بيت الفن
قال الناقد المغربي سعيد يقطين إن بروز التواصل التكنولوجي أدى إلى ظهور أشكال جديدة للإبداع، موضحا أن الرواية استفادت من التكنولوجيا الجديدة، وظهرت أنواع جديدة يتم إنتاجها بواسطة برمجيات تتلاءم مع الوسيط الرقمي الجديد.
وأوضح يقطين خلال الجلسة العلمية الأولى التي أقيمت، اليوم السبت 20 ابريل الجاري، بالمجلس الأعلى للثقافة المصرية، ضمن فعاليات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي العربي، أن “الرواية في هذه المرحلة انتقلت من نص مكتوب على الورق أحادي اللغة إلى نص مكتوب تتجاوز فيه لغات متعددة تتسع للصوت والصورة بمختلف أشكالها”.
وأضاف “هذا النوع يجمع بين الرواية والمسرح والسينما والصورة، ولكن بطريقة جديدة تتقاطع مع كل هذه الإبداعات السردية والدرامية والصورية التي مورست قبل العصر الرقمي، لأنها توظفها جميعا بكيفية لا علاقة لها بما كان سائدا”.
وأشار في ورقته التي جاءت بعنوان “الرواية من التجريب إلى الترقيم”، إلى أن “إبداع الرواية الرقمية ما كان ليكون لولا تطور الوعي بالإبداع السردي، الذي تحقق بفضل تراكم مجموعة من التجارب الوسائطية، مما جعل (الترقيم) ليس فقط استجابة لظهور وسيط جديد، ولكن أصبح ضرورة لإنتاج سرد جديد يتلاءم مع عصر المعلومات والمعرفة”.
وقال يقطين، إن إنتاج رواية نقدية عربية جديدة قادرة على التفاعل مع باقي الأجناس الفنية والوسائط التفاعلية الحديثة، والارتقاء بالوعي الرقمي الحديث والمعاصر يتطلب ثقافة رقمية جديدة لدى المبدع والناقد.
وأضاف أن الرواية في أبعادها الجمالية والثقافية والحياتية ستظل نوعا راقيا وساميا يوظف اللغة العربية، ويمكنه أن يسمو عن الثقافة الجماهيرية التي تنتج في السينما، وعن الوسائط التفاعلية وأن تساهم في تطور وعي نقدي وفكري جديد.
وأوضح الباحث المغربي، أن الروائي يمكنه أن يواكب ويساهم في أنواع السرد الحديثة التي أصبحت هي المعبر عنها من خلال الوسائط التفاعلة (شبكات التواصل الاجتماعية،أشرطة فيديو…) من أجل إنتاج رواية نقدية عربية جديدة تواكب ما يفرضه العصر من ثورة رقمية حديثة، مشيرا إلى أن الأدب يمكنه أن يلعب دورا كبيرا في تحديث وتطوير ومواكبة هذه التحولات ، وإقامة الجسور بين الأنواع الفنية السردية من خلال جعلها قادرة على توظيف واستعمال وسائط متعددة كالصورة، والصوت، واللغة، وجعل الرواية قادرة على التفاعل مع هذه الوسائط.
ويرى الناقد أن الرواية باعتبارها نوعا سرديا شأنها في ذلك شأن باقي الأنواع الأدبية لها تاريخ وصيرورة، فهي تتغير، وتتطور بحسب تطور المجتمع وتطور الوسائط التي تنتج فيه، لذلك لا يمكن أن نتعامل مع أي جنس أدبي وفني بأنه أزلي وخالد.
من وجهة نظر الباحث، فإن السؤال المغيب هنا هو “متى يمكننا إنتاج رواية عربية رقمية، وهل نحن في حاجة إلى أن تكون لنا رواية رقمية عربية أم علينا أن ننتج هذه الرواية ونبحث لها عن مستقبل يتناول خصوصياتنا وقضايانا التي نغوص فيها بمنآى عما يعرفه العالم الحديث”، لافتا إلى أن الرواية العربية منذ ظهورها إلى الآن تطورت ولها تاريخ هو جزء من تاريخ الرواية العالمية وهي مرشحة لان تتطور أكثر بتطور الوسائط الجديدة وتحدث يقطين عن تاريخ تطور الرواية منذ القرن 19، وما واكبها من وعي أدبي ونقدي، وما تحقق على مستوى الوعي بالسرد وظهور البنيويات السردية،باعتبارها علما يريد دراسة الرواية التي دخلت في استثمار تقنيات وجوانب حديثة والبحث عن شكل جديد للكتابة الروائية على اعتبار أن الشكل القديم استنفذ كل إمكانياته ولم يعد صالحا.
واعتبر أن ظهور الرواية المترابطة التي جاءت مع الوسيط الجديد ( الحاسوب)، ظهرت أواسط بداية الثمانينيات ، وتطورت مع ظهور تجربة الجيل الثاني من الشبكة العنكبوتية وواكبها ما يعرف بالسرديات الرقمية.
وخلص الناقد إلى أن الرواية الرقمية ما كان لها لتكون لولا التجربة الروائية السابقة عليها، وان الوسيط جاء فقط استجابة لما أصبح أكراها تعاني منه الرواية ما قبل الرقمية.
فيما تحدث الناقد الدكتور أحمد درويش عن رواية “باري أنشودة السودان”، للروائي إبراهيم أحمد عيسى، وهي رواية تاريخية جديدة يدور محورها حول إمارة “باري” العربية في إيطاليا وأميرها “سودان”، البطل الأسطوري الذي ينتمي إلى قبائل الربض الذين هاجروا من الأندلس واستقروا في الإسكندرية أولاً، ثم اتخذوا منها منطلقاً إلى جزر البحر المتوسط وتكوين مجتمعات متحضرة في صقلية ومالطة وسيشل وكريت، والوصول إلى شواطئ إيطاليا في مدينة باري وتكوين إمارة بها.
وأشاد بمعرفة الراوي بالمناخ الثقافي والعقائدي لمجتمع دوقيات وإقطاعيات العصور الوسطى في أوروبا، وتعامل معها بطريقة فنية راقية، ووظف عناصر الرواية التاريخية توظيفاً بارعاً مع التركيز المحايد على المقارنة غير المباشرة بين الصورة المرعبة التي بثها القساوسة عن هؤلاء “السراسنة” المتوحشين، والصورة النبيلة الراقية التي ارتسمت في أعين من خالطهم وأحبهم.
“عن مستقبل السرد” كانت ورقة الكاتبة السودانية بثينة خضر مكي التي أوضحت أن “تطور السرد الأدبي بشقيه المحكي والمكتوب يمثل مساراً مهماً في الآداب والفنون ويغلق فجوات واضحة في طريق التطور الأدبي مستقبلاً من حيث النوعية والمتعة والتعليم”.
وقسمت بثينة خضر مكي الورقة السرد الأدبي إلى “شفاهي ومكتوب”، وقالت: “يتم توظيف السرد الشفاهي من كبار السن عبر الحكايات الشعبية والقصص لتأكيد الهوية الوطنية لدى الأطفال والشباب، ويكون ذلك مهماً في بلاد لا تزال تعاني من نقص في التعليم المدرسي”.
فيما أكد الناقد الفلسطيني الدكتور فيصل دراج أهمية العلاقة بين العلم والتصور الروائي في مواقع مختلفة، موضحاً أن العلم هدفه اكتشاف ظواهر غير معروفة الأسباب، أما الرواية فهي مزيج من السرد والاستبصار وتوقع حدوث ما لا يبدو واضحاً للعيان.