بيت الفن
بشراكة مع المعهد الفرنسي في المغرب تعرض سينماتيك طنجة خلال شهر غشت 2019 الأفلام الأربعة الأولى للمخرج اليوناني الفرنسي كوسطا غافراس، ويتعلق الأمر بـ”مقصورة القتلة” Un homme de trop و”زد”و”الاعتراف”.
وكوسطا كافراس مخرج يوناني فرنسي أخرج أول فيلم له “مقصورة القتلة” عام 1965 بعد أن اشتغل مساعد مخرج إلى جانب هنري فيرموي وريني كليمون وجاك ديمي.
ستنطلق مسيرته سنة 1969 مع النجاح الذي حققه فيلم “زد” ويبقى كوسطا كافراس اسم مهم في مشهد السينما السياسية.
وتعيدنا مشاهدة “زد” الفرنسي الإنتاج، الجزائري التمويل، حسب الناقد السينمائي أمير العمري، إلى عصر الصراع الأيديولوجي والانتفاضات الشبابية والطلابية الغاضبة، التي كانت قد بلغت ذروتها عام 1968 في خضم اشتعال الحرب في فيتنام، وما شهدته الساحات الأوروبية من ثورات في باريس ولندن وبرلين والتي انتقلت إلى جامعات الولايات المتحدة أيضا.
ويرى العمري “زد” كان أول فيلم من نوعه يتناول موضوعا سياسيا بأسلوب الفيلم “البوليسي” المثير، ولكن وفق المواصفات الأوروبية، أي مواصفات “الموجة الجديدة”، وليس مواصفات هوليوود. فقد اعتمد على التداخل بين الأزمنة، والانتقال الحر بين الماضي والحاضر وعلى تدفق التداعيات التي قد تتبدى للحظة من وعي إحدى الشخصيات مثلا، قبل أن نعود لمتابعة ما يحدث في الزمن المضارع.
يقوم البناء الفني للفيلم، يضيف العمري، على اللقطة كوحدة للفيلم وليس المشهد. أي أن المشهد المكون عادة من لقطات عدة، كان يقوم على مبدأ تحليل اللقطات، وقد يتجاوز في ذلك وحدتي الزمان والمكان، وكان هذا الأسلوب في ذلك الوقت جديدا.
يدور الفيلم حول التوتر السياسي الذي سبق وقوع انقلاب عسكري في اليونان (وقع في الحقيقة عام 1967) وسيطر بموجبه العسكريون على السلطة بدعوى ضبط الفوضى السياسية التي كانت سائدة في المجتمع.
وكان الفيلم جديدا تماما في أسلوب التحقيق في جريمة قتل سياسية، تستخدم مدخلا أو حيلة سينمائية درامية للكشف التدريجي، عما تخفيه تلك الجريمة في طياتها من مفاجآت بحيث تطال في النهاية أعلى مستويات السلطة في البلاد.
وقد صورت جميع المناظر الخارجية للفيلم بمدينة الجزائر لتشابهها مع طبيعة مدينة أثينا التي لا تذكر بالاسم في الفيلم، بل يتعمد المخرج وكاتب السيناريو جورج سمبران أن يبقيا البلد الذي تدور فيه الأحداث غامضا، حتى تتاح الفرصة للفيلم للعرض في فرنسا وغيرها دون أن تنتج عن هذا أزمة سياسية مع اليونان، لكن غافراس كان بالتأكيد يريد توجيه رسالة احتجاج ضد الانقلاب العسكري الذي وقع في بلاده وأطاح بالديمقراطية.
كان الفيلم وقت ظهوره (1969) مختلفا في مظهره وأسلوبه ولغته، فقد كان يستخدم الإيقاع السريع، ويصور مطاردات مثيرة ومشاهد جماعية لمظاهرات مؤيدة ومعارضة، واشتباكات تنشب بين الطرفين أحيانا، وموقف شرطة كانت تبدو محايدة من الظاهر، غير أنها كانت تتآمر في الباطن وتشجع الاعتداء على رموز المعارضة وعلى رأسهم ذلك النائب البرلماني الذي يتم اغتياله بالفعل، على أيدي جماعة فاشية تخضع لسلطة العسكريين وتتلقى التعليمات من الشرطة.
ولم تكن الأفلام السياسية التي سبقت “زد” مثل فيلم “الأيدي فوق المدينة” (1963) للمخرج الإيطالي فرنشيسكو روزي قد توصلت بعد إلى أسلوب من هذا النوع، بل كانت عادة ما تتبع الأسلوب التسجيلي الذي ساد أفلام الواقعية الجديدة في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية.
وترمز شخصية النائب الذي اغتيل في الفيلم (يقوم بالدور إيف مونتان) إلى النائب الديمقراطي الدكتور غريغوريس لامبراكيس الذي اغتيل عام 1963. وما يصوره الفيلم من شخصيات في السلطة، من وزير الداخلية والنائب العام ورئيس الشرطة وقائد الجيش وغيرهم، إنما قصد بها تقديم معادل درامي بشكل ساخر للشخصيات العسكرية التي كانت في السلطة باليونان وقت تصوير الفيلم.
فالانقلاب العسكري في اليونان لم يسقط إلا عام 1975 بعد فشل الجيش في التدخل لوقف العملية العسكرية التي قام بها الجيش التركي لاحتلال الجزء الشمالي من جزيرة قبرص. وتمر هذه الأيام 50 سنة على عرض فيلم “زد” (الحرف يعني في اللغة اليونانية القديمة “إنه حي”( في إشارة إلى أن الرجل الذي اغتالته يد الغدر في الفيلم لايزال حيا بأفكاره).