على الجميع أن يدرك أن الفضاء العمومي ليس ملكا لأي طرف معين، بل هو ملك للمجتمع بأكمله، ومن مسؤولية الجميع إحياؤه…
بروكسل: إدريس رحاوي
في السنوات الأخيرة، يعيش المغرب أزمة حقيقية على مستوى النقاش العمومي، وهو ما يعكسه غياب الجدية والعمق في العديد من القضايا التي تهم المجتمع. يبدو أن الفضاءات التي كانت تعتبر سابقا منصات للنقاش والتفاعل الفكري، أصبحت اليوم شبه غائبة أو غير مؤثرة بالشكل المطلوب، سواء في الساحة السياسية أو الإعلامية.
إن النقاش العمومي يشكل الركيزة الأساسية لنهضة أي مجتمع، فهو المحرك الذي يدفع النخب إلى التفكير الجاد والبحث عن حلول مبتكرة للتحديات الراهنة. لكن، في المغرب، يبدو أن هذا النقاش قد أصابه نوع من الجمود. لا نرى ندوات تستفز الفكر الإيجابي أو تسهم في توعية المجتمع بقضاياه الآنية، مما يجعلنا نتساءل: أين ذهب الحوار البناء؟ وما هي أسباب تراجع مستوى النقاش العمومي في المغرب؟
الملاحظ أيضا أن البرامج التلفزية، التي كان من المفترض أن تكون منابر لتحفيز النقاش السياسي والفكري، باتت تفتقر إلى العمق والجرأة. أصبحت هذه البرامج تكتفي بمعالجة سطحية للقضايا، دون التطرق إلى جوهر المشاكل أو استضافة وجوه قادرة على تقديم تحليلات واقعية ومقنعة. في ظل هذا التراجع الإعلامي، يفقد الجمهور الثقة في قدرة هذه الوسائل على تقديم إضافة نوعية للنقاش العمومي، ما يزيد من إحباط النخب والمواطنين على حد سواء.
إلى جانب تراجع الإعلام، نجد أن الساحة السياسية أيضا تعاني من أزمة ثقة. الوجوه السياسية الحاضرة اليوم تفتقر إلى القدرة على إقناع الجمهور. سواء من حيث الفكرة أو القدرة على التواصل، باتت هذه الشخصيات بعيدة عن الشارع المغربي، وغير قادرة على تقديم مشروع فكري أو سياسي جذاب. هذا الفراغ السياسي يعمق أزمة النقاش العمومي، حيث لا توجد شخصيات قيادية قادرة على إشراك المواطنين في حوارات بناءة تطرح فيها الحلول الممكنة لمختلف الأزمات الاجتماعية والاقتصادية.
إن غياب النقاش العمومي الفعال في المغرب لا يشكل فقط أزمة سياسية وإعلامية، بل هو أزمة اجتماعية تعرقل التقدم. لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور في ظل غياب حوارات عميقة وفعالة تعالج القضايا الحقيقية وتبحث في الحلول الممكنة. في هذا السياق، يتعين على النخب الفكرية والسياسية، وكذلك وسائل الإعلام، أن تتحمل مسؤوليتها في إعادة إحياء هذا النقاش وبث روح جديدة فيه.
المغرب اليوم بحاجة إلى وجوه سياسية وفكرية جديدة قادرة على تقديم مشروع متكامل يحظى بثقة المجتمع. كما أن الإعلام مطالب بتحقيق نقلة نوعية في طريقة تعامله مع القضايا الكبرى، ليصبح منصة حقيقية للحوار الحر والمسؤول، وليس مجرد وسيلة لتسطيح المشاكل أو تجاوزها.
لا يمكن الحديث عن مستقبل مستدام دون نقاش عمومي حقيقي يشرك المجتمع في صنع القرار ويعزز من ثقافة الحوار البناء. على الجميع أن يدرك أن الفضاء العمومي ليس ملكا لأي طرف معين، بل هو ملك للمجتمع بأكمله، ومن مسؤولية الجميع إحياؤه.