بيت الفن
أثار منع لجنة المصنفات الأدبية والفنية بمعرض الخرطوم للكتاب توزيع رواية الكاتبة نوال السعداوي “سقوط الإمام” موجة من الغضب والانتقاد والجدل في الأوساط الثقافية المصرية.
وقال عادل المصري، رئيس اتحاد الناشرين المصريين، إن القائمين على معرض الخرطوم للكتاب تحفظوا على جميع نسخ كتاب “سقوط الإمام”، وأصدروا تعليمات إلى دور النشر المصرية بعدم بيع الكتاب داخل المعرض، كما طالبوا بإرجاع جميع النسخ مرة أخرى إلى القاهرة.
وأضاف أن القائمين على معرض الخرطوم للكتاب رأوا أن الرواية بما فيها من أفكار وألفاظ متحررة لا تتناسب مع طبيعة المجتمع السوداني، وبالتالي فإنهم قرروا منعها خوفا من إثارتها أي مشكلات مجتمعية أو ثقافية.
وتقدم رواية “سقوط الإمام” نموذجا للحاكم الفردي المستبد واستغلاله الدين في سبيل تحقيق جميع مآربه، بما فيها رغبته في أن يصبح دكتاتورا، ثم يستتر في عباءة الدين، ويخترق العديد من المحرمات الدينية والمجتمعة إلى أن يلقى نهايته المحتومة كزعيم ظل يحكم باسم الله.
وتركز السعداوي في نصها على مسألة التعامل مع المرأة المضطهدة والمقهورة والفاقدة لأبسط حقوقها المجتمعية والقانونية، وكيفية استغلال الرجل العربي القوي لذلك الضعف، سواء تم ذلك من قبل الإمام الحاكم مطلق السلطة، أو الأب القاهر، أو الزوج “المفتري”.
وذهب البعض من السياسيين إلى أن الرواية كانت تمثل إسقاطا سياسيا على الرئيس الراحل أنور السادات وعهده وتاريخه ومعاونيه، وهو ما لم تنفه السعداوي بشكل قاطع، إذ قالت في تصريحات سابقة لها إن الرواية تتناول قصة “رئيس في بلد ما يتقمص شخصية الإله وهو مستبد، ويحكم الشعب بقبضة من حديد ويتم اغتياله في لحظة احتفاله بعيد نصره”، لكنها نفت أن تكون روايتها متعارضة مع الإسلام.
وقال العديد من المثقفين إن ما حدث في معرض الخرطوم ليس جديدا، فهو يتكرر بشكل شبه دوري في أغلب الفعاليات العربية، ويرجع إلى رقابة غالبية البلدان الصارمة على المطبوعات بشكل عام.
وأكد محمد رشاد رئيس اتحاد الناشرين العرب، أن الكتاب العربي يواجه أكثر من 20 رقيبا تابعين لجهات مختلفة على مستوى العالم العربي، وهناك العديد من الكتب يُسمح بتداولها في بعض البلدان وحظرها في أخرى، من دون وجود معايير واضحة تجري على أساسها مسألة المنع أو المصادرة.
وعقد الاتحاد العام الماضي مؤتمرا بالإسكندرية لبحث أسباب تزايد آليات الرقابة على الكتب، وأوصى المؤتمر بضرورة أن تكون هناك بنود واضحة ومحددة بالنسبة لمعارض الكتب على مستوى العالم العربي تقوم على أساسها بمنع الكتاب أو السماح به.
ورغم أن رشاد أحد المعارضين لوجود أي نوع من الرقابة على الأعمال الإبداعية، إلا أنه يرى ضرورة أن يكون هناك نوع من الضوابط لمسألة النشر في ظل الأوضاع الأمنية والمجتمعية المتردية التي تعانيها بعض بلدان المنطقة العربية.
مسألة مصادرة الكتب تأخذ أبعادا أخرى ترتبط بالفشل العام في مسألة التثقيف الجيد للشعوب، وعدم القدرة على مواجهة الفكر بفكر آخر يفند ما يتم نشره من أفكار يرى البعض أنها لا تتناسب مع قيم وعادات وتقاليد المجتمعات العربية.
وشدد مثقفون على الحاجة إلى تغيير ضروري للآليات التي تستخدمها الجهات الرقابية في التعامل مع محتويات النشر الورقية بعد أن أصبح الهدف المرجو من المصادرة لا يتحقق في ظل إتاحة جميع الدوريات بشكل ميسر على الإنترنت، وبالتالي فإن الذهاب نحو التثقيف الجيد للشعوب بدلا من المنع قد يحقق المعادلة التي تفشل الحكومات في تطبيقها.
وشدد رشاد على أهمية وجود توافق عربي حول مسألة المعايير المنظمة لنشر الكتب الروائية، وأن تكون بعيدة عن القوانين المقيدة للحريات التي مازالت موجودة في بعض البلدان، على ألا تتعارض مع الثوابت المتفق عليها من الجميع، وأن تكون ملزمة للناشر والمؤلف والقارئ والحكومات أيضا، بحيث لا تتداخل بشكل كبير في التأثير على حرية الإبداع.
ولفت الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة المصري الأسبق إلى جانب آخر في قضية منع السودان لهذا الكتاب وهو البعد السياسي، وقال إن السودان له ظروف مختلفة عن باقي البلدان العربية، وإن لجوءه إلى المصادرة يعد أمر طبيعيا وليس مستغربا بسبب توغل التنظيمات الإسلامية داخل المجتمع بشكل عام، وأن تلك التنظيمات غالبا ما ترتكن إلى المنع في مواجهة الأفكار المخالفة لها.
يذكر أن “سقوط الإمام”، صدرت لأول مرة في عام 1987، عن دار “المستقبل العربي”، وترجمت إلى 24 لغة، وهي الرواية نفسها التي كانت قد فجرت أزمات سابقة بين المثقفين المصريين والمؤسسات الدينية في عام 2010 حينما طالب مجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر برئاسة الشيخ سيد طنطاوي آنذاك بمنع تداولها ورأى أنها “تتعارض مع ثوابت الإسلام”.