عبد الرؤوف

وداعا عبد الرؤوف.. الكوميديون المغاربة يودعون عميدهم

سأواصل الفكاهة حتى الموت..وسأستمر ضاحكا حتى في قبري…

بيت الفن

بعد رحلة مريرة مع المرض، توفي في الساعات الأولى من صباح اليوم الإثنين ثاني يناير 2023، الفنان الكوميدي المغربي عبد الرحيم التونسي الشهير بلقب عبد الرؤوف عن عمر ناهز الـ86 عاما في منزله بمدينة الدار البيضاء.

وقال نجل الفنان المغربي عبدالرحيم التونسي إن مراسم الدفن ستكون في الدار البيضاء، دون أن يحدد موعدا.

وكان الراحل عبد الرؤوف قد رقد لعدة أيام في قسم مرضى القلب في مستشفى الشيخ زايد بمدينة الدار البيضاء في أكتوبر الماضي، بسبب معاناته من ضيق في التنفس.

وإذا كان الرجل وشخصيته قد اختفيا عن الشاشات والمسارح، فإن شخصية عبد الرؤوف ستبقى دائمة الحضور، فيما يأخذ عبد الرحيم التونسي لقب “شارلو المغرب”، الذي يذكره جمهوره، في كل مناسبة، بوصفه أحد أعظم الفكاهيين الذين عرفهم المغرب في الزمن المعاصر، وصفه جمال الدبوز بعميد كل الفكاهيين المعاصرين، واعتبره حسن الفد أكثر من مجرد فكاهي، بل هو من أطلق الفكاهة الفردية في شكلها الحديث.

وقال عنه جاد المالح” عبد الرؤوف صديق وأخ، بل هو معلمي ، ومعلم كل الفكاهيين ورمز الكثير من الهزليين، عندما كنت صغيرا كنت أشاهد أشرطته مرارا وتكرارا، وكنت أيضا استمع له كثيرا، كنت أستمتع بعروضه، وعندما اسمعه اليوم ، أجد أنه يحتل فعلا صفحة مهمة من حياتي بالمغرب”.

لهذا حظي، في 2011، بتكريم، من قبل “مؤسسة ليالي الفكاهة العربية”، بأونفيرس البلجيكية، التي اعتبرته “أفضل فكاهي مغربي في القرن العشرين”.

كما حظي سنة 2016 بالتكريم من طرف مهرجان مراكش الدولي للفيلم في دورته 16، اعترافا بعطائه الكبير في مجال الكوميديا، بإعتباره رمزا من رموز الفكاهة والفرجة في المغرب.

شخصية كوميدية استثنائية

قالت الفنانة الكوميدية حنان الفاضلي، التي قدمت لعبد الرحيم التونسي نجمة مراكش، إن تكريم هذا الفنان المتفرد هو “تكريم للفكاهة المغربية وللفكاهيين المغاربة”، مشيرة إلى أنه يبقى “من الصعب الحديث عن مسار فني طويل لشخصية فنية استثنائية أحبها الجمهور المغربي على مدى عقود”.

وأشارت الفاضلي إلى أن التونسي “أمتع الجمهور المغربي بفكاهة حلوة من دون ميوعة، وامتهن التمثيل الشعبي بتلقائية مباشرة، علمتنا أن نضحك على كل شيء، حتى لا نبكي على كل شيء”، حيث “كان الناطق الرسمي الساخر باسم الفقراء والمظلومين والبسطاء، وكان ينقل، عبر شخصية عبد الرؤوف، ما لم يكن يستطيع المواطن البسيط التعبير عنه، في ذلك الوقت”، مشيرة إلى أنه “تفادى النمطية بشخصية واحدة، كما أن مواضيعه كانت جريئة وعميقة، لعب فيها على الجميع دور الساذج والمهرج، الذي لا يفهم شيئا، غير أنه كان يمرر، في الواقع، رسائل ومواقف تفضح آفات عديدة تنخر المجتمع المغربي، كالرشوة والاستغلال والاحتيال والزبونية، وغيرها”.

توسلت الفاضلي مؤهلاتها الجيدة في الفكاهة، فقالت إن “المغربي، على مدى عقود، كان حين يرى الشوارع وأحياء المدن والقرى المغربية فارغة من سكانها كان يخمن أن هناك حدثا من اثنين، إما أن المنتخب الوطني يجري مباراة في كرة القدم، أو أن هناك مسرحية معروضة لعبد الرحيم التونسي في التلفزيون المغربي، سوى أنه مع المنتخب تتوتر الأعصاب ويكون المغاربة إما مع خسارة أو ربح أو تعادل، فيما يبقى الربح مضمونا مع “عبد الرؤوف” لأن الفرجة تكون مضمونة والربح مضمونا”.

وختمت الفاضلي كلامها، مخاطبة عبد الرحيم التونسي، قائلة: “أنت محبوب ومتواضع، بشوش وبسيط، أنت مثل عمالقة الفكاهة في العالم تتمتع بكثير من خجل الكبار، غير أنه يبقى من المخجل حقا أن السينما المغربية لم تعطك حقك، هذه السينما، التي نتساءل لماذا تغيب عنها وفيها الفكاهة. لقد أعطتك السينما المغربية أدوارا بسيطة، لكن الجمهور المغربي أعطاك حبه وتقديره”.

من السجن إلى المسرح

ولد عبد الرحيم التونسي سنة 1936 بالدار البيضاء، أكبر مدن المغرب وعاصمته الاقتصادية. ويتذكر التونسي طفولته، قائلا “في أحد الأيام، سمعت المعلمة في المدرسة تتحدث عن المغاربة وتصفهم بالمتخلفين والجهلة، عندما عدت إلى المنزل أقسمت ألا تطأ قدماي تلك المدرسة بعد ذلك اليوم”.

ثم اكتشف الصبي اليتيم عشقه للمسرح وهو في سجن الدار البيضاء، الذي دخله بعد أن اعتقلته سلطات الاحتلال الفرنسي عندما التحق بصفوف الحركة الوطنية. وفي معتقله، قرر أن يجعل من هذا الفن مهنته.

يتذكر التونسي هذه المرحلة من شبابه المبكر فيقول: “في مقهى الحي كان الشباب يجتمعون ليحكوا لبعضهم آخر النكت. كنا نضحك كثيرا، كانت أياما رائعة فعلا، بحيث لم يكن بيننا نفاق ولا عداء، بل كانت تجمعنا صداقة صادقة ونزيهة. كنا نحترم بعضنا، بقدر ما نحترم الآخرين”.

يستعيد التونسي حكاية شخصية عبد الرؤوف، واللباس الفضفاض والطربوش الأحمر، فيقول: “في أحد الأيام، ارتديت لباسا فضفاضا كنت احتفظت به، يخص زميلا سابقا لي في المدرسة، ثم وقفت أمام المرآة أقلده. ثم، جاءتني فكرة تقمص هذه الشخصية التي كانت تبدو ساذجة في المظهر، لكنها كانت تخفي وراءها الكثير من الذكاء، وهي الشخصية التي أعطيتها اسم عبد الرؤوف وصوتا وطريقة كلام يناسبانها. وقد أحببت ذلك كثيرا، فكنت أغير صوتي وأقوم بحركات بلهاء وأرتدي الطربوش الأحمر الشهير فوق الرأس”.

نجحت فكرة هذه الشخصية المضحكة والساذجة في ملامسة قلوب المغاربة وشد انتباههم إلى المواقف الهزلية التي التصقت بشخصية عبد الرؤوف. يقول عبد الرحيم التونسي: “بدأت العروض تتوالى تباعا، فصارت هذه العروض تجلب جمهورا تكتظ به قاعات المسارح، وكانت هذه العروض تقام بشبابيك مغلقة، كما بدأت أشرطة الكاسيط تباع بالآلاف، وأصبح نجاح شخصية عبد الرؤوف يتجاوز حدود المملكة، ليصل إلى مختلف الجاليات المغاربية التي تعيش في الخارج”.

عمل عبد الرحيم التونسي في شركة (صوماكا) لتركيب السيارات، قبل أن يكرس حياته للمسرح، حيث أسس، في 1975، فرقته المسرحية، التي جالت مختلف مناطق البلاد، في لحظات مجد فني ومهني، ستظل خالدة في ذاكرة المغاربة، حيث تنقل، بمسرحياته، بين المدن والقرى والبوادي، وقدم عروضه في قاعات الأحياء والمسارح الكبرى، داخل المغرب وخارجه، من أجل إسعاد المغاربة المقيمين في الخارج، الذين كانوا يتطلعون لحضوره بكل شوق.

غيرت مسرحيات عبد الرؤوف من نمط عيش سكان مدن كان يعرض فيها، يقول: “لقد أدخلنا الحياة والبهجة إلى المدينة. فبعد نهاية كل عرض، كان الناس يبقون في شوارع المدينة إلى ساعة متأخرة من الليل، كما أن المقاهي كانت تبقى مفتوحة”.

الفكاهة حتى الموت

أحس التونسي بغبن شديد بعد أن “غاب” أو “غيب” عن جمهوره، حتى صار لا يظهر إلا في أعمال تلفزيونية أو سينمائية معدودة. غير أن التوشيح الملكي له منحه قوة وخفف معاناة واقع الممارسة الفنية، يقول: “عندما قال لي جلالة الملك بنفسه، خلال توشيحي بوسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط، إنه يقدر ما كنت أقوم به، فإن ذلك منحني شحنة جديدة، وشعرت أني قادر على العودة من جديد كما كنت في أيام الزمن الجميل”.

ثم زاد: “إن التعاطف الذي يكنه لي، غالبية المغاربة يغمرني سعادة، لا سيما عندما اعتقدوا، قبل أشهر، أني مت، فبدأ كثيرون يدعون لي ولروح صديقي وشخصيتي الثانية عبد الرؤوف بالرحمة. لذلك، سأواصل الفكاهة حتى الموت..سأستمر (ضاحكا) حتى في قبري”.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

جاد المالح يواجه فيروس كورونا بمنزله وحيدا

كشفت المجلة الفرنسية "بوبليك"، في عددها الصادر يوم الخميس 7 ماي 2020، عن إصابة...