حمادي كيروم *
يقول جان لوك غودار إن السينما قارة إضافية على وجه والأرض وقد أثبت ذلك المخرج رشيد مشهراوي عندما أضاف بأن السينما أرض لا يمكن احتلالها. وعلى ضوء هذا فإن الدخول لقارة السينما والمشاركة في بناء هذا الصرح الغني الإنساني لا يتحقق إلا عن طريق الإبداع الجدي والمتميز.
وبناء عليه فإن مستقبل السينما السعودية الشابة مرتبط بالعمل الجدي والطموح، للحصول على مساحة محترمة من هذه الأرض السحرية الخيالية والتخيلية والواقعية في الوقت نفسه، ووحدهم السينمائيون قادرون على القبض على الزمن الدافق من منابع الحياة اليومية، يستطيعون الوصول إلى هذا الكوكب المضيء بالصور والحكايات.
إن المتتبع النبيه للإنتاج السينمائي السعودي سيلحظ أن هناك حركة ديناميكية غير عادية، تسري من خال الإنتاجات الفيلمية التي تجاوزت الاستهلاك المحلي، واستطاعت أن تفرض نفسها عبر المهرجانات العربية والدولية مثل القاهرة، قرطاج، الرباط، كان، برلين، فينيسيا.
ومن أهم الأفلام المؤثرة فيلم «وجدة» لهيفاء المنصور، وفيلم «بركة يقابل بركة» لمحمود صباغ وفيلم «المسافة صفر» لعبدالعزيز الشاحي، وقد استطاعت هذه الأفلام، التي تجاوزت الحدود القطرية والعربية أن تجعلنا نحس بأن الجيل الجديد يرسم ملامح المشهد السينمائي السعودي، الذي بدأ يتميز خلال السنوات الأخيرة، وما يميز هذا الجيل مكنه من إغناء رصيده بما يمتلكه من ثقافة عالمية، تمكنه من إغناء رصيده التخيلي والمعرفي، كما هو متمكن من اللغة السينمائية في كل جوانبها التقني والفني والجمالي.
وقد تعرفت على التجربة السينمائية السعودية من خلال إدارتي لمهرجان الرباط الدولي لسينما المؤلف، التي قدمت من خلالها مجموعة من الأفلام القصيرة والطويلة ونالت إعجاب الجمهور، كما أنها عر فتني على الوجه الحقيقي للمواطن السعودي بهمومه وطموحاته.
وقد استطاع فيلم «سيدة البحر» للمخرجة المتميزة شهد أمين أن يحصد جائزة نادي فيرونا السينمائي للفيلم الأكثر إبداعا في مهرجان البندقية 2019.
كما فتحت لي مشاركاتي في مهرجان أفلام السعودية، الذي يديره الشاعر أحمد الملا الباب واسعا للاطلاع على ما في هذه الأرض المباركة من إمكانات إبداعية، في طريقها إلى التحقق، ولقد مكننا المهرجان من تأطير ورش الكتابة لمجموعة من الشباب والشابات الذين أثبتوا خلال مصاحبتهم في تطوير السيناريو، أنهم طاقة بحاجة إلى الاستثمار السينمائي، الذي سيضمن المستقبل الحقيقي لسينما نوعية تحقق التسلية الراقية والمتعة والإفادة الجمالية، وقد شدني وأذهلت كثيرا بهذا التعاون المبهر بين المخرج الشاب مجتبى سعيد والكاتب علي سعيد في فيلمين فيهما الكفاية لجعل الإنتاج السعودي في مصاف السينما العالمية وهما فيلما «البوصلة» و«زوال«.
لقد استطاع فيلم «زوال» أن يؤسس لما يمكن أن تكون عليه السينما السعودية الشابة لتجاوز مشاكل التمويل والإنتاج. لقد ركز مجتبى في فيلمه هذا على اللغة السينمائية الشعرية، وكثف اللقطة لتحمل كل العواطف والمعاني الإنسانية الكونية بدون ثرثرة أو تكرار. فحكى بذلك قصة كل الأطفال المحرومين من الحنان.
تلك النجمة السابحة في السماء تحيل على قدرة السينما وعلى أفلام المخرجين السعوديين الشباب أن هؤلاء الشباب نساء ً ورجالا يستطيعون أن يجعلوا من مهرجان البحر الأحمر السفينة الحلمية والحقيقية للإبحار نحو قارة السينما.
* افتتاحية تضمنتها نشرة مهرجان البحر الأحمر السينمائي