج سهيل بن بركة المقتبس عن مسرحية للكاتب غارسيا لوركا.

كما أن هناك مخرجين مغاربة يشتغلون حاليا على تحويل روايات مغربية إلى أفلام سينمائية  من بينهم المخرج والممثل محمد نظيف، الذي يعمل حاليا على رواية «انعتاق الرغبة» للشاعرة والروائية المغربية فاتحة مرشيد، وهناك أيضا المخرج محمد زين الدين، الذي يعمل على تصوير إحدى روايات الكاتب الراحل محمد زفزاف للسينما.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

الشرايبي وبراوي يمثلان المغرب في مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية

13 فيلما من 10 دول إفريقية تتباري على جوائز المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by Spam Master