خالد توفيق

خالد توفيق يعرض “بوح الصمت” بوجدة

لغته البصرية تتكئ على مرجعية تجريدية

بيت الفن

بدعم من وزارة الثقافة والاتصال، قطاع الثقافة، يعرض الفنان التشكيلي خالد توفيق جديد تجربته الإبداعية ما بين 26 أكتوبر و9 نونبر 2018 برواق الفنون بمسرح محمد السادس  بوجدة، تحت عنوان”بوح الصمت”.

وقال الناقد والباحث الجمالي، محمد الشيكر، إن أول ما يشد العين في منجز الفنان خالد توفيق هو لغته البصرية، التي تتكئ على مرجعية تجريدية، وتتعالى على كل إحالة موضوعية إلى العالم الخارجي.

وأضاف أن التجريد، كخيار جمالي وكنسق حداثي للتعبير البصري، يتبدّى عنده في الاشتغال على أشكال وكتل غفل من كل وظيفة تشخيصية أو ميمية، وفي استحضاره للتجربة الحروفية بصورة ينزع فيها الحرف إلى الانمحاء والتشذر.

بيد أن التجريد وهو يتحرر، عند خالد توفيق، من سطوة الواقع الفيزيقي ومن حضوره المرآوي، سرعان ما يتحول عنده إلى وساطة تعبيرية للإفصاح عن عالم ميتافيزيقي متوارٍ خلف حجب المادة. يقول ماتيس: “كل فن هو في ذاته تجريدي عندما يكون تعبيرا أساسيا خاليا من كل طرفة”. وأعمال توفيق تصطبغ في ماهيتها بصبغة التجريد، ليس لأنها تقطع مع السجل الموضوعي للواقع، ومع مفرداته ومتعلقاته المادية فقط، بل لأنها تتحرر، أيضا، من الطرفة، ومن المنزع الحكائي.

إنها تتبرم من كل تمثيل فج للأشياء المرئية، لكي تنفذ إلى حقيقتها اللامرئية، وتعرب عن روحها الثاوية، على نحو يتيح للعين إمكانية معانقة حركة المطلق في انخطافه وعبر إيقاعاته الهاربة. ويكاد يعطانا منجز الفنان خالد توفيق في صورة طلسمة تتصادى فيها الكتل والحروف عبر استعارة كروماتية متناغمة. الكتل تعبر، في تمظهراتها الهندسية والغنائية المختلفة عن توثب النفس والتياعاتها وتجنيحاتها في مدارج الخيال. فيما الحروف، تأخذ صورة كتابة طالها المحو، أو تتلبس هيأة طرس Palimpseste، تتخايل فيه الخطوط وتتماوج، لتدل على معناها المباطن والمحايث، وليس على معطى مرجعي خارجي أو على كيان رمزي متعال. إن عمل توفيق لا ينتظم ضمن نطاق الحروفية الخالصة، بل هو عمل تشكيلي صباغي، يكتسي هوية تعبيرية تجريدية، تمثل فيها تطريزات الحرف وتشظياته وتهويماته جزءاً من الأداء الكروماتي العام ومفردة من مفرداته الناظمة. وعلى هذا النحو يعمد الفنان خالد توفيق، بحذق مشهود، إلى تعويم الحروف وتهويمها لتغدو بمثابة سديم متفلت، تنطبع في تضاعيفه الكتل والأشكال والسيالات والألطاخ مدثَّرة بتلاوين متوترة، تعكس في فلتانها إيقاع الروح، ومعراجها المجنَّح من العالم المرئي العارض إلى أرخبيلات اللامرئي. لهذا فلقاء العين مع هذا العالم الذي تبدعه أنامل الفنان خالد توفيق لا يغمرها بالبهجة فحسب، بل يحثها في الآن ذاته على المساءلة الجمالية والفلسفية الأشد إيغالا وعمقا.

من جانبه خص شفيق الزكاري أعمال خالد توفيق بمقال نقدي تناول فيه تجربة هذا المبدع وقال إنه سخر الخط العربي كقاعدة تمهيدية ليجعل من المخطوطات سندا ومساحة لكل التفاعلات والتجارب الممكنة لصياغة الشذرة في الحرف، حيث النقطة هي محور المنظور في التكوين الإجمالي للعمل، باعتبارها مركزا تحيط به جميع المكونات التي اعتمدها في تأثيث فضاء المساحة، حيث يلتقي ما هو كرافيكي مع الحركية الانفعالية التي تختزن في طياتها فعلا صوفيا، ارتكز على اختلاف ظاهري في ترويض الحرف استنادا إلى مرجعية تراثية، أخرجت الوثيقة من وظيفتها الأصلية، لتصبح لها دلالة شكلية فنية مكملة للعناصر الأساسية التي تطفو واللون تركيبا متناسقا يحتل زاوية للمشاهدة، غالبا ما تكون أفقية وفي أحيان أخرى le trait فوقها.

إن تجربة الفنان خالد توفيق، تضمر فعلا اختزاليا واضحا بالمعنى الإيجازي، الذي اختصره في بنية اللون، وحدده في الأزرق والأحمر والأصفر والبني، ليعيد صياغة تشكيل عمله من زاوية المشاهدة الفوقية التي تحددها النقطة باعتبارها أصل الكلاسيكي للتكوينات الأكاديمية المعهودة، احتسابا لما تحمله هذه النقطة perspective  الخط، تمردا على المنظور من دلالات صوفية تحدد مركز التكوين، باعتبارها الظاهر والغابر في أصل الخط.

قال الروائي والشاعر الإنجليزي أوسكار وايلد “الفنان الكبير لا يرى الأشياء، كما هي في الواقع، فإذا رآها كذلك لن يكون فنانا”. فالفكرة الأساسية إذن، التي تدور في فلك إبداعات الفنان خالد توفيق، تستمد كينونتها من هذه القولة، بما أنه تجاوز في إبداعه كل ما هو ظاهري، متمردا على قوانين الحرف، مع إفراغ الكلمات من محتوى المعنى، ليحتفي بها كشكل جمالي، بصفتها شكلا آخر للتواصل عبر العين، وكقيمة كونية لم توظف دلالة المعنى، بقدر ما كسرت جذور التواصل بينها وبين الحضارات الأخرى، في بعدها الإنساني، فإذا كان الحكيم كونفوشيوس قد اقترح على إمبراطور الصين القديمة، بأن يصلح اللغة ليصلح أمر أمته، فإن خالد توفيق يقترح علينا من خلال تجربته الأخيرة، إصلاح العين لتهذيب الذوق واكتشاف قيم الجمال.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

محمد سبيلا يتحدث عن “ماهية الأنوار” في لقاء فكري بالرباط

تنظم النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين مساء يوم الجمعة 19 أبريل 2019 بقاعة محمد الفاسي...