جهاد فاضل
عبدالفتاح كيليطو باحث وناقد مغربي كبير ومقل في الوقت نفسه وتمتاز كتاباته بعمقها وبكونها «ومضات» أو «ملاحظات» حول موضوع ما، قديم أو حديث يعالجه ولكنها ومضات وملاحظات نافذة غالبا ما تضيء أمراً لم يكن مكشوفاً أو معالجاً في السابق. لعبدالفتاح كيليطو كتبٌ عدة تعالج موضوعات بعينها: المعري، ألف ليلة وليلة، المقامات القديمة وسواها.. ولعل أحدثها كتاب يحمل اسم «مسار» صادر عن دار توبقال بالمغرب هو عبارة عن حوارات يبسط فيها كيليطو جوانب من تجربته الكتابية وآرائه في مسائل أدبية شتى: مغربية وعربية وغير ذلك، ونظراً لأهمية هذا الكتاب، فإننا نعرض لأمور بارزة فيه. يسأل كيليطو عن علاقة النقد في المغرب بموضوعه «الأدب»، وعما إذا كان من الممكن الزعم بأن في المغرب أدباً.
فيجيب: هل من الممكن أن نتحدث عن أدب «مغربي» كما نتحدث عن أدب «مصري»؟ لا أظن فالأدب المصري له تاريخه وتقاليده ولغته وحضوره وكمُّه وكيفه. أما الأدب المغربي فيبدو بالمقارنة هزيلاً منكمشاً رغم تألق بعض الأسماء وبعض العناوين. فالإبداع عندنا، من ناحية الكم، قليل. كم عدد الروايات المغربية؟ والمجموعات القصصية؟ ودواوين الشعر؟ وما الأسباب العميقة لهذه القلة؟
الآن الجامعة حديثة العهد عندنا؟ الآن عدد من المبدعين يرجئون الكتابة إلى أن ينتهوا من أبحاثهم الجامعية، وعندما يتم لهم ذلك يكونون قد استنفدوا طاقاتهم ويكون الركب قد فاتهم فيصيرون عاجزين عن الإبداع؟ ثم هناك الأدب بالفرنسية والأدب بالعربية وكلاهما يدير ظهره للآخر. قراء الفرنسية يجهلون بصفة مطلقة ما يكتب بالعربية، وقراء العربية يتجاهلون ما يكتب بالفرنسية ويسأل كيليطو عن المؤلفين: رغم أنني ألفت «الكتابة والتناسخ» درست فيه بصفة جزئية مفهوم المؤلف في الثقافة الكلاسيكية. المؤلف غائب في ما يكتب. كشخص، وحاضر كصورة، وهذه الصورة تكاد تكون بلا علاقة مع المؤلف الواقعي. لذلك نجد من يعتبر المؤلف كالطائر المعيدي، يحب أن يسمع به ولا يراه. لذلك أيضا نجد من يزعم أن هوميروس لم يمت وأنه لم يؤلف الإلياذة والأوديسا وحسب، وإنما أيضا كل ما أنتجته البشرية من أدب بجميع اللغات. تصور أن تقرأ أشعار النابغة الذبياني وأبي العلاء المعري وكأنها من تأليف هوميروس!
وترد في حواراته أسماء المتنبي والمعري وأبي تمام. يحب المتنبي لأن نفسه الشعري لا مثيل له، ويحب المعري لأن في كتاباته خلفية ثقافية فلسفية واضحة ممزوجة بفن فريد في السخرية. المعري الساخر، المعري الأعمى، الرجل الذي لزم بيته أربعين سنة وصاح في أحد أبياته أن أباه جنى عليه حين جعله يأتي إلى هذه الدنيا نعم، نعم، كل ذلك يتم عنده جنبا إلى جنب مع فن السخرية وهذا موضوع لم يدرس بعد. مثال على فن السخرية هذا؟ دخل يوماً وهو في بغداد بيت شخصية مرموقة وتعثر في أحد الحاضرين. صاح هذا الأخير: من هذا الكلب؟ أجاب المعري: الكلب من لا يعرف للكلب سبعين اسماً.
في الأدب ينبغي أن تحمل الأفكار بصمة السخرية ليست السخرية بالضرورة سلبية وأنها توفير مسافة إزاء فكرة ما.
ألف ليلة وليلة
ويتحدث عن ألف ليلة وليلة وأهميتها في العالم. كنت في سن العاشرة تقريباً حين قرأتها في طبعة بيروت في مجلداتها السبعة، وهي طبعة محتشمة لأن التلميحات حذفت وتم محوها. صارت ألف ليلة وليلة في الغرب موضة، في فرنسا هناك دراسات مهمة عنها لأندريه ميكيل وجمال الدين بن الشيخ. العناية بدأت مع نص لتودوروف في كتابه «شعرية النثر» المنشور سنة 1966. نص قصير ولكن الجميع تعرض لتأثيره، هذا فضلاً عن أن نشره تزامن مع تنامي التحليل البنيوي للسرد. ينظر اليوم إلى الليالي على أنها تحفة من الروائع، إلا أن الأمر لم يكن كذلك في الماضي كان القدماء على ما يبدو لا ينظرون إليها بعين الرضا، لأن المحكي التخييلي لم يكن ذا صدى طيب، وبالأخص حين يفتقر إلى مؤلف معلوم. والحال أنه لكي يتم الاعتراف بنص في الثقافة العربية الكلاسيكية، كان ينبغي أن يوقعه مؤلف معترف بقيمته.
رسالة الغفران
ويرى أنه تم اكتشاف رواد أوروبيين لبعض المؤلفين العرب القدامى «رسالة الغفران» مثلا (القرن الحادي عشر) التي تتحدث عن العالم الآخر، الجنة والجحيم، غدت وكأنها من تأليف دانتي صاحب الكوميديا الإلهية (القرن الرابع عشر) هذا يعني أن الاهتمام برسالة الغفران مردُّه وجود «سابقة» أوروبية . بالإضافة لكل هذا هناك من أسف لغياب المسرح عند العرب القدامى، بينما كل ما في الأمر أنهم لم يروا ضرورة لذلك.
أما حكايته مع الأدب، فيقول إنه اكتشفه بفضل مصطفى لطفي المنفلوطي. «التهمت كل ما كتبه وتبين لي وأنا أقرؤه أن للأدب لغة خاصة تختلف عن لغة الحياة اليومية، طريقة مميزة في الكتابة والتفكير. فمن يكتب نصاً أدبياً يخضع لأنساق ثقافية وجمالية وإيديولوجية محددة، وقد لا يعي بخضوعه لها.
المنفلوطي
صرت أكتب مثل المنفلوطي، أقلده في الإنشاء المدرسي، وكان الأساتذة يعجبون بتفوقي في هذه المادة. كانت هذه بركة المنفلوطي عليّ، لكنهم مع ذلك كان ينظرون إلي بشيء من الريبة طارحين سؤالا ملغوماً: هل أنت حقاً صاحب هذا الكلام؟ ظل السؤال يلازمني حتى خلال الامتحانات المحروسة حيث يستعصي ويستحيل على التلميذ أن يستعين بكتاب لأي كان. في سياق الريبة والشك في كلامي، علمت أنني كاتب.
ولم أنتقل أبدا من ثقافة إلى أخرى، كنت مقيماً في الأدبين معا، لم أهاجر من يمّ الفرنسية إلى بيداء العربية لكن الذي حدث أنني هيأت بحثاً جامعياً عن فرنسوا مع رياك. سجلت اسمي في شعبة الأدب الفرنسي لأنني كنت أعتبر بغير قليل من الغرور، أنني أمتلك ناصية العربية امتلاكاً تاماً وليس لي ما أتعلمه فيها. في تلك المرحلة كان بعض الكتاب يخجلون أن يقولوا إنهم يكتبون بالفرنسية. كنت أتوق أن أكتب في يوم من الأيام أدباً بلغة الضاد، لكن منعرجات تكويني وحياتي جعلتي أكتب تارة بالفرنسية وتارة بالعربية، حسب السياق والمزاج وبدون تخطيط مسبق. كان خطاب النقد العربي أنذاك يدور في جانب منه حول الأصول والجذور، وكنا نسمع أن العرب القدامى سبقوا الغربيين في مجالات شتى من المعرفة كأن يجد محمد مندور عند عبدالقاهر الجرجاني بذوراً لنظريات العالم اللساني فردينان دي سوسور. هذا المناخ الفكري دفعني إلى تنمية معرفتي بالأدب العربي وبأساليبه وأنساقه الكتابية والطريق الأمثل يتم حتماً عبر أدب القدماء.
الفرنسية أم العربية؟
ولكنني أتساءل أحيانا: ما هي اللغة التي أشعر فيها بقدر أكبر من الراحة، أهي الفرنسية أم العربية؟
على عكس ما قد يتخيله البعض، أترجم بسهولة نسبية من الفرنسية إلى العربية. ولهذا حصل أن ترجمت أعمالي في هذا الاتجاه. غير أنني لا أذكر أنني نقلت كتابة لي من العربية إلى الفرنسية وهذا هو المعيار الذي يسمح لي بالقول إن ارتباطي بالعربية أشدّ من ارتباطي بالفرنسية فكما يقول الشاعر: ما الحب إلا للحبيب الأوّل. وفي آخر المطاف لا أترجم إلا عند الضرورة لأنني عندما أقوم بذلك يصير النص نصا آخر بحكم التغييرات والإضافات التي قد أدخلها عليه من منطق الكتابة المضاعفة.
هناك قضية أخرى استسمح للإشارة إليها: عندما أنشر كتابا بالفرنسية يترجم توّا إلى العربية وأحيانا إلى لغات أخرى. أما كتبي بالعربية فتبقى منفية في اللغة العربية. والعبرة التي يمكن للملاحظ المتسرع استخلاصها من هذا المثال واضحة لا تحتاج إلى مزيد بيان.
المناهج الغربية الحديثة
حول المناهج الغربية الحديثة وتطبيقها على الأدب العربي القديم والحديث يقول الباحث المغربي الكبير:
تعلمت هذه المناهج من أجل دراسة الأدب العربي وغير العربي. لم أنذر كل وقتي للأدب القديم ولا أعتبر نفسي مختصاً فيه، بالرغم من أنني كتبت عن ألف ليلة وليلة وعن المقامات وكتبت أيضاً عن الأدب الحديث، العربي منه وغير العربي، لا يمكنك أن تدرس التراث إذا لم تكن ملما بالأدب الحديث: والعكس صحيح. هذا ما نلاحظه عند كبار النقاد من أمثال باختين وأورباخ وأمبرتو إيكو وتودوروف. أما المناهج الحديثة فينبغي دائما وضعها بين مزدوجتين باعتبارها أدوات إجرائية، منفعتها نسبية وليست أدوات سحرية تحقق ما نتمناه.
إن الأدب يدرس في ضوء الأدب، وقد يدرس في ضوء علوم أخرى. وهنا تحضرني مقولة للكاتب الروماني الأصل شيوران مفادها أن الشاعر قد يستفيد من قراءة كتاب في علم النبات أكثر من استفادته من قراءة ديوان شعر. وهذا يعني أن على الناقد أن يبتعد أحيانا عن الأدب من أجل الاقتراب منه وتناوله بصفة عميقة.
العلوم الإنسانية
كنت ملزماً بالاهتمام بالعلوم الإنسانية لأن مهنتي هي تدريس الأدب وعلى الخصوص الرواية الفرنسية الحديثة. درس الأدب، كما لا يخفي، يكون خصباً عندما يتم في ضوء الأسئلة التي يطرحها علم الاجتماع وعلم النفس واللسانيات.
أما المنظومة النقدية العربية الراهنة، فإن رأي كيليطو فيها: لا يمكن اليوم لكاتب عربي أن يمكث في منظومته المحلية ويكتفي بها.
ثم ما هي المنظومة العربية؟ إنها مزيج من التيارات والتأثيرات والإحالات المتعددة ليس هناك منظومة نقدية عربية صرفة، لم تكن موجودة فيما مضى ولا توجد اليوم أيضا وعلى افتراض وجودها، فهي تتكون وتتطور وتفكر في ذاتها من خلال حوارها المستمر ومجابهتها المتواصلة لمنظومات أخرى. كيف يمكن أن نكتب تاريخ النقد الأدبي العربي إذا لم نأخذ بالاعتبار تاريخ النقد الغربي؟
التأريخ للأدب العربي
وكيف يمكن أن نؤرخ للأدب العربي دون التأريخ للأدبين الفرنسي والإنجليزي؟ لهذا يبدو لي من الصعب استعمال عبارة «الكتابة العربية» أو «الرواية العربية» أو «الشعر العربي» وأقصد هنا الأسلوب، وليس التحديد الجغرافي فهل يوجد أسلوب عربي في الرواية المكتوبة بالعربية؟ أو لنطرح السؤال بصيغة أخرى: ماذا أضافت الرواية أسلوبياً للرواية العالمية؟
ولماذا لا يهتم الغرب بأدبنا؟
في الوضع الحالي للعالم، الغرب ليس ملزماً بمعرفة ما نكتب، إذ لا حاجة له بنا. لذلك فالكاتب العربي هو الملزم بمعرفة الأدب الأوروبي ومستجدات الأدب العالمي. وهو يعرف في كثير من الأحيان الأدب الغربي معرفة جيدة، وفي قرارة نفسه يعلم أنه يمتلك شيئاً زائداً، إضافيا، هو الأدب العربي الذي لا تعرف أوروبا إلا نِتفا منه. ولكن ماذا يفعل بمعرفته حين يكون مثلاً في فرنسا؟ خصوصاً وأنه يعلم استحالة أن يأتي هناك على ذكر المؤلفين العرب لأن لا أحد سمع بهم. الموضوع شبه الوحيد الذي يمكن أن يتحدث فيه هو ألف ليلة وليلة وجودنا وثقافتنا مختصرة في هذا الكتاب على الرغم من أن ديوان العرب هو الشعر وليس النثر لكن الشعر العربي لا يترجم، وعندما ينتقل إلى لغة الآخر قد يبدو تافهاً مضحكاً، لما ترجم أنطوان جالان كتاب ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية في بداية القرن الثامن عشر، لم يحتفظ بما فيه من مقاطع شعرية. وهكذا تكونت عند الأوروبيين فكرة مفادها أن العرب أهل سرد وقصة، بينما يرى العرب أنهم شعراء أولاً وقبل كل شيء. هل يرضى العربي أن يختزل وجوده في ألف ليلة وليلة؟
الأدب والغرابة
لا يقرأ عبدالفتاح كيليطو كتبه بعد نشرها وقد يفرض عليه القراء، أن يهتم بكتابات لم يكن يوليها بأهمية كبرى سابقاً وهذا ما حدث له مع كتابه «الأدب والغرابة» الذي صار كلاسيكياً بمعنى أنه يدّرس في الصفوف. أما كتابه الأحبّ إلى نفسه فهو «الكتابة والتناسخ» في كتاب آخر له عنوانه «الأدب والارتياب» يتساءل: لماذا يكون الكاتب في ثقافتنا مصدر ريبه؟ بل لماذا يعتبر هو نفسه أنه موضع ريبة، بصغة شعورية أو بصفة لا شعورية؟ ثم لماذا ترتبط الكتابة بإحساس مبهم بالذنب إلى حد أن الجاحظ يقول إن على الكاتب أن يعتبر الناس، كل الناس، أعداء له؟ وأخيراً ما بالنا نقرأ أحيانا كتبا معينه ونحن نكاد نموت رعبا أثناء قراءتها؟
لو طلب من كيليطو أن ينجز أنطولوجيا للشعر العربي اعتماداً على قراءاته،أي أن ينتخب مختارات، ماذا سيكون اختياره في هذه الأنطولوجيا المتخيلة؟
لامية العرب
من المؤكد أنني سأبدأ «بلامية العرب» التي يحفظها الطلبة في المدارس وهي قصيدة رائعة عدت إليها مؤخراً واندهشت لقوتها ولا سيما قول الشاعر في البيتين الأخيرين (من يستطيع فهمهما دون الاستنجاد بشرح؟)
ترود الأراويُّ الصحم حولي كأنها
عذاري عليهن الملاءُ المذيلُ
ويركدن بالآصال حولي كأنني
من العُصم أدفي ينتحي الكيح أعقلُ
وسأختار أيضا معلقة امرئ القيس وقصيدة أبي فراس التي يصف فيها كأساً:
قرارتها كسرى وفي جنباتها
مهما تدريها بالقسيّ الفوارسُ
ولأبي تمام سأختار قوله:
وطول مقام المرء في الحيّ مخلق
لديباجتيه فاغتربْ تتجدّدِ
فإني رأيت الشمس زادت محبة
إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
ولن أختار شعراً للبحتري. سأنتقل إلى المتنبي، كل ما قاله المتنبي جيد.
وسأختار أيضا أشعاراً للمعري. وعموما فمعرفتي بالشعر متواضعة تنحصر في أسماء معدودة، سواء في القديم أو في الحديث.
المقامات
ويشيد بالمقامات في الأدب القديم: حينما نتحلى بالصبر في قراءة المقامات ندرك غناها الكبير. ليس من اليسير الحديث عما يصنع خصوصية الأدب العربي. لنقل إنها فيما يفقده النص حين يترجم. تتصف الترجمة الفرنسية التي أنجزها روني خوام لمقامات الهمذاني والحريري بنوع من اليسر في قراءتها.
لا نصادف فيها الإيقاع أو التنظيم الخاص بها، ولا الكلمات المهجورة، ولا الألعاب اللفظية. لكن هذا قد يترتب عنه انطباع بالسطحية . بخلاف ألف ليلة وليلة التي تخرج سليمة إجمالا من الانتقال المخيف إلى لغات أخرى. لازالت المقامة تنظر أنطوان جالان آخر يجعل من ترجمتها حدثا جللا.
الولع بالحكايات
أما سرّ ولعه الشخصي بالحكايات، فيرويه كما يلي: هل تعرف شخصا ليس له ميل إليها؟ لقد لوحظ أن الطفل يضبط قواعد اللغة في الثالثة من عمره، وفي الوقت ذاته يضبط قواعد السرد الولع بالسرد مرده إلى عدة أمور، ليس أقلها شأنا وظيفته العلاجية. الطب النفساني مبني على جعل «المريض» يتعرف إلى حكاية قديمة تقضّ مضجعه ويأبي أن يقرّ بوجودها. لا يجادل أحد في كون شهر زاد عالجت شهريار وخلصته من وساوسه بفضل ما روت له. هناك من يضغط على نفسه ويطرح الحكاية جانباً، ظنّا منه أنها موضوعة لصغار العقول. هل وضعت فعلا لهذه الفئة من البشر؟ تثبت الدراسات الحالية أن السرد المبني على الخيال الجامح موضوع لكبار العقول: دراسات أخرى أثبتت أن الخيال حين يطرد من الباب سرعان ما يعود متسللا من النافذة إن أنت درست كلام الجرجاني في أسرار البلاغة بجدّ وتمعّن، فإنك ستندهش من كون الصور التي يستعملها تشبه إلى حد كبير تلك التي تجدها في الخرافة.
تسعى الثقافة العالمية إلى ردع الخيال، لكن الخيال لا يمكن ردعه إن كان ثمة شيء لا يردع فهو الخيال.
ويتوقف الكاتب والباحث الكبير عن الكلام عندما يدركه الصباح تماماً كشهرزاد في ألف ليلة وليلة التي أولاها اهتماما تستحقه . ملاحظات أستاذ قدير جدير بالقراءة في كل الكتب التي كتب لأنه كما ذكر عن الجاحظ مرة من أنه معلم العقل والأدب.