الطاهر الطويل يرصد سبعة قرون من عمر مكتبة القرويين في فاس

كتاب جديد يتناول نشأة مكتبة القرويين في مدينة فاس وتطورها عبر العصور ويسلط الضوء على دورها في الحفاظ على التراث العلمي والمعرفي باعتبارها واحدة من أعرق المكتبات في العالم الإسلامي…

بيت الفن

ضمن منشورات معهد الشارقة للتراث بالإمارات العربية المتحدة، صدر حديثا كتاب “مكتبة القرويين في فاس” للكاتب والإعلامي الطاهر الطويل، يتناول نشأة المكتبة وتطورها عبر العصور، ويسلط الضوء على دورها في الحفاظ على التراث العلمي والمعرفي، باعتبارها واحدة من أعرق المكتبات في العالم الإسلامي.

ويعرض المؤلف السياق التاريخي لنشأة مكتبة القرويين، مبينا علاقتها الوثيقة بجامع القرويين الذي أسسته فاطمة الفهرية في القرن التاسع الميلادي. كما يتتبع مسار التحولات التي طرأت على هذه المعلمة الثقافية من مكتبة ملحقة بمسجد إلى مؤسسة أكاديمية تحتضن أمهات الكتب والمخطوطات النادرة.

يستعرض الكتاب التنوع الغني لمحتويات المكتبة، التي تشمل مجالات متعددة مثل الفقه والحديث والتفسير والطب والرياضيات والفلك والأدب والفلسفة والتاريخ، مما يجعلها كنزا معرفيا لا يقدر بثمن. كما يتناول بالدراسة أنواع المخطوطات التي تضمها المكتبة، والتي تعكس تأثيرات ثقافية متباينة من المشرق والأندلس والمغرب الكبير. ولم تقتصر أهمية مكتبة القرويين على احتضان المخطوطات، بل كانت على الدوام فضاء علميا استقطب العلماء والطلاب من مختلف الأقطار، وأسهم في نقل العلوم والمعارف عبر الأجيال.

ويتوقف الكاتب عند جهود الترميم والتحديث التي عرفتها المكتبة، خاصة خلال العصور الحديثة، حيث شهدت عمليات فهرسة ورقمنة لعدد من مخطوطاتها، بالإضافة إلى توفير وسائل حديثة للقراءة والبحث الأكاديمي. كما يعرض الكتاب بعض التحديات التي تواجه المكتبة في العصر الرقمي، خاصة في ما يتعلق بصيانة المخطوطات الثمينة وحمايتها من التلف، إلى جانب ضرورة تعزيز دورها في البحث العلمي.

بأسلوب تحليلي وتوثيقي، يقدم الطاهر الطويل على امتداد 96 صفحة من الكتاب، قراءة عميقة لهذه المعلمة الثقافية التي ظلت صامدة في وجه التحولات التاريخية، مؤكدا ضرورة الحفاظ عليها باعتبارها ذاكرة علمية للإنسانية، ورافدا حضاريا يغني الهوية الثقافية المغربية الإسلامية.

وحسب ما ورد في مقدمة الكتاب فإن المكتبات تبوأت موقعا مميزا في النسيج الثقافي والاجتماعي بالمغرب الأقصى منذ قرون عديدة، وساهمت في تعزيز الإشعاع الحضاري لهذا البلد، إقليميا وعربيا وعالميا.

وعلى الرغم من عوامل المنافسة المغْرية التي تقدمها وسائط الاتصال الحديثة في مجال نقل المعرفة ورواجها بأشكال مختلفة، فإن المكتبات العامة والخاصة ما زالت ـ في المغرب كما في بلدان كثيرة ـ تنهض بأدوار طلائعية في ميادين البحث المختلفة، وما زالت تستهوي الباحثين والمهتمين والطلبة الذين يرتادونها لإنجاز بحوثهم ودراساتهم.

في هذا الإطار، تتبدى “مكتبة القرويين” بمدينة فاس كإحدى المنارات العلمية الشامخة التي بقيتْ أبوابها مشرعة، منذ تأسيسها قبل سبعة قرون ونيف، في وجه كل الراغبين في النهل مما تحفل به من كتب متنوعة ومخطوطات نفيسة. وبالنظر إلى قيمتها التاريخية والمعرفية ورمزيتها الحضارية، فإن تلك المكتبة تعَـد أحد الفضاءات المهمة التي يقصدها الزائر الوافد على مدينة فاس من داخل المغرب أو خارجه، بجانب المعالم التاريخية الأخرى التي تزخر بها المدينة العتيقة للمدينة الموسومة بـ”العاصمة العلمية للمغرب”.

ومن هنا، يحق للمرء أن يتساءل: ما هي العوامل التي ساهمت في تأسيس مكتبة القرويين بمدينة فاس؟ وما الذي ضَمِنَ لهذه المكتبة الاستمرار والتطور؟ وكيف هي حالتها الراهنة؟ وما هي الجهود المبذولة من أجل الحفاظ على ديمومة الخدمات العلمية التي تقوم بها، وفق شروط الجودة والفعالية والنجاعة المطلوبة؟

الكتاب الذي أضعه بين أيديكم الكريمة محاولةٌ للإجابة على هذه الأسئلة، من خلال اقتراح رحلة فكرية تربط الماضي بالحاضر، متوسلا في ذلك بتوليفة منهجية تجمع بين صرامة منهج البحث التاريخي وموضوعية المنهج الوصفي وجاذبية التحقيق الصحفي، باعتبار الأول يشترط التسلح بالثقافة اللازمة لموضوع البحث وجمع الأصول والمصادر والتأكد من صحتها وتحديد العلاقات بينها، في حين يتطلب الثاني (المنهج الوصفي) اعتماد الاستكشاف وتلخيص التراث موضوع البحث وتشخيصه ووصفه وتحليله بالاستناد إلى ذوي الخبرة العلمية والعملية، كما يستلزم التحقيق الصحافي الاعتماد على مصدر المعلومة والاتصال المباشر والمعاينة والبحث الميداني؛ وهو ما وقع فعلا، حيث قمت بزيارة ميدانية لمكتبة القرويين، واطلعت على كل أقسامها، والتقطت صورا لأهم أجنحتها، ولم أجد من إدارتها سوى الترحيب والمساعدة.

عن بيت الفن

شاهد أيضاً

أبو الخير الناصري ينشر مختارات من يومياته “تحت شمس الله”

أبو الخير الناصري: مختارات من يومياتي. تضم شذرات من حياتي، وآرائي، ونظراتي، وهي لا تنفك …