“بيت الأعالي” يمثل المغرب في مهرجان قازان الدولي للسينما بروسيا

اختيار “بيت الأعالي” للمشاركة في المسابقة الرسمية (عرض عالمي أول) يعود إلى كونه فيلم يتماشى مع توجه المهرجان الذي يحرص على اختيار أفلام تعكس القيم الإنسانية والدينية والتقاليد الحضارية وأفكار حفظ السلام والتسامح الديني والإنسانية…

بيت الفن

اختار منظمو مهرجان قازان الدولي للسينما الفيلم المغربي القصير La maison d’en haut “بيت الأعالي” لمخرجه محمد كارة، للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الـ20 التي ستقام في عاصمة جمهورية تتارستان الروسية خلال الفترة من 4 إلى 10 شتنبر 2025.

وحسب المنظمين فإن اختيار الفيلم المغربي للمشاركة في المسابقة الرسمية للفيلم القصير (عرض عالمي أول)، يعود إلى كونه فيلم يتماشى مع توجه المهرجان، الذي يحرص على اختيار أفلام تعكس القيم الإنسانية والدينية والتقاليد الحضارية وأفكار حفظ السلام والتسامح الديني والإنسانية.

ومن المرتقب أن يشارك “بيت الأعالي” (21 دقيقة) وهو إنتاج مغربي صرف لشركة “رحاب برود” (2025)، في مسابقات سينمائية دولية أخرى على ضوء نتائج الفرز، فضلا عن بعض المهرجانات الوطنية،

Screenshot

ويستند الفيلم على سيناريو للكاتب والناقد السينمائي حميد عزيزي، وهو ناطق باللغة الأمازيغية، بما يتماشى والبيئة التي تجري فيها أحداث الفيلم، وهي قرية من قرى الأطلس المتوسط بإقليم بني ملال، والتي استثمر الكاتب فضاءها الطبيعي والانساني لتقديم قصة بصبغة محلية بأبعاد إنسانية كونية، تناول من خلالها مسألة الذكورة والأنوثة كبناء اجتماعي وصفات مرتبطة بالقيم والثقافة والمعتقدات السائدة في المجتمع، ليؤكد بصيغة ضمنية المقولة الشهيرة للمفكرة سيمون دي بوفوار: “لا نولد نساء وإنما نصير كذلك”.

هي معالجة تتوارى في خلفية الفيلم، بحيث لم تتم صياغتها طبعا بشكل مدرسي، بل بلورها الكاتب وفق صيغ أسلوبية وفنية مختلفة تتوحد فيها الوظيفة الاجتماعية بالوظيفة الجمالية، تحاكي الواقع عبر تكثيفه وترميزه، من خلال شخصيات يتحكم في تحديد أفعالها وسلوكها، أوساطها الاجتماعية ونظرتها للعالم والأشياء تبعا لسنها وتجربتها وملامح صفاتها الشخصية والنفسية، فضلا عن تفاعلها مع بعضها.

في مقدمة الشريط تطالعنا طفلة مراهقة منشغلة بصباغة الصوف، وتحاور في الآن نفسه صديقة والدتها الجالسة وراء “النول” أو المنسج التقليدي تعد مفروشا تقليديا، حيث تخبر الطفلة هذه الأخيرة، بأنها ستقوم ببيع الصوف بما يساعدها على شق مسلك طرقي في اتجاه الطريق الرئيسي للقرية لفك العزلة عن بيتهم، فيأتيها رد السيدة: “كيف لك القيام بمهمة لم يقوى عليها حتى الرجال؟”. فتجيبها الطفلة بسؤال استنكاري، وما الذي يجعل الرجال يتميزون عنا؟ وتستأنف ساخرة كما يتبدى من طريقة كلامها، “نحن النساء، نقوم بالكثير من المهمات.”!

وتعلق السيدة على كلام الطفلة هي أيضا بشكل ساخر، “هيه، “أنت مجرد امرأة”، معززة قولها بمأثور الثقافة الشعبية الراسخ في الثقافة السائدة: “النعجة حتى وإن لبست جلد النمر، فإنها تظل مسكونة بغريزة الخوف من الذئب”. بمعنى أن المرأة تظل دائما عاجزة عن القيام بأدوار الرجل.

تكريس هذه المفاضلة، لم يكن ليتساوق مع الوعي الحسي للطفلة المتمردة، والتي اعتادت تحمل أعباء منزلية ثقيلة، كجمع الحطب من وسط طبيعي يتسم بالوعورة وفي ظروف مناخية جد قاسية، إلى غسل الصوف وصباغته وهلم جرا من أدوار لا يقوم بها أقرانها الأطفال الذكور، الذين يقضون جل وقتهم يمرحون ويلعبون، أو  يستمتعون بتجاذب أطراف الحديث مع جدهم الكفيف الذي يقص عليهم أحيانا حكايات يستمدها من تجربته المعاشية، والتي لا تتردد الفتاة أن تسترق السمع لها أحيانا، ومن ضمنها حكاية ، كانت  ملهمة ومحفزة لها لخوض مغامرة حاولت من خلالها، القيام بما عجز عنه الرجال، نختزلها كالتالي:

طفل صغير يسأل جده العجوز، الكفيف “جدي، لماذا ليس بمستطاع أيا كان بلوغ ذلك البيت المتواجد في الأعالي؟ فيجيبه الجد: لم يعد هناك رجال يمتلكون الجرأة والشجاعة للوصول إلى تلك القمة، من كان بمقدورهم ذلك، رحلوا عن القرية وغابوا”.

Screenshot

يعاود الطفل في تساؤل استنكاري، “لكن في القرية هناك الكثير من الرجال”، ويرد عليه الجد، هم رجال ليسوا ككل الرجال، إنهم لا يشبهون الآخرين”، وهو ما لم يستوعبه الطفل، ليعبر عن آسفه للجد، بكونه لم يعرفه معنى الرجولة، غير أن هذا الأخير، سيعاود على مسامع الطفل توضيحا لم يستطع تمثل مغزاه، “فالذي يعرف يتوجب عليه الفعل، وإن لم يفعل، لا يعد رجلا، وإن كان لا يعرف، نقوم بسل أذنيه”، يقول الجد.

الفتاة الصغيرة المتمردة، والتي لم تعد تقبل القواعد الاجتماعية النمطية التي تنتقص من المرأة وأدوارها وترفع من شأن الرجل والقيم الذكورية، بناء على قول الجد، تقرر أن تفعل، بالتخلص من هذا العبء النفسي الثقيل عبر إفراغه أناء الليل على سقف البيت المتواجد في قمة الجبل، من خلال خوضها مغامرة الوصول إلى هذا المكان الذي لم يبلغه إلا رجال شجعان، وخلال الرحلة تنتابها حالة من الرعب والخوف، فتحاول أن تكون مسترجلة وفي اللحظة ذاتها تتمرد على هذا القالب من أجل إثبات ذاتها.

لكن ماذا سيكون موقف الآخرين وهي لم تعلن عن استئثارها وانفرادها بهذه المغامرة؟

ولتتساوق الحكاية مع الفضاء المتخيل في السيناريو، حاول المخرج البحث عن الفضاء الطبيعي الملائم للقصة، وبعد جهد جهيد، سيعثر في ضواحي دائرة القصيبة على مختلف عناصر الديكور المطلوبة، تمثل في بيت مقام فوق تلة وعند منحدرها قطعة أرض منبسطة، تستغلها العائلة لبعض أنشطتها المنزلية، وفي الجهة المقابلة للتلة جبل شاهق يتمدد كلوح طويل يتسم بتدرجات حادة وفواصل أفقية متكررة وصخور جرانيتيه لا يمكن تسلقها إلا من طرف المحترفين المختصين، وعلى قمته يبرز بيت مهجور صممه فنان الديكور الراحل إدريس صولاحي .

معطيات الديكور الخارجي، وفرت للمخرج التنقل بانسيابية من ضفة إلى أخرى وفق زوايا متعددة تمتد وتتقلص، لتغطية مختلف المساحات الكبيرة من خلال لقطات بانورامية أفقية وعمودية، أولا لتغطية شاملة للمكان والفضاء المفتوح (زاوية من 360 درجة والواسعة 180 درجة، ثم الضيقة 90 درجة لتغطية المساحات الصغيرة والتقاط التفاصيل الدقيقة، والتي تتقلص زواياها إلى أقل من ذلك كلما كان الأمر يحتاج إلى تركيز أكثر).

وثانيا بجعل المشاهد جزءا من الحدث  بإدماجه في قلب المشهد، ليكتشف التعرجات، المسارات، المنحدرات أو  العكس، خاصة هندسة المكان الذي يحيل إلى هندسة اجتماعية، حيث يحتل فيه الذكور  المنطقة العلوية للتلة التي يقع في خلفيتها بيت العائلة، وفي أسفلها الأرض المنبسطة التي تحتلها النساء، وفي ثنايا ذلك، تنسج حركة الكاميرا سرديتها المتسمة بالواقعية والتقاطها للتفاصيل التي تساعد في بناء حبكة الفيلم، كما ترسم في الآن ذاته، درجة المسافة بين الشخوص ومستوى علاقة التفاعل فيما بينهم، وتبين المهيمن منهم والمهيمن عليه، خاصة البطلة حتى وإن احتلت في كثير من الأحيان الموقع السفلي فإن مستوى نظراتها وملامحها وحوارها يجعلنها في موقع الهيمنة، وتظهر شبه كاملة، باستثناء المشهد الداخلي في غرفتها الذي هيمنت عليه اللقطات المكبرة وبالأخص حين كانت تستوي جالسة أمام المرآة، استثمر  خلالها المخرج عناصر جمالية باعتماد الكادر داخل الكاد (كادر النافذة وكادر الكاميرا)، ثم الخلفية المتمثلة في جدار بدون طلاء يبرز أشكال اسمنتية على ضوء إنارة خافتة تقوي الإحساس بالعزلة والانقباض والتوتر والحميمية، ليصبح المكان امتدادا للشخصية وهي في حالة توثر وهي تستعد لخوض المغامرة، فتسعى لتكون مسترجلة لتلوح صورتها على المرآة في هيئة شاب بلحية وشارب مجسدة في شكلها الواقعي، ثم ما تلبث أن تثور ضد هذه الصورة الراسخة في لا وعيها أمامها، تتخلص منها لأجل اتباث ذاتها الأنثوية كما هي وكما تريد، ومع ذلك سيظل هذا الصراع الداخلي ملازما لها، محاولة مقاومته في مسار رحلة ليلية وسط غابة موحشة ومسارب جبلية وعرة تثير الخوف والرعب، وستتغلب عليها حين الصعود إلى قمة الجبل واقتحامها للبيت المهجور، وهو ما سيمنحها الإحساس بالنشوة والانتصار، خصوصا حين أبلغ الطفل جده، أن أحدا ما استطاع تسلق الجبل والولوج إلى البيت العلوي وإشعال النار، وهنا يعلق الجد، آه ..إذا ، في القرية لازال لدينا رجال!.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

لبنى أزبال تعود إلى مهرجان “كان” لرئاسة لجنة تحكيم مسابقة الفيلم القصير

ممثلة مغربية بلجيكية من أم إسبانية تألقت في أفلام تركت صدى طيبا في أهم تظاهرة …