هند صبري

هند صبري: لست “موديلا ” وكل شخصية لها أبعاد عديدة

 بيت الفن

استطاع الفيلم التونسي- الفرنسي- البلجيكي المشترك “نورا تحلم” الذي قدمه صناعه إلى الجمهور لأول مرة عبر عرضه في مهرجان تورونتو السينمائي، والظفر بالجائزة الكبرى لمهرجان بوردو للسينما المستقلة، أخيرا، أن يلفت أنظار الجمهور والقائمين على صناعة السينما من دول العالم، وحظيت حفلات عرضه الخاصة بالعديد من الإشادات، وأجمع عليه النقاد والجمهور في آن واحد، ما يمهد لتحقيقه نجاحا موازيا على المستوى الشعبي، عقب تقديمه في دور العرض السينمائية.

وقالت هند صبري، إن شخصية نورا التي جسدتها في فيلم “نورا تحلم” قدمت وجها جديدا لتونس من خلال طبقة لم نكن نراها على الإطلاق، وهي طبقة كادحة تعاني ضغوطا اجتماعية كبيرة، وأنها تحمست لتجسيد شخصية لم يسبق لها أن ظهرت بها من قبل في تونس.

وأضافت أن حصولها على العديد من الجوائز عن دورها يدل على جودة اختياراتها الفنية والاستعداد الجيد لها، وهي التي قامت بمعايشة الطبقة التي تمثلها في الفيلم بجميع تفاصيلها، واكتسبت العديد من الصفات وطريقة الكلام لتمارس الواقع بكل ما فيه.

وتدور أحداث الفيلم حول نورا، وهي أم لثلاثة أطفال، يقضي زوجها جمال عقوبته في السجن، في حين تعمل هي في محل لتنظيف الملابس من أجل كسب قوتها إلى أن تقابل الأسعد الذي يصبح حب حياتها، وخلال انتظار الحبيبين إنهاء إجراءات طلاق نورا، يتعرض حلمهما للخطر بإطلاق سراح جمال الوشيك، فتتعقد الأحداث وعندها يقرران الهروب.

ويشارك في بطولة “نورا تحلم”، كل من لطفي العبدلي وحكيم بومسعودي وإيمان الشريف وجمال ساسي وسيف الظريف، وهو من إخراج هند بوجمعة.

وحسب حوار أجرته الكاتبة المصرية، إنجي أمير، مع هند صبري، فإن هذه الأخيرة نجحت في تجسيد معاني الألم النفسي، الذي تتعرض له الزوجة التي كانت بمثابة الأب والأم لأولادها، فظهرت تفاصيل هذا الألم على ملامحها التي جعلتها تبدو أكبر من عمرها، إلى جانب عدم الاهتمام بمظهرها كأنثى لتقدم الدور من دون ماكياج وظهرت بشعرها غير المصفف وارتسمت التجاعيد خطوطا على وجهها.

تفاصيل كثيرة حرصت هند على التعبير عنها بوجهها فقط، وبلغة الصمت التي كانت أبلغ من أي حوار، في حبها لرجل آخر دون أن تقع في خطيئة لا يغفرها المجتمع، وحاولت الطلاق لتنطلق، غير أن خوفها جعلها سجينة الحياة الصعبة، محاولة في الوقت نفسه ألا يشعر أبناؤها بأي خلل تتعرض له الأسرة.

وأوضحت صبري “طوال عمري لا أرى نفسي “موديلا “، فكل شخصية لها لدي أبعاد عديدة، من أهمها المظهر، وكل شخصية لها شكل محدد، وإذا لم يكن الممثل وفيا لهذه الطبقة الاجتماعية وهو يشخصها على الشاشة، حتى على مستوى الشكل، فسيرفضها الجمهور، ومن هذا المنطلق لم يكن منطقيا أن تطل شخصية نورا بماكياج كامل”.

وأضافت، أنها تعاملت مع نماذج من نساء تونس من الطبقة الشعبية، وشعرت بالذعر من حكاياتهن التي حرصت على الاستماع إليها في إطار الرغبة في فهم محاور الشخصية وصولا إلى التعرف على أدق التفاصيل من خلال محاكاة طرق سعادتهن وضحكاتهن، إلى جانب أن لهجة الخطاب التي لم تكن سهلة تماما فهي بطريقة كلام الـ“شوارع”، وهناك كلام يمكن وصفه بالـخارج إلى حد ما عما نعتاده على مستوى الحوارات في الأفلام التونسية.

وأكد العديد من النقاد أن مخرجة العمل تمثل نموذجا جديدا لتجسيد العنف بعيدا عن الضرب أو السب، لكن بالصمت فقط الذي كان أبلغ من الكلام، فنظرات عين الزوج تفرض حالة من الرهبة داخل أركان المنزل، بينما نجح حبيب نورا أن يجسد دور المنكسر بعد تعرضه للاعتداء على يد زوج حبيبته، ليرصد العمل تفاصيل العلاقات المعقدة ويستعرضها بسلاسة.

واعتبرت هند صبري أن المخرجة هند بوجمعة قدمت رسالة غير مباشرة في العمل، مفادها أن العنف وإثارة الرعب في نفس الزوجة لا يكونان بالضرب أو التعنيف، وصمت زوج نورا كان مخيفا، والمرأة تخشى من زوجها حتى وإن كان صامتا، وهو أحد أنواع العنف الزوجي، عكس المتعارف عليه في الاعتداء البدني على المرأة.

وأشارت إلى أن جميع الشخصيات في الفيلم كانت تقع في المنطقة الرمادية، فزوج نورا لا يعتدي عليها أو حتى عندما ينهرها لا يكون قاسيا بشكل كبير، لكن في المقابل كان هناك عنف داخلي حاولت المخرجة إيصاله، ولهذا بدأت نورا إجراءات الطلاق من زوجها في أثناء وجوده بالسجن، لأنها ترغب في التخلص من حالة الخوف الذي يسيطر عليها وعلى أبنائها أيضا عند خروجه من السجن.

وأوضحت أنها سعت لتوصيل رسالة مهمة إلى الزوجات، مجملها أي امرأة “تشعر بأنها مضطهدة نفسيا أو جسديا لا يجب أن تنتظر الوصول إلى درجة معينة من العنف كي تتكلم أو تشكو ذلك، إذ في غياب الحلول مع الزوج، هو بداية طريق اللاعودة”.

تطرق فيلم “نورا تحلم” إلى محاولة تعويض جمال لزوجته وأبنائه كل ما فاتهم، لكن بطريقته التي دمرت كل معالم حياته الأسرية، لترفض نورا الاقتراب منه، قبل أن يعلم بوجود علاقة بينها وبين رجل آخر فيقرر استدراجه إلى مكان بعيد والاعتداء عليه، ليبدأ فصل جديد في العلاقة بين نورا والأسعد، حيث أصبحت هناك فجوة كبيرة بينهما بعد هذا الحادث تمنع إتمام قصة حبهما، وبين نورا وجمال الذي لم يعد هناك ما يربطهما سوى أبنائهما.

وتؤمن الفنانة التونسية أن الفيلم يناقش قضية تتسم بالجرأة، لكنها في الوقت ذاته لا تخشى من ردود الفعل المتوقعة وقت عرضه للجمهور على نطاق واسع، فهي ترى أن السينما تطرح أسئلة عن أشياء نصمت عنها في الحياة العادية، وما يميز الفيلم، من وجهة نظرها، أنه يناقش قضايا جوهرية حول الأخلاق والعادات والتقاليد والقانون، ولا يوجد أحد مثالي، فجميع الناس لديهم مشاكل عند التعامل مع الواقع المحيط بهم، بما فيهم بطلة الفيلم، فهي ليست مثالية بل قد تكون ارتكبت جرما يراه البعض أخلاقيا.

وأوضحت صبري أن على السينما الغوص في المناطق الرمادية التي تستطيع جذب الجمهور، الذي يرى أن ذلك يعبر عن الواقع، في مقابل صورة وردية تظهر أمام الناس، بينما تكون داخل كل شخص تفاصيل ظاهرة في الأعمال الفنية التي تخاطب الجانب العقلي لدى الجمهور.

وترفض هند صبري تصنيف “نورا تحلم”، بأنه من نوعية أفلام المهرجانات، ولا تقتنع بتلك المسميات وتتوقع نجاحه على المستوى التجاري، لكنها أشارت أيضا إلى أن نوعية الأفلام في السينما التونسية يغلب عليها الطابع الاحترافي وليس التجاري، لكن في النهاية أهم ما يجعلها تنجذب إلى العمل هو إدراكها لوجود معايير فنية واضحة تسير عليها.

وأشارت هند صبري إلى أن تحقيقها النجاح في الفيلمين رسالة جيدة لصناع السينما، بأن نجاح العمل غير مرتبط بالإمكانيات المادية، وقد يكون هناك عمل فني صغير لكنه يقدم رسالة قوية، وهناك إيمان بقضيته، فيحظى باحترام الجميع، وذلك يمهد لانتقال التجربة إلى جميع البلدان العربية، مثل تونس والمغرب ولبنان، للمشاركة في أفلام تناقش قضايا هذه المجتمعات.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

مهرجان البحر الأحمر يكرم نساء السينما العربية بالبندقية

مهرجان البحر الأحمر يكرم نساء السينما العربية بالبندقية

على هامش فعاليات الدورة الـ79 من مهرجان البندقية السينمائي الدولي استضاف مهرجان البحر الأحمر السينمائي …