حميد بناني

حميد بناني: ما صورته في “وشمة” نابع من بيئتي

بمناسبة برمجة وعرض فيلم “وشمة”، سيناريو وحوار وإخراج حميد بناني، من طرف المركز السينمائي المغربي على منصة إليكترونية في إطار الدفعة الثالثة من أفلام الحجز الصحي من 11 يونيو إلى 10 يوليوز 2020، أجرينا حوارا مركزا مع مبدع هذا الفيلم، الذي يعتبر من كلاسيكيات السينما المغربية وعلاماتها البارزة.

يتمحور هذا الحوار حول ظروف إنتاج هذا الفيلم واختيار بطله وفضاءات تصويره والتيمة الغالبة عليه وكذا حضور عناصر من السيرة الذاتية لمبدعه فيه. فيما يلي نص الحوار:

أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي

ما هي ظروف إنتاج فيلم “وشمة”، الذي صورته في أواخر سنة 1970، بعد تأسيس شركة “سيكما 3” بمشاركة محمد عبد الرحمان التازي والراحلين محمد السقاط وأحمد البوعناني؟ وكم كانت نسبة الفيدرالية المغربية لنوادي السينما برئاسة عبد الحق العلمي في إنتاجه؟

بعد حصولي على الإجازة في الفلسفة سنة 1963 من كلية الآداب بالرباط سافرت إلى باريس لإتمام دراستي كطالب دكتوراه، حيث تابعت محاضرات كل من رولان بارث وجاك دريدا وغيرهما. إلا أن شوقي للسينما كان أقوى، الشيء الذي دفعني إلى الالتحاق بمعهد الدراسات السينمائية العليا (IDHEC) تخصص “إخراج وإنتاج”.

أخرجت فيلمين روائيين قصيرين بفرنسا، بعد تخرجي أواخر سنة 1967 من المعهد المذكور، هما: “الخادمات” و”قلبا لقلب”. وبعد ذلك كنت متحمسا للعودة إلى أرض الوطن، رغم الإمكانيات التي كانت متوفرة لي للبقاء بباريس، حيث كنت متزوجا من شابة فرنسية كانت طالبة دكتوراه معي في السوربون. لقد فضلت العودة إلى المغرب لممارسة السينما في وطني.

مباشرة بعد عودتي من فرنسا اشتغلت من 1968 إلى 1970 رئيسا لمصلحة العلاقات الخارجية بالتلفزة المغربية، وأنتجت بعض الأفلام الوثائقية، لكنني لم أكن أبدا مرتاحا داخل أجواء التلفزيون، حيث عانيت كثيرا من مضايقات إدارته، الشيء الذي دفعني في الأخير إلى تقديم استقالتي من المنصب.

بعد مغادرتي لوظيفة التلفزيون تفرغت لكتابة سيناريو فيلم “وشمة” وأسست شركة “سيكما 3” رفقة السينمائيين محمد عبد الرحمان التازي ومحمد السقاط وأحمد البوعناني.

أما فيما يتعلق بتكلفة إنتاج هذا الفيلم الروائي الطويل فقد كان هناك مصدران أساسيان لتنفيذ إنتاجه:

أولا، ساعدني مدير المركز السينمائي المغربي آنذاك الراحل عمر غنام، حيث وضع رهن إشارتي معدات التصوير والمختبر والأستوديو ورخص للسينمائيين الذين أسسوا معي شركة “سيكما 3” كي يشتغلوا معي في الفيلم، لأنهم كانوا موظفين بالمركز السينمائي المغربي. لقد تعاطف الراحل عمر غنام معي وكان له أمل كبير في أن تشكل تجربتي تجربة ناجحة ومغايرة مقارنة مع تجارب الأفلام الروائية الطويلة الأولى الثلاثة التي أنتجها المركز السينمائي المغربي في أواخر الستينيات ولم يكن هو راض عنها أبدا.

ثانيا، تلقيت إعانة مالية مجانية لإنتاج الفيلم من رئيس الفيدرالية المغربية لنوادي السينما الأستاذ عبد الحق العلمي، الذي قدمه لي صديقي نور الدين الصايل الكاتب العام آنذاك لنفس الفيدرالية، علما بأن هذا المبلغ المالي هو الذي ساعدني بشكل كبير في التصوير الكامل للفيلم.

عمر الفيلم حاليا نصف قرن، مات خلاله الكثيرون ممن شاركوا في إنجازه: محمد الكغاط، محمد السقاط، أحمد البوعناني، محمد حماد الأزرق، محمد تيمود، العربي اليعقوبي، نعيمة سعودي…، كيف جاء اختيارك لمحمد الكغاط كبطل للفيلم؟ وما هي أخبار الطفل توفيق دادا حاليا، وهو الذي شخص دور البطل في طفولته؟

عندما كنت بصدد اختيار الممثلين (الكاستينغ) اقترح علي المسرحي محمد تيمود، الذي ترجم معي حوارات الفيلم من الفرنسية إلى العامية، صديقه محمد الكغاط. وعندما التقيت بهذا الأخير أحسست به وتيقنت من أنه ممثل متمكن ومثقف. أما الطفل توفيق (إبن مكناس)، الذي أصبح فيما بعد مهندسا بإسبانيا، فقد انقطعت أخباره في المدة الأخيرة. من الناس من يقول أنه مات، ومنهم من يقول أنه لا يزال على قيد الحياة. لقد سبق لي أن تواصلت معه منذ زمن، حيث شكرني لأنني كنت، ونحن في بلاطو التصوير، أشجعه على الدراسة وأنصحه بالمداومة على القراءة. على أية حال رحم الله الراحلين وأطال في عمر الباقين من عناصر طاقمي الفيلم الفني والتقني.

علاقة الطفل بأبيه بالتبني كان يشوبها التوتر، وهذا النوع من العلاقات المتوترة بين الأب والأبناء نلمسه دوما في أفلامك السينمائية، من “وشمة” إلى “ليالي جهنم” مرورا بـ”صلاة الغائب” و”الطفل الشيخ”، هل من تفسير لذلك؟

علاقة الأب بالأبناء في تلك الحقبة الزمنية كان يشوبها نوع من التعصب والصرامة، وهذا الأمر عشته بنفسي وشاهدته، فالمجتمع المغربي كان متشددا وقتها ولم يكن واعيا كما الآن.. ففي فيلم “وشمة”، مثلا، كان الطفل يعلم أنه متبنى وكان من جراء ذلك يعاني من عقدة نقص، إذ ليس له سند نفسي ولا ركيزة في الحياة، فهو لم يكن يعرف شيئا عن والديه الحقيقيين. أما الأب فكان متشددا، شأنه في ذلك شأن أغلبية الآباء التقليديين آنذاك، لقد كانوا صارمين حتى مع أبنائهم الحقيقيين.. وهذا ما اصطلح عليه بـ”عقدة أوديب” عند المحلل النفسي سيغموند فرويد أي هناك صراعا دائما بين الأب والإبن.

علاقة الطفل بأمه بالتبني كانت جيدة، عكس علاقته بأبيه بالتبني، هل في الفيلم شيء من حميد بناني الذي فقد والده وهو طفل، وظل مرتبطا بأمه إلى حين وفاتها رحمها الله سنة 2011، وهي التي رفضت الزواج من جديد رغم صغر سنها، للسهر على تربية وحيدها؟

علاقة الأم بالإبن في فيلم “وشمة” علاقة حب وحرمان من الأمومة، فهذه الأم لم تنجب من زوجها، زيادة على أن الأم في الغالب تكون حنونة أكثر على أبنائها من الأب.

نعم علاقتي بقصة الطفل في فيلم “وشمة” علاقة متقاربة، لقد فقدت والدي وعمري حوالي خمس سنوات، وعشت وحيدا مع أمي وعانيت من حرمان الأب.. الفرق بيني وبين الطفل (مسعود) في الفيلم هو أنني كنت أعلم أن لدي أب توفاه الله، أما مسعود فلم يكن له علم بوالديه معا. إذن أنا كنت أشعر بأن لدي ركيزة عائلية، عكسه هو، الذي كان “مقطوعا من شجرة” كما يقولون.

والد حميد بناني الراحل عمر بناني كان يهوى الصيد، وفي الفيلم والد الطفل مسعود السي  المكي (من تشخيص عبد القادر مطاع) يمارس الصيد ومعه إبنه بالتبني.. إلى أي حد تحضر عناصر من السيرة الذاتية للمخرج في فيلمه “وشمة” الذي كتب سيناريوه وحواره بنفسه؟

نعم كان والدي يهوى الصيد في نواحي مكناس، حيث كان يمتلك بندقية صيد ومسدسا وكان أحيانا يأخذني معه للصيد، من هنا أخذت الفكرة ووظفتها في فيلم “وشمة”.

واد ردم، مثلا، الذي صور فيه بطل الفيلم وهو شاب يرعى الغنم، والغابة التي كان يتم فيها الصيد…  ألا تذكرك هذه الفضاءات التي صورت فيها مشاهد فيلم “وشمة” بنواحي مكناس ومولاي إدريس زرهون بأمكنة ظلت راسخة في ذهنك منذ مرحلة الطفولة، خصوصا أن والدك رحمه الله كان يملك ضيعة فلاحية هناك؟

نعم، مشهد واد ردم كان بجوار ضيعة والدي.. كنت أسافر عند عمتي بمولاي إدريس زرهون في المراسيين وسيدي علي ومساوة ، وكنت ألعب مع الأطفال ومع أبناء عمتي وبقيت محتفظا في ذاكرتي بكل أزقة مولاي إدريس وسيدي علي، منذ الطفولة و حتى كبرت، وصورت جزءا كبيرا من فيلم “وشمة” هناك وهذا نابع من بيئتي.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

دنيا لحميدي.. نوميديا

دنيا لحميدي.. نوميديا..حضور متعدد في الساحة الفنية المغربية

أحمد سيجلماسي  :    انجذبت دنيا لحميدي (نوميديا) إلى التشخيص المسرحي والتنشيط الثقافي والفني منذ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Protected by Spam Master