مسرحية عبث

“عبث” صراع فلسفي أبدي بين الماضي والحاضر

بيت الفن

“الحياة عبثية، إنها لا تبالي بما تحمله وتنجزه، فهي مستمرة دون شك، يوجد طريقان للتعايش مع هذا العبث، إما أن تصبح عبثيا غير مهتم لأي شيء كان أو سيكون، أو أن تصبح شخص عاديا تعيسا يتبخر في الهواء مثل الدخان”، من خانة فلسفة ألبير كامو في مفهوم العبثية في الحياة استقى المخرج المغربي إبراهيم أرويبعة نص مسرحيته “عبث” التي قدمتها فرقة بصمات ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته الـ 11 التي تقام بالقاهرة في الفترة ما بين 10 إلى 16 يناير الجاري.

ملامح العبث وسمات الخروج عن المنطق والمعقول بدت مسيطرة على سينوغرافيا ونص المسرحية منذ بدايتها من خلال اختيار المخرج للألوان القاتمة وتجريد الشخصيات من أي إسم ووضعهم في محل نكرة، مما يحيل على أدب العبثية الذي يكسر الوضوح ويفضل الغموض لاستفزاز المشاعر والعقول، وعلى هذا الإيقاع استدرج المخرج في تصوره الدراماتورجي المشاهد نحو التساؤل ليلقي به في حالة ضياع وتغرب نفسي عبر حوار وحركات شخصيات نكرة تحيل على صراعات واضطرابات متأثرة في حراكها بالماضي ورافضة للواقع بكل مكوناته.

وبالاعتماد على تقنية المشهدية الدرامية في الصراع بين الماضي والحاضر، طرح المخرج قضايا تبدو في ظاهرها قضايا إنسانية ووجودية وفي باطنها تحمل نقدا لاذعا للوضع السياسي والمجتمعي الراهن، فالشعور بالغربة في الزمن الحاضر مثل العقدة الرئيسية التي اشتغل عليها كاتب النص للكشف عن التناقضات بين الأمس واليوم والتأثير السلبي للتطورات المجتمع وصراعاته الطبقية “في تجريد الإنسان وتفريغه من ذاكرته ليصبح ميتا من باب أن المفصول عن ذاكرته ميت. غريب في هذا الوجود. وهو منفى ميؤوس منه، ما دام هذا الإنسان محروم من ذكريات فترة غير معروفة، أومن الأمل في أرض موعودة ويمكن أن يشكل هذا الانفصال بين الإنسان وحياته شعورا بالعبثية”.

وقال إبراهيم أرويبعة مؤلف ومخرج العرض المغربي “عبث”، إنه من الصعوبة بمكان أن يصبح الشخص مؤلفا ومخرجا في ذات الوقت، لأنه في هذه الحالة تأتي بداخله الكثير من الأفكار والأطروحات التي يود تقديمها على خشبة المسرح.

وأضاف خلال كلمته في المؤتمر الصحفي الذي أقيم صباح اليوم لصناع العمل بأحد الفنادق، ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي الذي تنظمه الهيئة العربية للمسرح بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية، أن العرض يتم تقديمه ضمن المسار الثاني بالمهرجان الذي ينافس على جائزة سلطان القاسمي، لذلك فمن الأهمية بمكان أن نُشرف بلدنا المغرب بعرضنا، وأن ينال استحسان الجميع، مشيرا إلى أن العرض قدم مؤخرا في مهرجان قرطاج بتونس، ولاقى ردود فعل نقدية وجماهيرية جيدة.

وكشف أرويبعة أنه حسم مسألة التأليف مع الإخراج من خلال الفصل التام بين الدورين حيث كتب النص بالكامل أولا، ثم بدأ بعدها مرحلة البروفات، وحول قيامه بالدورين معا، قال إنه تعاون من قبل مع أحد المؤلفين إلا أن التجربة لم تكن موفقة، لأنه مؤمن تماما بامتداد واستمرار دور المؤلف

لما بعد الانتهاء من الكتابة إلي مرحلة البروفات، وحتى اكتمال العرض في صورته النهائية ولما لم يجد من يساعده في ذلك الأمر قام هو بالتأليف وخصوصا أنه يحمل هموم وأفكار يريد طرحها من خلال أعماله الفنية.

واستطرد أنه حين يقوم بالتأليف يترك مساحات كبيرة ومرنة من أجل إبداع الممثلين، وإضافاتهم الفنية من خلال دراستهم للشخصيات المؤداة، و فهمهم ووعيهم بها، لأنه يؤمن بتكامل العناصر الفنية على خشبة المسرح كل في مجال تخصصه.

وأشار إلى مرونة التقويم المستمر للعرض من أجل تجويده، وأنه عندما تغير أحد الممثلين في العرض، يتطلب الأمر إعادة التفكير في بعض مناطق العرض بالتعديل والحذف حتى تناسب الممثل الجديد الذي يلعب الدور، وهو ما تطلب مزيدا من النقاشات حول النص وتطبيقها على العرض في مرحلة التنفيذ.

وقال يوسف العرقوبي مصمم سينوغرافيا العرض، إن هذا هو التعاون الثاني له مع مخرج العرض، وبالتالي فإن إنجاز العرض، واختصار الوقت و التوفيق ما بين الرؤى الفنية المختلفة له وللمخرج حدث بشكل سريع نتيجة هذا التفاهم وتوحد الرؤية.

وتابع قائلا: “رغم تواجد كل منا في مدينة مغربية مختلفة، حدث التواصل الدائم، والمستمر عبر وسائل الاتصال ليتخلق معملا مسرحيا صغيرا نتج من خلاله كل التصاميم المختلفة التي استقروا عليها في النهاية”.

وأكد أنه يضع نصب عينيه دوما خلال التحضير للعمل مفاهيم البعد الوظيفي، البعد الجمالي، البعد الدلالي، فهي أمورا أراهن عليها دوما في تشكيلي الفراغي والبصري، واستطرد أنه طوع فضاء المسرح في تصميمه السينوغرافي ليناسب العرض على كافة خشبات المسارح المختلفة، حيث يعتمد في تصميمه على المواد الخام للبناء من رمل و أسمنت وحجارة وهي الخامات المكونة لبناء المسرح نفسه.

وحول تحضيره للشخصية التي يلعبها قال محمد أوراغ أحد أبطال العرض أنه عاد إلي عالم المسرح من جديد من خلال هذا العرض بعد أن هجره إلي التلفزيون والسينما، لما تحويه هذه التجربة من أفكار و رؤى مهمة تغري أي ممثل.

وأضاف أنه تحمس للعمل في العرض لطبيعة الكواليس الرائعة والمريحة لكل صناع العرض، حيث يعمل المخرج معهم بطريقة مرنة جدا ويترك لهم حرية الإضافات التي تتلاءم مع الرؤية الفنية العامة، فالمخرج متفاهم وغير متسلط وهو أمر إيجابي وصحي لصالح العرض.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

إسماعيل عبد الله

مهرجان المسرح العربي يختار سلطنة عمان لاحتضان دورته الـ15

الدورة الـ14 من المهرجان المسرح العربي أقيمت في العراق وشهدت تتويج المغرب بالجائزة الكبرى… بيت …