تحت شعار خمسون سنة من العمل على نشر الثقافة السينمائية والإسهام في انبثاق سينما وطنية مبدعة، تعقد الجامعة الوطنية للأندية السينمائية…
بقلم: أحمد سيجلماسي
تحت شعار “خمسون سنة من العمل على نشر الثقافة السينمائية والإسهام في انبثاق سينما وطنية مبدعة”، تعقد الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم) جمعها العام العادي يوم السبت 24 يونيو 2023 ابتداء من العاشرة صباحا بالمركب الثقافي سيدي بليوط (قاعة بوشعيب الدكالي) بالدار البيضاء.
يتضمن جدول أعمال هذا الجمع العام ثلاث نقط أساسية هي تباعا: تلاوة التقريرين الأدبي والمالي ومناقشتهما والمصادقة عليهما، اقتراح إدخال تعديلات على بعض بنود القانون الأساسي الحالي ودراسة البرامج والتصورات التي يمكنها النهوض بعمل الجامعة والمساعدة على تدليل الصعوبات التي تواجهها وتحديد الآفاق المستقبلية لعمل الأندية السينمائية، استقالة المكتب الحالي وانتخاب مكتب جامعي جديد.
وبمناسبة هذه المحطة الجديدة في حياة “جواسم” نذكر الأجيال الجديدة بجانب من تاريخ حركة الأندية السينمائية بالمغرب من البدايات إلى سنة 1996، على أمل تغطية مرحلة (1996- 2023) في ورقة قادمة.
إطلالة على تاريخ حركة الأندية السينمائية بالمغرب .. من البدايات إلى سنة 1996.
يمكن التمييز في تاريخ حركة الأندية السينمائية بالمغرب بين لحظتين أساسيتين: ما قبل وما بعد سنة 1973.
ما قبل 1973:
شهدت هذه اللحظة ظهور الأندية السينمائية الأولى بالمغرب في الثلاثينات (أو قبلها بقليل) على يد مثقفين فرنسيين كانوا يعملون بمؤسسات تعليمية أو اقتصادية أو غيرها. وتم انتشارها كمؤسسات جمعوية ثقافية ظلت في خدمة المستعمر الفرنسي وأهدافه الثقافية والسياسية والإقتصادية وغيرها. ويمكن القول أن أقدام هذه الأندية السينمائية الأولى لم تصبح مترسخة في تربة المغرب الثقافية إلا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث اقتصر تواجدها على بعض المدن الكبرى أو التي كان بها فرنسيون وأجانب بكثرة كطنجة والرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس ومكناس وخريبكة والقنيطرة وسيدي قاسم وغيرها. وحسب المعطيات المتوفرة يعتبر النادي السينمائي لمدينة خريبكة، الذي لازال يشتغل لحد الآن، من أقدم هذه الأندية حيث تأسس في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي من طرف بعض أطر المكتب الشريف للفوسفاط آنذاك.
ومعلوم أن مصطلح “النادي السينمائي” استعمل لأول مرة في مطلع سنة 1920 من طرف الناقد السينمائي الفرنسي لوي دولوك (LOUIS DELLUC) عندما أشار في بلاغ له إلى ظهور جريدة أسبوعية تحمل هذا العنوان (أنظر: موسوعة لاروس الفرنسية، باريس 1977، ص 435)، من أهدافها ربط علاقات بين السينمائيين والجمهور عبر تنظيم أنشطة مختلفة (محاضرات، عروض أفلام ومناقشتها، ورشات تكوينية… ) من أجل تطوير السينما الفرنسية. وفي يونيو 1920 انطلقت أول تظاهرة من تنظيم “النادي السينمائي” بإحدى القاعات السينمائية الفرنسية وكانت عبارة عن محاضرة.
الملاحظ أن أندية ما قبل استقلال المغرب كانت تهدف من خلال برامجها وأنشطتها المختلفة إلى إشباع بعض الحاجات الثقافية والفنية لدى الفرنسيين والأجانب المقيمين ببلادنا من جهة، ومن جهة أخرى كانت تسعى إلى تكريس التبعية للميتروبول الفرنسي وجلب الأقلية المغربية الشديدة التأثر بثقافة المستعمر وأسلوب عيشه. لقد كانت توجهات هذه الأندية السينمائية في معظمها توجهات استعمارية تخدم أغراض المستعمر عن طريق السينما وثقافتها ومنشوراتها محاولة تلميع صورة فرنسا من خلال ترويج بعض أفلامها وإضفاء طابع المشروعية على احتلالها لبلادنا وإظهارها بمظهر الدولة ذات الرسالة التحضيرية تجاه البلدان المقهورة.
بعد استقلال المغرب سياسيا بدأ بعض المغاربة المثقفين يكتسحون فضاءات هذه الأندية السينمائية المتواجدة ويساهمون في أنشطتها وإدارتها. ومن هنا انطلقت المنافسة بينهم وبين التابعين خصوصا للبعثة الثقافية الفرنسية، الشيء الذي أدى إلى تأسيس “الفيدرالية المغربية لنوادي السينما” في الموسم 1966 – 1967.
تمثل جديد هذه الفيدرالية في الإنفتاح على سينمات العالم الثالث وترسيخ الإهتمام بمنتوجات روادها البارزين، كما تمثل في إصدار أربعة أعداد بالفرنسية سنة 1970 من مجلتها “سينما 3” (CINEMA 3) تحت إدارة أستاذ الفلسفة نور الدين الصايل (1947- 2020). وتجدر الإشارة إلى أن “سينما 3” ليست أول مجلة سينمائية متخصصة شهد المغرب المستقل صدورها، بل سبقتها تجربة مجلة “الشاشة المغربية” (L’ECRAN MAROCAIN) التي كانت تصدرها “جمعية صورة وصوت” البيضاوية ابتداء من سنة 1964.
لم تعمر طويلا هذه الفيدرالية، أو الاتحاد المغربي لنوادي السينما، بسبب فشل المخطط الذي وضعته وزارة الشبيبة والرياضة آنذاك لاحتوائها وجعل الأندية السينمائية تحت وصايتها. وتمثل رد الفعل في تأسيس “جواسم” (أي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب) في أواخر سنة 1972.
مما يلاحظ في هذه الفترة من تاريخ حركة الأندية السينمائية بالمغرب أن نجم الأستاذ نور الدين الصايل بدأ في الصعود مع بداية السبعينات، إذ بعد انخراطه سنة 1969 في النادي السينمائي الرباطي سيصبح كاتبا عاما للفيدرالية المغربية لنوادي السينما وسيقترح فكرة إصدار مجلة “سينما 3” لتشكل منبرا لتبادل الآراء النقدية بين النخبة المثقفة المهتمة بالسينما وفكرها وأدبياتها. لكن الإكراهات المالية ستحد من هذا الطموح وستتوقف هذه المجلة بعد عددها الرابع الصادر في دجنبر 1970.
إن تصور “الجامعة الفرنسية للأندية السينمائية” (FFCC) هو تقريبا نفس التصور الذي كان سائدا داخل “الفيدرالية المغربية لنوادي السينما” (FMCC)، وبعد تفكك هذه المؤسسة الأخيرة في متم 1972 وبداية 1973 قام الأستاذ الصايل، رئيس نادي الرباط السينمائي آنذاك، رفقة ممثلي بعض الأندية السينمائية القوية، كنادي الشاشة بفاس ونادي الشاشة بمكناس ونادي الشاشة بتطوان وأندية مراكش وآسفي وغيرها، بتأسيس “جواسم”. ومن ممثلي الأندية التي حضرت لحظة التأسيس بالرباط، تشكل أول مكتب وطني للجامعة برئاسة الأستاذ نور الدين الصايل، الذي ظل على رأس هذه المؤسسة الثقافية الوطنية إلى أواخر سنة 1983 أي ما يقارب عقدا من الزمان.
ما بعد 1973 :
شكلت سنة 1973 منعطفا مهما في تاريخ حركة الأندية السينمائية بالمغرب، لأن فيها انطلقت الأنشطة الأولى للجامعة الوطنية “جواسم” التي غيرت المسار الذي كانت الأندية السينمائية تسير فيه في ظل منظور الجامعة الفرنسية. وفي سنة 1977 نظمت الأندية السينمائية أياما دراسية تحضيرية للجمع العام الإستشاري، الذي انعقد بالرباط في دجنبر 1979، تمحورت أشغالها حول الوضع العام ل “جواسم” على مستويات التنظيم والهيكلة والمالية والتوجه الثقافي. وتمخضت عن هذه الأيام الدراسية وثيقة المعمورة التي هي عبارة عن تقارير لأربعة لجان تشكلت لتدارس الوضعية المالية والثقافية للجامعة. وقد تضمنت هذه الوثيقة تقييما لتجربة السنوات الأولى من تاريخ وتجربة الجامعة (1973 – 1977) التي تميزت بغياب البعد الثقافي وسيادة استهلاك الأفلام وندرة الأطر القادرة على التنشيط بكفاءة… كما طرحت ضرورة الهيكلة التنظيمية والتوجه الثقافي والتنظيم المالي نظرا لتوسع قاعدة الأندية المنخرطة من جهة، ونظرا للوعي بضرورة تحديد العلاقات بين الأندية والمكتب الجامعي من جهة أخرى.
لقد تضمنت وثيقة المعمورة مجموعة من المقترحات لتفعيل عمل الجامعة وتجاوز سلبيات السنوات الخمس الأولى، الشيء الذي جعل مهمة الفعل الثقافي لدى مسيريها تتمحور أساسا حول المساهمة، إلى جانب الإطارات الثقافية الوطنية الأخرى، في مواجهة الثقافة السائدة وبلورة مشروع وعي سينمائي من خلال منظور متقدم للممارسة الثقافية. إن أهم الإيجابيات التي تم بلوغها مع بداية الثمانينات تمثلت في تبلور حد أدنى من التصورات سواء على مستوى التوجه الثقافي العام أو الهيكلة التنظيمية أو المستوى المالي. ولعل سيادة هذا الحد الأدنى للتصورات داخل الأندية السينمائية هو الذي طبع حركة الأندية السينمائية بطابع خاص وجعلها في صدارة المدافعين عن ثقافة ديموقراطية مفتوحة الآفاق ومتنوعة الممارسات ومناهضة للعنصرية والاستغلال والاحتكار واللامسؤولية.
لقد احتلت الأندية السينمائية مع مطلع الثمانينات مكانة الصدارة في طرح المشاكل التي تعاني منها السينما المغربية، قصد العمل على ظهور سينما وطنية متقدمة تكون في مستوى ما تطمح إليه الثقافة الديمقراطية بالمغرب.
إن الفعل الثقافي للأندية السينمائية فعل ذو أهداف متنوعة ومتعددة يحاول الجمع بين الخاص والعام. وهذا ما عبرت عنه التوصيات التي اختتم بها المكتب الجامعي تقريره الأدبي سنة 1983، وهي كما يلي:
1، الاستمرار في نسج علاقات جيدة مع الجهات التي تتوفر على أفلام قصد تنويع البرامج الدورية للجامعة.
2، تنظيم لقاءات وأسابيع دراسية حول السينما المغربية.
3، جعل مهرجان الفيلم الفلسطيني تقليدا مستمرا.
4، العمل على استمرارية ملتقى السينما الإفريقية الذي انعقدت بخريبكة دورته التأسيسية سنة 1977 ودورته الثانية سنة 1983.
العصر الذهبي وما بعده:
ويمكن اعتبار الفترة الممتدة من 1978 إلى 1984 بمثابة العصر الذهبي للجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، لأن فيها تجاوز عدد الأندية رقم 70 وفاق عدد المنخرطين خمسين ألفا (50.000)، فنادي الشاشة بمكناس على سبيل المثال بلغ عدد منخرطيه 14.000 شخصا. أما على المستوى الكيفي فقد تطورت علاقة المنخرط في النادي بالفيلم السينمائي وبدأ الحس النقدي يتربى لدى المنخرطين، الشيء الذي أدى إلى الرفع من مستوى الوعي السينمائي والتذوق الفني نتيجة لبرمجة أفلام ذات قيمة فنية وفكرية عالية تندرج ضمن التصنيفات التالية:
أ، أفلام من روائع السينما العالمية (بعض أفلام سيرغي إزنشتاين نموذجا) .
ب، أفلام السينما الطلائعية التي يحاول مخرجوها إبداع أساليب جديدة في التعبير السينمائي (أفلام غودار و فاندرز وغيرهما كنماذج) .
ج، أفلام السينمات الوطنية (نماذج من أروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وبعض الدول العربية والإفريقية وغيرها).
بعد سنة 1984 سينتهي عصر “جواسم” الذهبي، وستدخل هذه الجمعية الوطنية تدريجيا مرحلة تراجع وفتور لأسباب موضوعية وذاتية لعل أهمها:
1، تراجع العمل الجمعوي عموما بعد إصدار وزارة الشبيبة والرياضة للمذكرتين 162 و 163 سنة 1984.
2، النفور من العمل التطوعي.
3، تقادم أشرطة الجامعة بفعل تكرار عرضها.
4، ضعف المنح العمومية أو انعدامها.
5، ارتفاع تكلفة العرض السينمائي الأسبوعي وتراجع عدد المنخرطين.
6، الانفجار الإعلامي والتحولات التي شهدها الفضاء السمعي البصري، وانعكاسها على كل ما هو ثقافي وجمعوي وفرجوي عموما، بما في ذلك الإقبال على القاعات السينمائية.
7، انسلاخ مجموعة من الأطر الفاعلة، التي ترعرعت داخل الأندية السينمائية وجامعتها واكتسبت خبرات ومهارات في التنظيم والتنشيط والبرمجة وأصبح لها حضور ثقافي وإبداعي ملحوظ، وتنكرها لإطارها الجمعوي.
8، تأسيس ثلة من أطر الجامعة القدامى لإطارات سينمائية بديلة موازية (جمعيات ومهرجانات…)، الشيء الذي اعتبره البعض بمثابة ضربة من الخلف للجامعة.
ويمكن إجمالا اعتبار إصدار مجلة “دراسات سينمائية”، من عددها الأول سنة 1985 إلى عددها الأخير (العدد 13) سنة 1991، وتنظيم ثلاث دورات لملتقى السينما الإفريقية بخريبكة، الثالثة سنة 1988 والرابعة سنة 1990 والخامسة سنة 1992، أهم ما حققته جامعة الأندية السينمائية في عقدها الثاني، من 1983 إلى 1992، إبان رئاسة الأستاذ المختار آيت عمر.
من أجل انطلاقة جديدة لـ”جواسم”:
رفع في الجمع العام الإستثنائي، المنظم بتطوان في شتنبر 1992، شعار “من أجل انطلاقة جديدة للجامعة”، وتعاقب على رئاسة “جواسم” منذ تلك اللحظة خمسة رؤساء هم تباعا الأساتذة: عبد السلام بوخزار (1992 – 1994) ورشيد عبد الكبير (1994 – 1996) والراحل محمد اعريوس (1996 – 2001) وحفيظ العيساوي (2001 – 2012) وعبد الخالق بلعربي (2012 – 2023). فماذا تحقق من هذه الإنطلاقة الجديدة خلال ثلاثة عقود من الزمان؟
بعد جمود وتراجع دام بضع سنوات استطاع الأستاذ عبد السلام بوخراز أن يعيد عجلة الجامعة إلى الدوران من جديد، ولعل أهم ما تميزت به فترة رئاسته ل “جواسم” هو إحداث “الجامعة السينمائية الصيفية”، التي نظمت دورتها الأولى سنة 1993 بتازة وشهدت برنامجا مكثفا من الورشات التكوينية والعروض السينمائية واللقاءات الثقافية توجت بتكريم مستحق للسينمائي الراحل محمد مزيان (1945 – 2005)، كما تميزت هذه الفترة أيضا بتمثيله لجامعة الأندية السينمائية بلجنة صندوق دعم الإنتاج السينمائي الوطني في موسم 1992 – 1993، ومساهمته في الإعداد للإحتفال بمائوية السينما (1895 – 1995) مع البعثة العلمية الجامعية الفرنسية بالرباط.
ومن جهته ساهم رشيد عبد الكبير بشكل فعال، إلى جانب العديد من المناضلين داخل حركة الأندية السينمائية، في إعطاء نفس وانطلاقة جديدين للجامعة الوطنية للأندية السينمائية وفي تعديل وصياغة وتقعيد القوانين خدمة للديموقراطية الداخلية وفي صياغة التوجه الثقافي للإطار بالجمع العام الاستثنائي بتطوان (شتنبر 1992) حيث انتخب أمينا للمال (1992 – 1994)، ثم رئيسا لجواسم (1994 – 1996) ، إلا أنه قدم استقالته لأسباب شخصية قبل انصرام المدة القانونية. ورغم قصر المدة التي قضاها بالمكتب الجامعي، فقد قدم خدمات جليلة وعرف بصرامته ونزاهته والتزامه وبتضحياته العديدة، وكان من بين المساهمين في الدورة التأسيسية للجامعة الصيفية السينمائية بتازة سنة 1993 وفي الدورة الثانية للجامعة الصيفية للسينما والسمعي البصري سنة 1995 بالرباط ، حيث ساهم في ضمان استمرارية النشرة الداخلية “جواسم” وفي ظهورها بحلة جديدة .. (يتبع).