شبكات التواصل تضغط على الأدباء لكتابة ما يطلبه القراء
بيت الفن
أكد الأديب البرازيلي الشهير إدواردو كارفالو، مؤلف روايات “تسع ليالي” و”مونجوليا” و”الانحراف”، أن شبكة الإنترنت أسهمت في ظهور جيل جديد من القراء، كان لهم تأثير كبير سواء على الكتاب أو على دور النشر، ومع ذلك لا ينظر بشكل إيجابي إلى هذه الظاهرة وأبعادها.
وقال كارفالو “توجد الآن حركة ما لاتحاد قراء الإنترنت، تمارس ضغطا على الكتاب لكي يكتبوا ما يريد هؤلاء قراءته. وتشهد البرازيل في الوقت الراهن تراجعا كبيرا في حركة النقد، ومن ثم فإن تأثير أي نقد أدبي لعمل ما لم يعد مؤثرا على الإطلاق في نسبة المبيعات. أما إذا كنت مدونا، وتقوم بعمل مقاطع مصورة جالسا على مقعد وثير في منزلك، تستعرض فيه الكتاب قائلا ‘هذا كتاب جيد’، أو ‘هذا كتاب سيئ’، فإن هذه الشهادة سوف تكون حاسمة في نجاح أو فشل العمل. نحن بصدد قارئ يخدم سوقا يستغله، لأنه بطبيعة الحال، كل ما يهم دور النشر هو إصدار أعمال تلقى قبولا عند القراء لتحقيق الرواج المنشود. أما بالنسبة إلي، فأنا لست مهتما بهذه النوعية من القراء”.
وفي المقابل يؤكد الكثيرون أن الإنترنت سهلت الوصول إلى الكثير من الأمور، وهو ما يرى كارفالو أنه قد يكون صحيحا. إلا أن هذه الديمقراطية لا تعنيه كما يقول.
وأضاف “أنا مع الديمقراطية، ولكن ليست ديمقراطية هيمنة الأغلبية، اهتمامي منصب على الأقلية. والأدب بالنسبة إلي، الأدب الجيد، هو ما يسير عكس التيار السائد، ولهذا فهو دائما الاستثناء وليس القاعدة. ومشكلة الإنترنت أنها تنحى إلى التنميط، أما إذا كنت الاستثناء، فلن يراك الناس مطلقا على المواقع، لاستحالة البحث عنك. عندما أتصفح الإنترنت لا أبحث عما لا أعرفه، بل عما أعرفه”.
لكن الإنترنت توفر فضاء لاكتشاف أشياء جديدة وغريبة، ويعلق الكاتب “عثرت على الكثير من الأشياء التي كانت مجهولة بالنسبة إلي بالصدفة. أحيانا أدخل مكتبة، فأعثر على كتاب ما كان يمكن أن يخطر على بالي مطلقا اقتناؤه، وحين أطالع الغلاف وأجد عنوانا شيقا، يجذب انتباهي، أبدأ في قراءته من على رف المكتبة. هذه هي وظيفة المكتبات الصغيرة بالحي. ويسعدني اقتناء كتب منها، لأن هذا يفتح أمامي عالما كان قبل ذلك مجهولا تماما بالنسبة إلي. لكن الإنترنت بالفعل لها دور في نشر الديمقراطية، على سبيل المثال، بالنسبة إلى حركات المقاومة في دول مثل إيران، لم يكن لأحد أن يسمع بها أو لتمارس نشاطها لولا مواقع التواصل الاجتماعي. أما في الدول الديمقراطية الغربية، فتلعب هذه المواقع دورا يميل إلى تنميط الأدب وصبغه بصبغة موحدة، ولا يقتصر هذا الاتجاه على الأدب فحسب، بل يمتد للذوق العام نفسه. وهذا من وجهة نظري أفقر الأدب والكتابة التي أحب قراءتها”.
هناك من يرى أن فكرة التعامل مع الأدب على أنه شيء استثنائي يؤدي إلى جعله مقصورا على النخبة، أي أدب نخبوي، يقول كارفالو “ربما الأمر كذلك. لكن هذا ما اعتقده بصدق: الأدب الجيد استثناء دائما، أينما كان. على سبيل المثال، نشرت أخيرا في البرازيل مجموعة قصصية لجيوفاني مارتينش، شاب في الـ26 من عمره، نشأ وسط أحياء عشش الصفيح العشوائية في ريو دي جانيرو.
بمبادرة شخصية ومن تلقاء نفسه بدأ يقرأ منذ طفولته واطلع على الكثير من الأعمال، ويبدو أنه موهوب بالفطرة، فبدأ يكتب قصصا بلغ مجموعها ثلاث عشرة قصة نشرت في مجموعة بعنوان (في رأسه الشمس)، تتميز بلغة فريدة تمزج بين أسلوب جيمس جويس صاحب (البحث عن الزمن المفقود)، ولغة سكان مدن الصفيح”.
وتابع “من هنا تكمن صعوبة قراءتها، إلا أن قيمتها عظيمة، لأنها تطرح شكلا جديدا للغة الأدب في البرازيل، وهذا مذهل، وإنجاز رائع لأنه ارتقى بلغة الشوارع والمهمشين ليضعها في مصاف لغة الأعمال الكلاسيكية ولغة الخطاب الرسمي المهذبة التي تحظى بالاعتراف. كما تظهر تمكن الكاتب من أدواته على كل المستويات، وهذا يطرح سؤالا: هل يكتب مارتينش لرفاق محيطه المجتمعي؟ لا. وهذا مثير للدهشة، لأنه لا يكتب أيضا لسكان مدن الصفيح؛ وهذا يجعل منه استثناء؛ إنه حالة استثنائية، وهذا رائع وبشع في نفس الوقت”.
وأبرز كارفالو “على عكس دول مثل الأرجنتين، المشكلة في البرازيل أن النخبة غير مثقفة، سيئة التربية، فجة، وفظيعة. لا تزال الفكرة السائدة لديها: إذا كنت تعمل فأنت مستعبد، ومن ثمة إذا كانت أسرتك ثرية ومتوافر لديها المال فلا حاجة لك بالتعليم. هذه المعتقدات راسخة ومتجذرة منذ القدم، ومن هذا المنطلق فالطبقة الميسورة الحال في البرازيل لا تقرأ. القراءة في البرازيل تقتصر على الطبقة الوسطى المتعلمة، وتمثل للأسف هامشا ضئيلا من المجتمع، مقارنة بكثافة تعداد سكان بلد ضخم مثل البرازيل”.
يذكر أن إدواردو كارفالو ولد عام 1960 بمدينة ريو دي جانيرو. بدأ مساره الأدبي كاتبا صحافيا، مما أتاح له العمل في الكثير من بقاع العالم، من منغوليا إلى سانت بطرسبرغ، ثم باريس ونيويورك، وقد استوحى الكثير من أحداث وتفاصيل أعماله الأدبية من أجواء هذه المناطق. وترجمت أعماله إلى عشر لغات وأهلته للحصول على العديد من الجوائز القيمة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية.