طارق بن عقبة
تقول الأحجية: “والدال يغلب القرد في الشطارة”، يسال الريح على الخلا واش فيه شي عمارة”.
تبرز الأحجية خصال الذئب وطباعه، وهي، شطارته ودهاؤه ودور حاسة الشم القوية لديه في تنسم الريح وانتشائه واسترواحه، ورصد مواقع صيده وتأمين غاراته.
هذه الصفات لا تنطبق فقط على الحيوانات كالذئاب أو الثعالب، بل نجدها حاضرة في بعض السلوكيات البشرية منذ قديم الزمان إلى يومنا هذا، ولعل كتاب “كليلة ودمنة” الذي يعود تاريخه إلى القرن الرابع الميلادي لشاهد على ذلك، ففي هذا الكتاب الذي ترجمه عبد الله بن المقفع في القرن الثامن الميلادي، متصرفا فيه بأسلوبه، استخدم مؤلفه الأصلي، الحيوانات والطيور كشخصيات رئيسية فيه، وهي ترمز في الأساس إلى شخصيات بشرية وتتضمن القصص عدة مواضيع من أبرزها العلاقة بين الحاكم والمحكوم.
عود إلى بدء،
كثيرا ما نطلق نعث الحرامي على بعض هذه الحيوانات الغير العاقلة، كالثعلب وابن آوى والذئب، لكن هذا الأخير يرفض هذا النعت، ويقول بأنه ليس بالحرامي، بقدر ما يستحضر في ذهنه دائما أي تجربة مر منها ويحرس على ان تبقى راسخة في عقله. فإذا ما عثر على فريسة، بحث في جنباتها عن رائحة الآدميين، وإذا لم يجد ابتعد عن الفريسة ليتمدد ويتحسس محيط المكان عبر الشم إلى حين تأكده أنه آمن فينبري لفريسته.
بخلاف فصيلة ابن آوى من صنف البشر، فهي تحاول أن تخضع نفسها لقواعد لعبة تقاسم الفرائس أو الانفراد بها لوحدها، حسب قوة الموقع والوظيفة، فهناك أصحاب الغنائم الكبرى وأصحاب الغنائم الصغرى، وطائفة تقتات من الفتات، وفصيلة أخرى تأكل من القمامة أو تعتاش على أكل الجيف مثل الضباع.
الأنكى من ذلك أن فئة من المثقفين أو أشباه المثقفين، صارت بدورها تبحث عن الفتات وما يخدم مصالحها الذاتية والضيقة، من خلال تشكيلها لجمعيات وتنظيمها لمهرجانات، ظاهرها ثقافي وباطنها ربحي، تعكسه أنشطتها، التي تتجاوز أحيانا الحد الأدنى من صفات الأخلاق النبيلة، فكيف يأوي (من ابن آوى) مهرجانا، رجلا ضمن فقرة التكريم، وينزله عنده ويشمله ويرعاه، مع أن سمعته سيئة الذكر، لا يهم، المهم أن يحسن المكرمون صورة المحتفى به، درس السماء وحرث الأرض، وأهلك الزرع والضرع، في شركة تسمى وطنية، هي الآن تحت مجهر المجلس الأعلى للقضاء، ونتمنى ان يكون التكريم تكريمين. كما نتمنى أن يتقبل الله دعاءهم، يا رب ألطف بنا- يا رب ألطف بنا الدنيا – غرقت بنا السبولة عطشانة- غيثها يامولانا. وفي أن تحظى شركتهم للإنتاج بفتات من هنا وهناك.
ومن المفارقات أيضا، ان يستضيف المهرجان ويكرم أسماء وازنة لها سمعتها، لكن أن يجمع التكريم بين السبع والضبع، فلعمري تلك قمة السوريالية، مع اعتذارنا لفرانز كافكا (Franz Kafka) أحد أبرز كُتّاب القرن العِشرين. والذي اعتمد هذا الأسلوب ليجعل القارئ يشعر بالقلق، الرعب، والاضطهاد؛ هو يستعمل هذه الطريقة من أجل صدْمِه بمدى قسوة العالم والمُجتمع – وفوق كل شيء- أن يُشعره بقسوة الإنسان الذي خلق الإثنينِ -العالم والمجتمع-، وهُو يُصوّرُه على حقيقته: كحشرة.
