بيت الفن
حل أخيرا بالمركب الثقافي بني ملال المسرحي عبدالواحد عوزري ضيفا على جمهور المدينة لتقديم وتوقيع كتابه “قريبا من الخشبات بعيدا عنها”.
ويندرج اللقاء ضمن الموسم الثاني لبرنامج توطين فرقة مسرح “أرلكان” بالمركب الثقافي بني ملال، من أجل ترسيخ الثقافة المسرحية بالمنطقة، وتنمية المهارات وصقلها والدفع بها إلى مرحلة الإبداع. ضمن فعاليات الموسم الثاني لتوطين مسرح أرلكان، الذي يحظى بدعم من وزارة الثقافة.
ويتطرق الكتاب الصادر عن دار النشر المغربية بالدار البيضاء، إلى تجربة المؤلف المسرحية، الذي أوضح في مقدمته أن “المسرح يبقى مجرد لقاءات قد نعتقد أنها عادية أو أتت بصدفة الأشياء، وقد تكون لقاءات فنية عميقة، مؤثرة في التجربة والمعرفة..” ويتوقف المسرحي عوزري “عند بعض المحطات التي أعتبرها مهمة في مسيرته في التعليم والحياة في فرنسا.. احتفظت فيها بالكثير من العبر واللقاءات التي مازال يعتز بها وتشكل ذخيرته الإنسانية والمعرفية”.
وفي مقاربته للكتاب يقول الناقد محمد أبو العلا إن تجربة المسرحي عوزري، من خلال كتابه الذي يتأمل جزء من مسارات تجربته المسرحية، يعتبر انقلابا “على المؤلف الدرامي الذي فسح المجال لمخرجين عبر العالم وعبر التاريخ، خصوصا المخرجون الحقيقيون، أولئك الذين شغلوا مساحة شاسعة على الخشبات بإشراقاتهم كما شغلوا النقد والدرس المسرحيين بنظرياتهم وفهمهم الخاص لمتخيل يكتب بمداد آخر، حيث احتفظت ذاكرة المسرح الغربي بأرتو، وبريخت ومنوشكين و بروك، مثلما احتفظت ذاكرة المسرح العربي بجواد الأسدي، وفاضل الجعايبي، والطيب الصديقي، وضيف مسرح أرلكان عبد الواحد عوزري من هؤلاء، الذين ارتقوا مدارج علم المسرح قبل أن يرتقوا الخشبات”.
لقد كانت بداية عوزري، يضيف أبو العلا، بعرض موسوم بـ”حكايات بلا حدود” للشاعر الماغوط، بلا حدود في الزمان أو المكان، وبلا حدود في الخيال، ولا حدود للخشبات وهي تتوهج على امتداد خريطة المغرب بمسرح جديد، حاضن لكل الأجناس ومنفتح على كل لغات البوح، من شعر و زجل و رواية و حكاية…من الماغوط إلى صنع الله ابراهيم، عبداللطيف اللعبي أحمد لمسيح، ومحمد بهجاجي…جان جنيه، ميشال ماني، جان بيير سيمون، بل لكل من لهم باع في النصوص ولهم رسوخ في محاكاة الشخوص.
وبالعودة الى كتاب عوزري، يشكل التقديم تحت هذا العنوان “أما قبل” إشارة سميائية، يؤكد الناقد أبو العلا، “لارتهان ما يأتي بما قبل على عكس المتداول في الرسائل” لكون رسالة عوزري المسرحية هي ما قبل، هي هذا المسرح، مسرح اليوم الذي غدا أمس، هي هذه التجربة التي تبدو اليوم من خلال هذه الكتابة الآن كرجع صدى لذكرى مائزة، يعبر إليها د.عبد الواحد عوزري بالنبش في ما يؤول إليه مسرحنا ليس المسرح الذي يعني عوزري /مسرح اليوم الذي انخرط فيه و توهج، بل في هذه الرمزية لمتردم بناية اسمها المسرح البلدي بالدارالبيضاء”.
وكأن بعوزري، يشير أبو العلا، “يقول ما الذي نبنيه ونحلم به في غياب فضاء للمسرح؟ ثم ما جدوى صنع الحلم أمام صناع الموت؟” وهو ما يذكرنا بـ”الحكواتي الأخير” لعبد الكريم برشيد، الذي تحول إلى لعب مسرود بعد أن كان سردا ملعوبا في الساحات والأفضية المحاصرة باسمنت المجلس البلدي، ثم بما آل إليه المجال الأخضر من طرف أعداء الحياة في “كتيبة الخراب” لعبد الكريم جويطي”.
وفي مقاربته لمشروع عوزري المسرحي، يؤكد الناقد والباحث أبو العلا، أن البحث عند عوزري وفق مقاربة لمنجزه من الداخل منظورا إليه بعين المخرج الدراماتورج في علاقته بمدونته الفرجوية، استشرافاتها وإكراهات تصريفها داخل محيط حاضن أحيانا ولا فظ أحايين أخرى وهو ما يطرح سؤالا عريضا حول مسوغات هذه الكتابة؟ أم أن عوزري من خلال هذه المقاربة يستشرف بعدا آخر لن يستشرفه الناقد أو الباحث إلا بالانتساب للتجربة والانتماء إليها بإحساس من الداخل، قبل الابتعاد عنها مسافة لمقاربتها موضوعيا من خارج؟..”
انشغالات المسرحي عبدالواحد عوزري الأكاديمية، التي أثمرت كتاب أطروحة موسوما بالمسرح المغربي، بنيات و تجليات، ثم ثمرته الثانية كتاب تجربة المسرح، حيث تشكل شهادة الفنانة ثريا جبران كقارئة للكتاب أو لمسودته، تلقيا أوليا قبل المتلقي المفترض، وهو ما تزكيه بمؤشرات ميتامسرحيه عابرة نحو الكتاب مثلما تكشف عن الوعي النقدي لثريا جبران”.