محمد اليونسي

محمد اليونسي: “الوشاح الأحمر” ثمرة مجهود جماعي

أجرى الحوار: أحمد سيجلماسي

من بين الأفلام الروائية الطويلة التي عرضها المركز السينمائي المغربي إلكترونيا على منصة “فيميو”، في إطار الدفعة الثالثة من أفلام الحجر الصحي من 11 يونيو إلى 10 يوليوز 2020، “الوشاح الأحمر” (2014)، الذي يعتبر من أنجح الأفلام التي أخرجها وأنتجها محمد اليونسي لحد الآن.. ولعل أحد أسباب هذا النجاح الرئيسية يعود من جهة إلى طبيعة الموضوع الذي تمحور حوله السيناريو (مشكلة إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر)، وهو موضوع محلي وكوني في آن واحد، ومن جهة أخرى إلى احترام مخرج الفيلم لمبدأ الاختصاص وعيا منه بأن العمل السينمائي عمل جماعي.

من نقط القوة في هذا الفيلم اختيار ممثلين مناسبين في أغلبيتهم للأدوار التي أسندت إليهم، حيث كان تشخيصهم لتلك الأدوار مقنعا إلى درجة كبيرة، ولعل ما ساهم في ذلك هو إسناد مهمة إدارتهم إلى أكاديمي ومتمرس في الميدان من عيار الفنان الراحل جمال الدين الدخيسي (1951- 2017)، الممثل والمخرج المسرحي والمؤطر الذي تخرج على يديه العديد من الممثلين والممثلات عندما كان أستاذا ومديرا للمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، زد على ذلك أن الأستاذ الدخيسي كانت له لمسة أخرى على مستوى الحوارات والدراماتورجيا بشكل عام.

وبحكم احتكاك محمد اليونسي بالمبدع جيلالي فرحاتي والاشتغال معه لسنوات، إما كمنتج لبعض أفلامه التلفزيونية أو كمساعد له في الإخراج وغير ذلك، فقد تمخض عن هذا الاحتكاك تعاون فني مثمر بينهما على مستوى كتابة السيناريو في فيلم “الوشاح الأحمر”، الشيء الذي جعلنا نلمس تماسكا في البناء الدرامي للفيلم وسلاسة ملحوظة على مستوى الحكي، إضافة إلى التناغم الجميل بين المشاهد واللقطات ومقاطع الموسيقى التصويرية التي وضعها المبدع كمال كمال.

عن هذه الأشياء وغيرها يحدثنا محمد اليونسي في الحوار التالي:

بعد عقود من الحدث المروع واللاإنساني متمثلا في طرد العديد من المغاربة من الجزائز سنة 1975 وما ترتب عنه من مآسي اجتماعية ومعاناة هنا وهناك، تناولت في فيلمك “الوشاح الأحمر” هذا الموضوع الشائك.. كيف جاءتك فكرة الاشتغال عليه؟ ولماذا اخترت تصوير مشاهد الفيلم في تازة وجرادة ووجدة والنواحي؟

 لم تأت هذه الرغبة في كتابة سيناريو فيلم «الوشاح الأحمر» لأسطرة تاريخ حدث التهجير القسري لعائلات مغربية تعد بالآلاف، حتى لا أرهن قضية إنسانية بالزمن، الذي ينزع الحدث ملابساته الخاصة، الإجتماعية والحقوقية، ليغدو ذكرى تحيا وتخلد ومناسبة إعادة القول واجترار الماضي دائم الحضور، وأخرج هذا الحدث من الأسباب والدوافع التي غدت هذه القطيعة التي دامت أكثر من خمسين سنة، لذلك فالرغبة في المجمل  كانت للبحث عن  بعض الأجوبة، لنتعرف عن سبب هذه الصراعات بين الدول المتجاورة التي غالبا ما تكون مشتركة في مجموعة من الأشياء اجتماعيا واقتصاديا أيضا، فانطلقت من “المغرب والجزائر”  كنموذج، لأن مشكل الحدود بينهما أصبح يعد من بين أقدم المشاكل السياسية التي لم تر الحل ليومنا هذا، وبالتالي أكون قد سلطت الضوء على هذا المشكل في بعده  الكوني، وما يعاني منه الإنسان “ساكن تلك المنطقة الحدودية خصوصا”، ففي الأول والأخير الإنسان هو من يدفع نفسيا واجتماعيا واقتصاديا ثمن القطيعة بين بلدين جارين.

إذن كان الهدف الرئيسي من كتابة فيلم ” الوشاح الأحمر”، في الأصل، هو التساؤل عن الدوافع التي تغدي مثل هذه القطيعة بين شعبين ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما، لأن في الأصل من يبحث عن الحل لا يتساءل عن وقوع الحدث، فما وقع قد وقع.. لذلك فبداية الفيلم كانت جردا خفيفا لوقوع الحدث فقط، لكن مع مرور دقائق الفيلم، حاولت أن أبرز وأركز على  المعاناة النفسية والاجتماعية التي يعيشها سكان المناطق الحدودية، لذلك فضلت أن أصور جميع مشاهد الفيلم بالمناطق الحدودية بين المغرب والجزائر، أي تازة وجرادة ووجدة، حتى أعطي مصداقية أكثر للأحداث، وبالتالي روحا لتلك المعاناة والمشاعر الصادرة عن شخصيات القصة، التي ما هي في الأصل  إلا وجه آخر لأشخاص لا زالوا إلى اليوم يعانون من هذا الواقع المر.

تجاوبت بشكل كبير مع الفيلم، الذي بدل فيه مجهود ملحوظ على مستويات عدة.. فالكاستينغ كان إلى حد كبير موفقا خصوصا كريم السعيدي ونورا القريشي وراوية والطفلة سلمى أمحراش والراحلين محمد بسطاوي وجمال الدين الدخيسي.. وعلى ذكر هذا الأخير، الذي كلف بإدارة الممثلين، زيادة على كتابته للحوار والدراماتورجيا، هل إدارته للممثلين ومشاركته في التشخيص كان لهما دور أساسي في ظهور أغلبية الممثلين والممثلات بشكل جيد ومقنع بدرجة كبيرة؟

العمل السينمائي عمل جماعي بامتياز، لذلك كل فيلم يتطلب إنجازه مجهودات كبيرة ومتناسقة مع كل العاملين في مختلف مراحل إنتاجه، ناهيك عن الأفلام التاريخية التي تتحدث عن حقبة ما كفيلم “الوشاح الأحمر“، الذي يتناول فترة تتراوح بين حرب الرمال (1963) وما بعد المسيرة الخضراء (1975)، فمثل هذه الأفلام تتطلب إمكانيات مادية ومجهودات فنية مضاعفة. لهذا كله كنت لا أمر من مرحلة إنتاجية للفيلم إلى أخرى حتى أتمكن من ضمان نجاحها ولو كلفني ذلك وقتا إضافيا، فهاجسي الأول والأخير كان هو إخراج فيلم يشرف السينما المغربية ويدخل تاريخها من بابه الواسع ويكون أيضا في مستوى الحدث نفسه. ولهذه الغاية أخذت مني مرحلة اختيار الممثلين وقتا طويلا فاق ستة أشهر، حيث نظمت جلسات اختيار بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي بالرباط، كما نظمت جلسات أخرى بمدن تازة وجرادة وكذلك وجدة. وقد سافرت أيضا إلى الجزائر لاختيار بعض الممثلين، لكن يبدو أن الأمر كان محرجا بالنسبة لهم، فرفضوا اقتراحاتي.. أما مسألة إدارة الممثلين، التي أسندتها إلى الممثل والأكاديمي جمال الدين الدخيسي رحمة الله عليه، فكانت من ورائها إشارات عدة، منها ضرورة التعامل مع مختصين في ميادين فنية أخرى كالمسرح، مثلا، وتشجيعهم على ولوج عالم السينما ليساهموا في تطوير وإنجاح العمل السينمائي الذي لا زال يتخبط في بعض العشوائيات. ومنها ثانيا تخفيف الضغط الذي كان على كاهلي، حيث كنت مخرجا ومنتجا للفيلم في آن واحد.. أظن أن التجربة أتت أكلها  وأثبتت علو كعب الراحل جمال الدين الدخيسي في التشخيص وكذلك في إدارة الممثلين الآخرين حسب ما طلب منه.. كما شارك رحمه الله في إعادة كتابة الحوار وتصحيحه وفي  دراماتورجيا العمل ككل.. لقد اشتغلنا سويا على الموضوع قبل بداية التصوير بشهور عدة، وكان حضوره مشرفا وفعالا قبل وأثناء التصوير، رفقة باقي زملائه طبعا، كمحمد بسطاوي رحمه الله وكريم السعيدي ويسرا طارق ومحمد الشوبي وآخرين…

إيقاع الفيلم متوازن، وموسيقاه ساهمت في التعبير عن أحاسيس الشخصيات في مواقف ومشاهد مختلفة، كيف كان تعاملك مع المبدع كمال كمال في وضع الموسيقى التصويرية واختيار المقاطع المناسبة منها لكل مشهد؟

للموسيقى دور فعال في إيقاع أي فيلم، كما لها أيضا دور وتأثير فعالين في صناعة الأجواء العامة للفيلم، لذلك لا يجب الاستخفاف بها وبأهميتها، وهذا ما حاولت أن أوليه عناية تامة .. وقد نجحت في إقناع الفنان كمال كمال للعمل على وضع موسيقى فيلم “الوشاح الأحمر”، فرغم تواضع الإمكانيات المرصودة لفيلم تاريخي من هذا الحجم، وافق المبدع كمال كمال على تأليف موسيقى تليق بموضوع هذا الفيلم، الذي يعتز به هو أيضا، لقد كانت مساهمته تطوعا ليبصم بفنه الموسيقي هو الآخر في سجل هذه الملحمة التاريخية، كما كان يحلو للراحل محمد بسطاوي رحمه الله أن يسميها…

لاحظت كذلك تماسكا في خيوط السرد ونوعا من التشويق، هل يرجع ذلك لتعاونك المثمر مع المبدعين جيلالي فرحاتي (على مستوى كتابة السيناريو) وجمال الدين الدخيسي (على مستوى الحوار والدراماتورجيا)؟

طبعا، فالتعامل مع مثل هذه القامات الفنية لا يمكن إلا أن تكون نتائجه مرضية.. تعاملي مع جيلالي فرحاتي كان قبل هذا السيناريو بكثير، إذ اشتغلت معه لمدة فاقت الخمس سنوات، كمنتج لبعض أفلامه التليفزيونية وكمساعد مخرج في بعض أفلامه السينمائية، لهذا كانت تربطني به علاقة فنية وطيدة، كانت باكورتها استشارتي له في كتابة هذا السيناريو الذي أطرني فيه من البداية إلى النهاية، وبهذا حصلت على شرف وضع إسمه بجانب إسمي في خانة السيناريو.. بعد ذلك جاء التعامل مع جمال الدين الدخيسي كممثل أولا، لكن بسبب تعلقه بالسيناريو، وكرم عطاءاته الفنية، وجدنا أنفسنا نشتغل على إعادة كتابة حوارات السيناريو وتصحيح  بعض مراحل السرد فيه، فما كان مني إلا أن أسند إليه هذا الدور رسميا وأنال أيضا شرف وضع إسمه رحمه الله مع أسماء الفريق التقني للفيلم.. أنا أومن بمبدأ الاختصاص في الميدان السينمائي، وأتمنى أن تسود ثقافة الإعتراف والإعتماد على المتخصصين في كل مراحل إنتاج وصناعة الفيلم، فالمخرج الجيد هو من يحيط به أجود المختصين.

أجود المختصين.

موضوع الفيلم له أهمية،وقد تمت معالجته بشكل سلس وواقعي وصادق نسبيا تم من خلاله إظهار لاإنسانية وفساد النظام الجزائري الحاكم منذ عقود.. وفي هذا تجاوز لتجربة لم تكن ناجحة تناولت نفس الموضوع .. يتعلق الأمر بفيلم “مأساة الأربعين ألف” (1982) للراحل أحمد قاسم أكدي .. من بطولة عبد العظيم الشناوي (شافاه الله)، في نظرك هل فيلمان أو ثلاثة كافية لتناول هذا الموضوع وتقليبه من جوانبه المختلفة؟

لكل فيلم حكاية ولكل حكاية قصة ولكل قصة بداية، وهذا المشكل الحدودي بين المغرب والجزائر، بدايته كما قلت كانت مع فيلم “مأساة الأربعين ألف”،  مع العلم أنني لم أشاهده أو أسمع عنه من قبل، ولكن لن تكون نهايته طبعا مع فيلم “الوشاح الأحمر”، فقد تناولته بعدي أيضا المخرجة نرجس النجار برؤية أخرى، وسيتناوله طبعا مخرجون آخرون، ما دام المشكل لا يزال قائما.. لكن بعد الفترة الزمنية في تناول الموضوع بين فيلم وآخر يجعل التأثير على القضية غير فعال، بل يضعف محاولة إثارة النقاش حول الموضوع بجدية أكبر وبفعالية أوسع، وللصحافة والإعلام دور في ذلك، فهما من يجب أن يأخذا المشعل بعد السينما، لإثارة النقاش الجاد وهيكلة رأي عام مع أو ضد قضية ما…

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

كمال كمال يستأنف تصوير “نوبة العشاق” بمراكش

استأنف المخرج المغربي كمال كمال، منذ بداية السنة الجديدة، بقصر الباهية بمراكش، تصوير الفيلم التاريخي...

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Website Protected by Spam Master