عبد الله الستوكي

الصحافة الوطنية تفقد أحد أعمدتها عبد الله الستوكي

أشرف قيدوم الصحافيين المغاربة على إدارة مجموعة من الجرائد الوطنية

وساهم في تكوين عدد كبير من الصحافيين المغاربة

بيت الفن

ودعت  الصحافية الوطنية صباح اليوم الثلاثاء 12 يوليوز 2022، بالرباط عبد الله الستوكي، أحد الوجوه البارزة في المشهد الإعلامي الوطني، الذي توفي بعد صراع طويل مع المرض.

والراحل من مواليد 1946 بمراكش. تلقى مبادئ مهنة الصحافة منذ صغره، من خلال العمل الميداني، وبعيدا عن أسوار المعاهد والجامعات.

وعرف عنه إلمامه الواسع بالعديد من الملفات الوطنية التي كان بارعا في تفكيكها بواسطة طريقة كتابته التي كانت تتميز بالصرامة، والوضوح، والإنصاف. وساهم الراحل، الذي كان قد تولى رئاسة الجمعية العامة لاتحاد الصحافة الفرونكفونية خلال سنوات الثمانينات، في انبثاق عدد من العناوين المغربية. وكانت خطواته الأولى في الصحافة الحزبية، وبالتحديد، الحزب الشيوعي المغربي، ثم مجلة “لاماليف” و”أنفاس”.

وبعد مرور بوكالة المغرب العربي للأنباء، حيث تولى مجموعة من الوظائف، أشرف قيدوم الصحافيين المغاربة على إدارة مجموعة من الجرائد الوطنية، حيث ساهم في تكوين عدد كبير من الصحافيين المغاربة.

وقد أسس الراحل سنة 1978، يوميتي “المغرب” باللغة الفرنسية، و”الميثاق الوطني” باللغة العربية، اللتين تم إطلاقهما بتزامن مع تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار.

وعرف الراحل وسط زملائه كمثقف حر، مستقل، وذي مصداقية، وكرجل مواقف، ومثقف من مستوى عال يتمتع بصفات رفيعة ومتحضرة تفرض الاحترام والتقدير.

فالترفع، والشرف، والكفاءة، والمهنية، والصرامة والمثابرة سمات طبعت شخصية الراحل الذي عمل جاهدا، خلال نصف قرن من مساره المهني، من أجل تطوير الصحافة المكتوبة بالمغرب وتحسين الوضعية المادية للصحافيين.

وحسب شهادة للصحافي والكاتب عبد الرحيم التوراني، فإن عبد الله الستوكي ليس صحفيا عاديا، بل هو كاتب متميز، يتقن بمهارة لغة أندري مالرو وجان بول سارتر، له باع طويل في الكتابة والنقد والتنظير الأدبي والفني، نذكر هنا كتاباته المرجعية حول المسرح المغربي، وحول الفن التشكيلي المغربي، التي نشرها عبد اللطيف اللعبي في مجلة “أنفاس” باللغة الفرنسية، في السبعينيات من القرن الماضي، ورغم انصرام العقود لا تزال تحتفظ تلك الكتابات براهنيتها، تأبى أن تتحول فقط إلى أرشيف ذو بعد توثيقي تأريخي.

وقد ذكره بالاسم المفكر عبد الله العروي في كتابه “خواطر الصباح (يوميات 1967-1973)، منشورات “المركز الثقافي العربي”، حينما استعاد صاحب “الإيديولوجيا العربية المعاصرة” مقال عبد الله الستوكي النقدي حول روايته الأولى “الغربة” (دار النشر المغربية)، وهو مقال صدر في جريدة “مغرب أنفورماسيون”، لما كانت ترأس تحريرها السيدة جاكلين لغلام، التي ستستعير لاحقا اسم “زكية داوود” وتؤسس مجلة “لاماليف”، وكان الستوكي من أبرز كتاب هذا المنبر التقدمي.

برز عبد الله الستوكي بمقالاته المتميزة في صحافة الحزب الشيوعي ولفت إليه الأنظار، فأرسله زعيم الحزب علي يعته إلى موسكو، حيث تابع تكوينا في “بارتينا شكولا”، مدرسة الحزب الشيوعي السوفياتي.

كان أمل يعتة والقيادة هي أن يعود الستوكي ومعه رفاق آخرين، وقد اكتسبوا تكوينا ودروسا عالية في الإديولوجية الشيوعية، واللياقة الحزبية والانضباط، لمساعدة الحزب في تأطير الأعضاء، لكن ما سيعيشه الستوكي هناك فتح عينيه على أمور وأشياء جاءت نتائجها بعكس ما ابتُعِث الشاب من أجله، وكانت الفترة عرفت احتدام النقاش والسجال “غير المفيد”، كما سيصفه، داخل الحزب الشيوعي السوفييتي، وكأنه رأى عن بعد مآل الاتحاد السوفييتي، وهو يحتضر ويتجه صوب الانطفاء والأفول، أو كأنه رأى جدار برلين، ولم تمر على بنائه سوى سنوات قليلة، وهو ينهار تحت معاول الشباب الألماني من الضفتين الشرقية والغربية.

هكذا عاد الستوكي من موسكو مستفيدا من قراءاته للأدب الروسي، ومن وقوفه على تطور الفنون الروسية، وفي مقدمتها الفن التشكيلي الذي يعشقه بشغف. وبمجرد عودته إلى المغرب حسم الأمر وقطع التردد، وقام بمراجعة فكرية تاركا الانتساب إلى حزب علي يعته، مهتما أكثر بممارسة الصحافة، وصارت هي حزبه وكل دنياه. ويعتبر الستوكي أن قضية اغتيال الزعيم اليساري المهدي بن بركة في نهاية أكتوبر 1965، شكلت أول تجربة صحافية حقيقية له، فتولى سكرتارية وكالة المغرب العربي ولم تكن في ملكية الدولة، بل كانت منشأة إعلامية خاصة للصحفي الكبير الراحل المهدي بنونة، ومع صاحب “السنوات الحرجة” سيشتغل الستوكي في إطلاق صحيفة يومية بالفرنسية تحت اسم “لادبيش”، التي كان من أسباب نزولها منافسة صحافة “ماص” وريثة الاستعمار. ومن بين محرريها نذكر المرحومين فؤاد النجار وعبد الحي أبو الخطيب، وعبد الحفيظ الرويسي.

كما اشتغل عبد الله الستوكي مسؤولا ساميا بوزارة الإعلام في عهد الوزير محمد الطيبي بنهيمة، وقاد وفود الصحفيين الأجانب الذين كانوا يحلون بالمغرب إبان المسيرة الخضراء، وأشرف على إنجاز مجلد حول المسيرة يحتوي صورا ونصوصا تخلد الحدث، قام هو شخصيا بتقديمه إلى العاهل الحسن الثاني.

بعد تأسيس حزب التجمع الوطني للأحرار التحق عبد الله بجريدة “الميثاق الوطني”، يومية الحزب الذي رأسه صهر الملك السيد أحمد عصمان، فعمل مستشارا في البداية ثم مديرا للنشر، وتحت رعايته صدر اللسان الفرنسي لحزب الأحرار: يومية “المغرب”.

استطاع السي عبد الله أن يغير وضع الصحافة في المغرب بحنكته وتسييره المتميز، وبتكريمه للصحافيين من خلال رفع رواتبهم وتحسين أوضاعهم المادية، وإعادة الاعتبار لمهنتهم، وهو ما لم يكونوا يحلمون به في الصحافة الحزبية، في جرائد “الاستقلال” و”الاتحاد”. كما أشرف على إصدار ملاحق وملفات ممهورة بالمهنية وبالجودة. وعلى يديه تكون وبرز صحفيون بالعربية والفرنسية، أصبح أكثرهم من أبرز أسماء الساحة الإعلامية المغربية. كما تولى الستوكي تأسيس صحافة الاتحاد الدستوري الذي نشأ تحت رئاسة وزير العدل والوزير الأول المعطي بوعبيد، وشكل “مجموعة الليمون”، وتصدر يومية “رسالة الأمة” ومجلة “الأسبوع المغربي” وكان يشرف عليها الصحفي الكبير المرحوم عبد القادر شبيه، وأسبوعية فرنسية “لوميساج دولاناسيون” وأشرفت عليها المرحومة ناديا برادلي، التي قضت سنوات في سجون إسرئيل بعد أسرها فدائية في صفوف الفلسطينيين، إثر تجنيدها في باريس من طرف الجزائري الشهيد محمد بوضيا (الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين). والمجلة الشهرية “لوميساج إيكونوميك”. ومن ضمن الأسماء التي لازمت الستوكي في تجربته مع أحمد عصمان والمعطي بوعبيد، أذكر محمد الأشهب (ندعو له بالشفاء)، والمرحوم محمد أحمد باهي (الذي عاش عشر سنوات أسيرا لدى جبهة البوليساريو الانفصالية)، ومولاي عبد السلام البوسرغيني، والمرحوم مصطفى اليزناسني وأحمد الهناوي، والأخيران معا كانا من الرفاق السابقين في الحزب الشيوعي المغربي، وحسن العلوي، ومحمد علي الهواري، وكثير العربي الزياني وفريدة موحا، ونجيب الرفايف، وبهية العمراني، والمرحوم عمر الأنواري…

عبد الله الستوكي المثقف الموسوعي والرجل اللبيب. صنع نفسه بنفسه. وصل إلى رئاسة الاتحاد الدولي للصحافة الفرنكوفونية، واستطاع أن يضمن له حضورا قويا في عدد من المحطات والأحداث التي عاشتها بلادنا، وأن يبرز بحضوره ونباهته وثقافته العالية، وأن يقترب من الدوائر العليا، حيث تم استقباله مرات من طرف ملك البلاد الحسن الثاني، وكانت شقيقة الملك الأميرة المرحومة للا عائشة من أصدقاء الستوكي وصديقة لزوجته السابقة بديعة التازي.

لكن عبد الله الستوكي لم يسع أبدا للحصول على مناصب أوالاستفادة من ريع، بل ظل الزهد الشيوعي متلبسا به. قد يكون ضيفا على عشاء في قصر أو في بيوتات كبار القوم، وفي الغد لا يجد غضاضة في تناول وجبة رخيصة بمطاعم “السماط” الشعبية في الدار البيضاء، أو مطاعم “النقابة” بباب الأحد في الرباط. يجتمع مع رجال أعمال وأغنياء نهارا، وفي المساء تجده مع العامة في حانة شعبية. لم تغره الأموال والمظاهر مطلقا، لذلك وجد نفسه بعد التقدم في العمر فقيرا مريضا وحيدا، يكتري شقة يعجز عن الالتزام بأداء واجب كرائها بانتظام، وقد تدهورت حالته الصحية بسب المرض الذي ألزمه الفراش.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

مهرجان الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني

العيون تستعد لاحتضان مهرجانها الـ6 للفيلم الوثائقي الصحراوي

للمشاركة في هذه التظاهرة، يرجى الاطلاع على نظام المهرجان وملء استمارة التسجيل، المتوفرين على الموقع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *