فاس: أحمد سيجلماسي
احتضن فضاء دار البطحاء، التابع للمعهد الفرنسي بفاس، ليلة السبت 7 دجنبر 2019جلسة سينفيلية ممتعة حول فيلم “دقات القدر” (2019) بحضور مخرجه محمد اليونسي وبطلته يسرا طارق ورئيس الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب (جواسم) عبد الخالق بلعربي ونائبته أمينة الصيباري وثلة من عشاق السينما بفاس.
شملت هذه الجلسة تقديم المخرج والممثلة وفيلمهما الجديد من طرف إبراهيم زرقاني (ممثل المعهد الفرنسي والمكلف بالتنشيط الثقافي به) وبوشتى المشروح (ممثل الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب) والترحيب بهما وبالجمهور النوعي المتعود على حضور “لقاءات فاس السينمائية” المنظمة من طرف المعهد المذكور بشراكة مع جامعة الأندية السينمائية. وبعد الاستماع إلى كلمات بالمناسبة لكل من الفنانين وأطر “جواسم” تم عرض ومناقشة الفيلم الروائي الطويل “دقات القدر”.
ركزت تدخلات بعض الحاضرين على مضمون الفيلم، خصوصا على ما هو واقعي أو تاريخي فيه، واعتبر أحد المتدخلين أن الصورة التي أظهر بها المخرج المقاومة الريفية ضد المستعمر الإسباني بعيدة عن الواقع، في حين فضل البعض الآخر مساءلة الفيلم في جوانبه الفنية والجمالية حيث تم الوقوف على تشخيص الممثلين وإدارتهم من طرف المخرج، وعلى توظيف الموسيقى لتمرير بعض الأحاسيس، ودور الديكورات والملابس ومختلف الأكسيسوارات في التعبير عن حالات الشخصيات النفسية والاجتماعية ومدى ملاءمة فضاءات التصوير مع الوقائع التي تناولها الفيلم إلخ…
وفي ردهما على مختلف التدخلات أشار المخرج محمد اليونسي، أولا، إلى أنه ليس مؤرخا وأن فيلمه ليس فيلما تاريخيا وإنما هو فيلم خيالي تجري أحداثة في فترة زمنية محددة من تاريخ منطقة الريف تميزت باستعمال الجيش الإسباني للغازات السامة من أجل إبادة الساكنة. ما كان يهمه هو تسليط الضوء على وضعية المرأة في هذه الفترة الزمنية، من خلال شابتين تودا المغربية الريفية المتزوجة بمقاوم مشلول يعاني من تبعات الغازات الكيماوية السامة وماريا الإسبانية التي تحب شابا يشتغل جنديا في الجيش الإسباني، وجدت كل منهما نفسها في وضعية خانقة للحرية، فكان لزاما على كل واحدة منهما أن تناضل بطريقتها الخاصة وأن تثور في وجه كل السلط المكبلة لحريتها سواء كانت دينية (الكنيسة) أو اجتماعية (الأعراف والعقلية الذكورية) أو غيرها. وإذا كان الواقع لم يسعفهما في تحقيق انعتاقهما وتكسير قيود التبعية للعادات والتقاليد البالية والسلطة الدينية وغيرها، فإن اللاشعور هو المجال الخصب الذي تم من خلاله التعبير عن تطلعهما إلى الحرية، فكوة الضوء التي تظهر في نهاية النفق في المشهد الأخير من الفيلم عبارة عن خلاص أو أمل في تحقيق ما لم يتحقق في الواقع الملموس.
على مستوى التشخيص وإدارة الممثلين لاحظ بعض المتدخلين أن أداء الممثلين بشكل عام كان مقبولا، مع تميز عبد الله شكيري في تشخيصه لدور زوج تودا، وكذلك الأمر بالنسبة للممثلة سمية أكعبون في دور راهبة، وهما ممثلان مغربيان لم تعطاهما بعد فرص كافية في الأفلام المغربية، عكس الأفلام الأجنبية، لإظهار قدراتهما الهائلة في التشخيص. وفي هذا الصدد تحدثت بطلة الفيلم يسرا طارق عن الانسجام الذي كان حاصلا بينها وبين الممثل القدير عبد الله شكيري، الشيء الذي أعطى نتيجة مرضية للغاية. كما تحدثت عن إعجابها بشخصية تودا، التي لعبت دورها في الفيلم، منذ لحظة الكتابة السيناريستية. ولعل هذا الإعجاب بهذه المرأة الشجاعة والجريئة هو الذي جعلها تبذل كل ما في وسعها، بما في ذلك حلق شعر رأسها كاملا، لتكون مقنعة وتلقائية في أدائها إرضاء لتطلعات جمهورها، الذي شاهدها في فيلمها السابق “الوشاح الأحمر” من إخراج زوجها محمد اليونسي.
تجدر الإشارة إلى أن فيلمي “الوشاح الأحمر” (2014) و”دقات القدر” (2019) يمكن اعتبارهما بمثابة نقلة نوعية في المسيرة السينمائية لمحمد اليونسي، مقارنة مع فيلميه السابقين “آلو 15″ (2011) و”بنيكس” (2009).
من جهة أخرى نوه أحد المتدخلين بعناية المخرج بالجزئيات والتفاصيل، وباختياره لمقاطع موسيقية وأغنية ريفية مناسبة، كما نوه بحمولة الفيلم الفلسفية وما يطرحه من أسئلة وجودية مؤرقة، الشيء الذي يجعله قابلا لقراءات متعددة من طرف المتلقي النخبوي المتعود على مشاهدة أفلام سينما المؤلف. وإجمالا يمكن القول أن أغلبية التدخلات نوهت بالمجهود المبذول في إنجاز الفيلم على مستويات عدة، رغم أن تقييمه بعد مشاهدة واحدة قد لا يفيه حقه.
اختتمت هذه الجلسة السينفيلية بتبادل الشكر بين الضيوف والمنظمين والجمهور الحاضر، فالكل استمتع بالفيلم وما أثير حوله من قضايا وأسئلة وملاحظات في جو حميمي، ذكرنا بالعصر الذهبي لحركة الأندية السينمائية بفاس ومختلف المدن المغربية.. ولتوثيق هذه اللحظة الفنية والثقافية الجميلة تم التقاط صور من زوايا مختلفة.
تجدر الإشارة إلى أن هذا اللقاء الرابع عشر جاء بعد لقاءات سابقة مع الممثلة جيهان كمال بطلة فيلم “نذيرا” من إخراج والدها كمال كمال والمخرجة خولة أسباب بنعمر وفيلمها “نور في الظلام” والمخرجين رؤوف الصباحي وفيلمه “حياة” وإدريس المريني وفيلمه “عايدة” وعز العرب العلوي لمحارزي وفيلمه “أندرومان .. من دم وفحم” و محمد اليونسي وفيلمه “الوشاح الأحمر” وعبد الإله الجوهري وفيلمه “رجاء بنت الملاح” وكمال كمال وفيلمه “الصوت الخفي” و يونس ركاب وفيلمه “الأوراق الميتة” ومحمد الشريف الطريبق وفيلمه “أفراح صغيرة” وهشام ركراكي وأفلامه القصيرة الثلاثة: “ريكلاج” و”نداء ترانغ” و “إيما” و بوشتى المشروح وفيلمه الوثائقي “ورثة لوميير”.