كلما شاهدت “حلاق درب الفقراء” تذكرت صديقي الركاب وابتسامته
على هامش عرض فيلم “حلاق درب الفقراء”، إخراج وتصوير ومونطاج الراحل محمد ركاب (1938- 1990)، في إطار الدفعة الثالثة من أفلام الحجر الصحي من 11 يونيو إلى 10 يوليوز 2020، بمبادرة من المركز السينمائي المغربي على منصته الإلكترونية، نقترح عليكم هذا الحوار المركز مع الممثل البيضاوي حميد نجاح، الذي شخص أحد الأدوار الرئيسية في الفيلم.
يدور موضوع هذا الحوار حول دور حمان، الذي شخصه في الفيلم حميد نجاح وعلاقة هذا الأخير بمخرج الفيلم وأشياء أخرى. فيما يلي نص الحوار:
أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي
أستاذ حميد، أعتقد أن تشخيصك لدور حمان (راجل الزوهرة) في فيلم “حلاق درب الفقراء” (1982) للراحل محمد الركاب كان من أهم وأقوى أدوارك في بداية مشوارك السينمائي؟
بالفعل، بعد تجربة مسرحية غنية نسبيا وقفت أمام كاميرا السينما، لأول مرة، في السبعينات من القرن الماضي، حيث شاركت بدورين صغيرين في فيلمين روائيين طويلين الأول لمصطفى الدرقاوي بعنوان “أحداث بلا دلالة” (1974) والثاني تجربة جماعية بعنوان “رماد الزريبة” (1976)، كتب سيناريوه محمد ركاب وساهم في إخراجه إلى جانبه ثلة من السينمائيين الآخرين. إلا أن دوري في “حلاق درب الفقراء” كانت مساحته أطول وكان ذا طبيعة تركيبية إلى حد ما.
إلى جانب الممثل القدير الراحل محمد الحبشي، في دور ميلود حلاق درب الفقراء، وممثلين آخرين، كصلاح الدين بنموسى ونور الدين بكر ومحمد التاجر (في دور جلول) ومصطفى محي الدين (في دور حميدة) وخديجة خمولي والراحلون عمر شنبوط ومصطفى سلمات وحسين حوري وآخرين، كنت مقنعا في أدائك لدور حمان.. حدثنا عن هذا الدور، وكيف كانت إدارة المخرج لك ولباقي الممثلين؟
“حلاق درب الفقراء” كانت في الأصل مسرحية من تأليف يوسف فاضل، عرضناها بنجاح في المسرح البلدي بالدار البيضاء أيام مديره الرائد المسرحي الراحل الطيب الصديقي، شاهدها الراحل الركاب وأعجب بها وصور فوتوغرافيا بالأبيض والأسود بعض مشاهدها.. الصور التي التقطتها كاميرا الركاب، وهو مصور كبير، كانت جميلة جدا أثارت إعجابي.. بعد ذلك اقترح على مؤلف المسرحية تحويلها إلى سيناريو مع إدخال بعض التعديلات على النص الأصلي، الذي شخصت فيه دور الحلاق ميلود، أما دور حمان زوج الزوهرة في المسرحية فكان دورا صغيرا، وتم تحويله إلى دور أكبر في سيناريو الفيلم.
أسند دور الحلاق في الفيلم إلى الممثل الكبير محمد الحبشي، الذي تألق سابقا في فيلم “السراب” (1979) للراحل أحمد البوعناني، وشخصت أنا دور حمان الذي قتل زوجته الزوهرة ليرتاح ويتحرر من كلام الجيران وسكان الحي الذين يتهمونها بالفساد ويتهكمون عليه في المقهى..
لا نشاهد الزوهرة في الفيلم وإنما نسمع كلاما مفاده بأن الجيران بصدد كتابة عريضة لإجلائها من الدرب..
ألسنة الناس اللاذعة هي التي ضغطت على حمان وأدت به إلى نحر زوجته.. وذلك ليتمكن من رفع رأسه أمام الناس، كما أسر بذلك لميلود..
المخرج محمد الركاب سبق له أن درس علم النفس وكان يفسر لي جيدا أبعاد شخصية حمان وعمقها النفسي والإجتماعي..
لقد كان تعامله مع الممثلين تعاملا إنسانيا ولبقا.. يفسر لكل ممثل ببساطة ما هو مطلوب منه ويستمع إلى اقتراحاته قبل انطلاق التصوير، الذي شارك فيه هو، كمدير تصوير، بمساعدة الكاميرامان الراحل مصطفى ستيتو والفرنسية أوليفيا كابلان.
في مرحلة المونطاج، كنت رفقة يوسف فاضل، إلى جانب المخرج. ما الذي استفدته في قربك منه وهو يركب لقطات ومشاهد الفيلم؟
تعلمت الشيء الكثير عندما عاشرت الركاب، وهو يوضب الفيلم في عين الشق، كان يشرح لنا كل لقطة ومتى وكيف يتم القطع والإلصاق.. وشيئا فشيئا بدأت أكتشف عوالم المونطاج، وأصبحنا فيما بعد أنا ويوسف فاضل مساعدين له في تركيب الصور والأصوات والمزج بينها. كنا نشتغل من منتصف الليل إلى الصباح دون كلل أو ملل.. وكان الركاب رحمه الله بشوشا وجميلا في تعامله وقنوعا في أكله، حيث لا يتجاوز في غالب الأحيان نصف لتر من اللبن و(كرموستين) أو ما شابه ذلك.
لقد فهمت مضمون الفيلم أكثر أثناء المونطاج ومن خلال شروحات الركاب المختلفة، فهو فنان ومثقف وأستاذ كبير فقدته ساحتنا السينمائية مبكرا، لكن عزاءنا في فيلمه هذا الذي سيجعلنا نتذكره كلما شاهدناه.. اشتغلنا في الفيلم بعد تصويره لمدة سنة إلى أن وضع الركاب بنفسه ملصقه الذي صممه بنفسه، فهو رسام وخطاط كبير.
تمت في الفيلم الاستعانة بأصوات إضافية، وقام بالدبلجة إبراهيم السايح رحمه الله، من هم الممثلون الرئيسيون الذين تم استبدال أصواتهم بأصوات غيرهم؟
سعد الله عزيز أعار صوته لمحمد الحبشي، ومحمد مفتاح أعار صوته لمصطفى محي الدين (حميدة) وممثلين أخرين، في حين استمعنا لبعض الممثلين بصوتي الراحلين عائد موهوب ومحمد أبو الصواب. وقد تمت الدبلجة في استوديوهات عين الشق تحت إشراف رائدها بالمغرب الأستاذ إبراهيم السايح رحمه الله.
كيف تنظر حاليا إلى فيلم “حلاق دلاب الفقراء” وقد مرت حوالي أربعة عقود على تصويره؟
أنا فخور بكوني اشتغلت في هذا الفيلم، الذي يعتبر من كلاسيكيات السينما المغربية والعربية، فإلى جانب تشخيصي لأحد أدواره الرئيسية تعلمت من مخرجه أشياء كثيرة لها علاقة بصناعة الفيلم.
وكلما شاهدت الفيلم من جديد إلا وتذكرت صديقي الركاب وابتسامته وهو يشرح لي ببساطة بعض الجوانب النفسية والاجتماعية وغيرها في شخصيات الفيلم وتقنيات تصويره وتركيب صوره وأصواته.. رحم الله المبدع الكبير محمد الركاب، لقد دخل تاريخ السينما المغربية من بابه الواسع.