عن فيلمه الجديد “من رمل ونار..الحب المستحيل”
بيت الفن
حصد المخرج السهيل بن بركة جائزة التميز في الإخراج عن فيلمه الجديد “من رمل ونار..الحب المستحيل”، خلال مشاركته بمهرجان أربا الدولي للفيلم بهوليوود Arpa International Film Festival festival الذي اختتمت فعالياته أخيرا في لوس انجلوس بالولايات المتحدة الامريكية.
تدور أحداث “من رمل ونار..الحب المستحيل” (إنتاج مغربي إيطالي)، في القرن الثامن عشر وتحديدا في عهد السلطان المولي سليمان، الفيلم التاريخي ويتناول سيرة دومينغو باديا رحالة / جاسوس إسباني سيتم تجنيده للتجسس على المغرب الذي كان ينتهج ما يسمى بسياسة الاحتراز ويطمح إلى إعلان الجهاد لاسترجاع الأندلس من أيدي الإسبان.
على مدى أحداث الفيلم التي تستغرق 110 دقائق سيتنقل دومينكو باديا باسم الأمير علي باي العباسي بين إسبانيا، وبريطانيا، وفرنسا، وسوريا، والمغرب، حيث سيكسب ثقة السلطان قبل افتضاح أمره من قبل الإنجليز انتقاما من فرنسا التي شنت الحرب عليهم في “واترلو”.
يخضع دومينغو باديا لعملية ختان في لندن على يدي طبيب يهودي، قبل أن يتوجه إلى المغرب متنكرا في زي عربي، مدعيا أنه من الشرفاء أحفاد الرسول الكريم، وأنه من مواليد حلب بالشام. وكان هدفه إقناع السلطان المغربي المولى سليمان بن محمد بقبول التعاون مع إسبانيا، درءاً لخصومه الطامعين من الفرنسيين والإنجليز، وإذا فشل هذا المخطط فإنه سيلجأ إلى دعم بعض الثوار لإيقاد فتنة داخلية تساعد على إضعاف المغرب وتسهل احتلاله على الإسبان. وقد كان هذا المخطط مدعوما من طرف الملك الإسباني كارلوس الرابع، كما أنه في ما بعد عرض مشروعه لاحتلال المغرب على نابليون بونابرت، وكان ذلك في 10 مايو سنة 1808 وبتشجيع من الملك كارلوس الرابع المخلوع، لكن نابليون شكك فيه وبعث معه برسالة توصية إلى شقيقه جوزيف بونابرت.
وقال سهيل بن بركة، إن منتجين إسبان اقترحوا عليه تصوير فيلم عن هذه الشخصية الغامضة، إلى أنه “قرأ كتابه عن رحلته إلى المغرب، ولم يجد سوى أمور تافهة عن حياته في قصر السلطان، لكنه بعد بحث عميق اكتشف أهمية هذا الجاسوس الذي أرسله ملك إسبانيا كارلوس الرابع لدعم التمرد ضد السلطان مولاي سليمان”.
وأضاف بن بركة “ولد علي باي، دومينغو باديا، في كاتالونيا، وكان ضابطا في الجيش الإسباني. لكن مواهبه كانت أبعد من ذلك بكثير، إذ كان يتقن خمس لغات، وكان فيلسوفا وعالم فلك يضاهي كبار العلماء في عصره من باريس إلى لندن، وفق كريسيتان فيوشر واضع كتاب “علي باي، رحالة إسباني في أرض الإسلام”.
ولفت المخرج إلى أن “باديا كان شخصا مذهلا، لم يكن أحد يستطيع مقاومته”، وقد توفي في رحلة الحج الثانية “بعدما دست له السم الليدي “إستر ستانهوب” الارستقراطية البريطانية التي عاشت في لبنان وسوريا.
وتم تصوير الفيلم، الذي يتضمن العديد من الأحداث التاريخية، المطعمة بقصة حب عنيفة ستجمع (علي باي) بالليدي البريطانية (ميليكي)، بين استوديوهات ورزازات، وصحراء مرزوكة، وموقع وليلي، والرباط والدار البيضاء.
وبهذا الفيلم الملحمي يعود المخرج البالغ من العمر 74 عاما إلى السينما بعد غياب دام خمسة عشر عاما، ليعرض حياة علي باي العباسي الذي ولد عام 1767 وتوفي عام 1818، وعاش حياة فريدة متنكرا بشخصية تاجر عربي من سلالة الرسول، فيما كان في الحقيقة جاسوسا يعمل لحساب إسبانيا.
ويعد سهيل بنبركة من المخرجين المغاربة الأوائل، الذين رسموا مسار السينما المغربية ومنحوها خبرتهم وتجاربهم، سواء من خلال أعمالهم الفنية المميزة، أو من خلال عملهم الإداري في المؤسسات العمومية الوصية على هذا المجال.
فأعمال بن بركة، حسب مجموعة من النقاد، تدفع دائما إلى اختراق الزوايا المظلمة لنقط معينة، تهتم بحلقات جوهرية داخل المجتمع وخارجه، عبر توظيف المواضيع المستفزة والقادرة على جلب الجمهور والتفاعل معها.
وسينما سهيل بن بركة سلسة في أسلوبها وواضحة في أفكارها، تنقل الواقع بشفافيته وآلامه، هذه السينما تنفي عن نفسها الترميز والتعقيد، اللذين قد يؤثران على تجاوب المتلقي ويشوشان على رؤيته للقضايا المعروضة أمامه، وقد اتبعت في أسلوبها طريقة توفيقية في تحريك الصورة ومنحها جمالية ولغة فنية، تتماشى ومتطلبات المشاهد العربي والغربي على حد سواء.
سهيل بن بركة ولد سنة 1942 بمالي من عائلة تتحدر من مدينة كلميم، درس علم الاجتماع والصحافة بإيطاليا، كما حصل على شهادة التخرج من المركز التجريبي للسينما بروما، في ستينيات القرن الماضي أخرج بن بركة للتلفزة الايطالية la RAI العديد من الأفلام الوثائقية ذات الصبغة السوسيولوجية، وبرجوعه إلى المغرب سنة 1972 عمل بن بركة بصفته مخرجا ومنتجا وموزعا للأفلام، وعين من سنة 1986 إلى سنة 2003 مديرا للمركز السينمائي المغربي.
تتضمن فيلموغرافية بن بركة العديد من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة والوثائقية، ويعتبر بذلك من أغزر المخرجين المغاربة إنتاجا، ومن هذه الأفلام (“الماء” 1970- “مليكة، بنت الصباغ” 1973، و”أهل الموسم” 1975، والمسيرة الخضراء” 1975، وإشبيلية 1992، و”مسجد الحسن الثاني” 1993، و”ألف يد ويد” 1972، و”حرب البترول لن تحدث” 1974، و”عرس الدم” 1977، و”أموك” 1982، و”طبول النار أو فرسان المجد” 1991، و”ظل فرعون” 1996، و”عشاق موكادور” 2002)، و”من رمل ونار..الحب المستحيل) 2019.