عابه خلو المسابقة الرسمية من أي فيلم مصري
القاهرة : سارة محمد
عاد مهرجان القاهرة ليستعيد قدرا من عافيته في دورته الـ39، ليؤكد عمق الاهتمام بالسينما، وبدا حفل الافتتاح مساء الثلاثاء مبهرا، لكن عابه خلو المسابقة الرسمية من أي فيلم مصري، واقتصار المنافسة العربية على الفيلم التونسي “تونس الليل”، وكان إنتاج الأفلام الـ15 في المسابقة الرسمية يتسم باشتراك أكثر من دولة في إنتاج الفيلم الواحد، وهي سمة عالمية تكسر الحدود التقليدية وترسخ لمفهوم العولمة في مجال السينما.
لم يكن لدى إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي حلما أكبر من وجود راع له يتولى مهمة سداد العجز المالي، هذا الحلم تحقق في الدورة التاسعة والثلاثين التي انطلقت مساء الثلاثاء بدخول قناة “دي إم سي” المصرية كراع رئيسي له، أسندت له مهمة تنظيم حفلي الافتتاح والختام دون تدخل من إدارة المهرجان.
الحلم الذي طال انتظاره خلال السنوات الماضية بسبب وجود ميزانية ضعيفة والتخبط الكبير من جانب القائمين على المهرجان، مكّن الإدارة الرسمية من الظهور في صورة جيدة، من حيث التنظيم ودعوة النجوم والنجمات واستقبال الضيوف، وبالطبع انتقاء الأفلام الـ15 المشاركة في المهرجان، والذي تحاول وزارة الثقافة المصرية استعادة بريقه الذي تراجع مؤخرا لحساب مهرجانات عربية أخرى.
الدورة الـ39 لمهرجان القاهرة والمهداة للفنانة شادية تضم 175 فيلما (في المسابقة الرسمية وغير الرسمية) بمشاركة من 53 دولة، والمرجح أن تكون دورة الفصل في استمرار رئيسته ماجدة واصف أو تركها المنصب الذي يبدو أنها سئمت منه.
النقل المبهر على الهواء مباشرة لحفل الافتتاح، أخفى وراءه كواليس كثيرة ظهرت تجلياتها لكل من راقب الحفل من الداخل، عناصر الجذب التي استخدمت عند الافتتاح لا تدل على الصرامة بقدر ما تدل على الاستحواذ والسيطرة، فالقناة الراعية “دي إم سي” منعت وجود أيّ محطات فضائية غيرها لنقل الحدث واستضافة الضيوف حصريا.
ورغم أن رعاة المهرجان اقتدوا بتجربة مهرجان “الجونة” السينمائي الذي عقد في أكتوبر الماضي بوجود قناة حصرية تنقل فعالياته، إلا أن الأمر اختلف مع مهرجان القاهرة الذي يعدّ الحدث الفني الدولي والرئيسي لمصر، ولا يتوقف احتكاره على محطة بعينها بعكس تجربة الجونة التي تولى رعايتها رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس.
فكرة الراعي جعلت إدارة المهرجان مرتبكة إلى حد كبير، خاصة في مسألة الإعلان عن الضيوف الأجانب وما تردد بشأنها خلال الأيام الماضية، حيث جرى الإعلان عن أسماء كبيرة لم تحضر، منها الفنان العالمي شون بن وبن أفليك وأخيرا روبرت دي نيرو، الأمر الذي لم تقدم إدارة المهرجان ردا أو تفسيرا قاطعا له، واكتفت بإسناد المسألة للقناة الراعية التي أكدت أنها مسؤولة عن الحضور الدولي، ثم قامت بالإعلان فقط عن اسم الفنانة إليزابيث هيرلي قبل ساعات من حفل الافتتاح.
وعلى غير العادة لأي مهرجان فني يفتتح بكلمة لرئيسته، اختفت ماجدة واصف رئيسة المهرجان من مشهد الافتتاح وظهرت في صفوف الحضور لمتابعة الحفل ولم تقم بمنح التكريم للفنانة إليزابيث هيرلي الذي قدمه لها الفنان المصري آسر يس، مقدم الحفل أيضا، وكأن القناة الراعية أسقطتها من حساباتها في تنظيمها للحفل تأكيدًا على الدور الهام الذي لعبته هي في إخراج الحفل بهذا الشكل المختلف.
يضاف إلى ذلك اختيار قاعة المؤتمرات “المنارة” بالتجمع الخامس في شمال شرق القاهرة لإقامة حفل الافتتاح، باعتبارها أحد الأماكن الحديثة التي تم افتتاحها منذ فترة قريبة، بالإضافة إلى مساحتها التي تتسع لاستضافة 1500 شخص، بعد أن تخلت إدارة دار الأوبرا عن رعايتها للمهرجان الذي كان من المقرر أن يقام بها حفلا الافتتاح والختام، نتيجة الخلاف الحاصل بين رئيسة المهرجان ماجدة واصف ورئيسة دار الأوبرا إيناس عبدالدايم، ما جعل الأخيرة تستكمل برنامجها الفني على مسرحها الأساسي دون أن تضع المهرجان في اعتبارها بعد تصريحات واصف العام الماضي بعدم تعاون رئيسة الأوبرا معها.
واختيار قاعة المؤتمرات الجديدة لحفل الافتتاح كان بديلا غير موفق من قبل القناة الراعية لعدم وجود دلالة رمزية تاريخية للمهرجان الذي رفع شعار “سحر السينما في أرض الحضارة”، علاوة على المسافة البعيدة التي تفصل القاعة الجديدة عن قلب القاهرة، ما أدى إلى تأخر الكثير من الحضور ليبدأ الحفل بعد ثلاث ساعات من الموعد الرسمي لانطلاقه (افتتح في الثامنة مساء بتوقيت لندن)، كما أن القاعة الضخمة لم تكن مجهزة بالإمكانيات الكافية التي تتناسب مع الحفل.
واختير فيلم “الجبل بيننا” للمخرج الفلسطيني هاني أبوأسعد وبطولة الممثلة العالمية كيت وينسلت والذي حقق إيرادات فاقت الـ50 مليون دولار أميركي، لعرضه في الافتتاح للتأكيد على عالمية المهرجان المصري، لكن عدم جاهزية الشاشة لبث الفيلم اضطر مخرجه إلى وقف عرضه.
مع كل هذه السلبيات كانت هناك العديد من النقاط المشرّفة لحفل الافتتاح، أبرزها الفخامة التي بدت عليه، من وجود ممشى في مدخل القاعة يحمل صور العظماء من الفنانين الذين أثروا السينما المصرية بأهم أعمالهم، والاستعانة بعدد من السيارات والإكسسوارات التي استخدمت في تصوير هذه الأعمال.
ومن اللافت للنظر وجود سيارة الفنان الراحل أحمد رمزي ذات اللون الأصفر في مدخل القاعة، والتي تحمل لوحة “عمومي مصر 33”، فضلا عن الحفاوة البالغة بالفنانة شادية التي حمل المهرجان اسمها هذا العام، تكريما لدورها الفني.
كما شهد حفل الافتتاح حضورا فنيا كبيرا من مختلف الفئات العمرية، وعادت أسماء بعد غياب سنوات، منها منى زكي وأحمد حلمي وأحمد عز وسولاف فواخرجي ونبيلة عبيد، والفنان ماجد الكدواني وهند صبري اللذان تم منحهما جائزة فاتن حمامة للتميز، وأيضا الفنان سمير غانم الذي صعد المسرح مع ابنتيه دنيا وإيمي سمير غانم ومنح الجائزة ذاتها تقديرا لمشواره الفني الطويل. ولعل الفنان الكوميدي سمير غانم منح وحده هذا العام جائزة فاتن حمامة التقديرية بخلاف العامين الماضيين، وكان يتم منح الجائزة لاثنين من الفنانين، مصري وأجنبي.
وضمت قائمة الحضور أيضا الفنانة إليزابيث هيرلي التي أعربت عن سعادتها بوجودها في مصر وفي المهرجان، وتم منحها درع تكريم من المهرجان، من قبل الفنانة السورية كنده علوش، عضو لجنة تحكيم المسابقة الدولية التي يرأسها الفنان حسين فهمي، وكانت من بين الحضور الفنانة يسرا الرئيس الشرفي للمهرجان، بالإضافة إلى حشد آخر من الفنانين المصريين والعرب.
اختار القائمون على حفل الافتتاح للعام الثاني على التوالي أن يبدأ الحفل بعزف للأوركسترا السيمفوني، يضم مجموعة من المقطوعات الموسيقية لأشهر الأعمال السينمائية المصرية والعالمية، ومشاركة الفنانة السورية أصالة في تقديم أغنية حفل الافتتاح “ياللي بدعتوا الفنون” للراحل محمد عبدالوهاب.
والحقيقة أن اختيار أصالة للغناء في الافتتاح أثار استياء البعض بسبب عدم حفظ الفنانة للأغنية بشكل جيد، وعدم وضوح الصوت الذي بدا أيضا في ارتفاع مستوى الموسيقى عن صوتها هي، وكذلك في المقاطع الصوتية لحديث بعض الفنانين على المسرح.
وفي كل الأحوال النظرة النقدية لمستوى الأفلام هي التي تحدد المحتوى الحقيقي، وما إذا كانت إدارة المهرجان نجحت في الاختبار هذا العام أم لم تنجح؟