ما أثار غضبي بعد مشاهدة الكارثة المصورة هو كلفة الدعم العمومي المقدم لهذا “الشرويط” الهاوي (100 مليون) برسم الدورة الأولى للجنة الدعم لسنة 2024…
هشام الودغيري*
بدأت تتساقط أوراق لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية برسم سنتي 2023 و2024. بكارثة ما سمي بـ”وثائقي سينمائي”، وما هو سوى “شرويط” قصير، لهواة تصوير فيديو يومي العطلة الأسبوعية.
بخربشة عرض مدرسي من مستوى المتوسط الثاني، تم بسط فكرة صياد بحر تقليدي وتفاعله مع ظواهر تقلبات البحر من قبيل المد والجزر وخلافهما، مع عرض مصطلحاتها باللغة الدارجة الحسانية، بالإضافة إلى حشو السيناريو بعرمرم من الموضوعات الثانوية التي لا تفيد إلا في إغراق الطرح/الفكرة، وفي إقصاء المشروع جملة وتفصيلا (سيناريو فاطمة الزهراء موهيم).
وانطلاقا من ورق هش، تم إنتاج شرويط “آمرز” في غياب تام لتصور فني أو إخراجي ينقذ الورق، ولو بأسلوب معالجة تقريرية، حيث أتى المعروض مجرد “سرد راديوفوني” سطحي عن مصطلحات الدارجة الحسانية بخصوص ظواهر وأوقات وأحوال المد والجزر البحري، وما يتعلق بهما من أحوال جوية، وذلك في قالب حواري بين عجوز وكهل (حتى ثنائية حكاية المعلم الشيخ والمتدرب الكهل، لم يتم القبض عليها، لا ورقا ولا سردا ولا مونتاجا) على جلسة شاي صحراوي رتيبة بشاطئ مدينة بوجدور الطبيعي (إخراج هشام إبراهيمي).
ما أثار غضبي، بعد مشاهدة الكارثة المصورة، هو كلفة الدعم العمومي المقدم لهذا “الشرويط” الهاوي، (100 مليون سنتيم) كتسبيق على المداخيل في فئة “الفيلم الوثائقي حول الثقافة والتاريخ والمجال الصحراوي الحساني” بالدورة الأولى للجنة الدعم لسنة 2024.
ولسابق خبرة، أجزم بالتأكيد المطلق بكون ما شاهدته يوم الجمعة 11 أبريل 2025 بقاعة “الخزانة السينمائية المغربية” بالرباط، هو مجرد “شرويط” هاوي لا تتعدى تكلفة إنتاجه ربع الميزانية الممنوحة، وبورق مدرسي مبتدئ، وبعملية إخراجية هاوية بعيدة حتى عن المدرسي الهاوي.
تساؤلي الآن كبير، ممزوج بقلق، حامل لهم سينمائي/ثقافي، حول آليات صرف المال العام لمشاريع لا ترق لأدنى الشروط المهنية والفنية، كما هو الحال بالنسبة لمكونات اللجان السابقة، التي أصبح متاحا ومشروعا اليوم، الحكم على تقييماتها لمشاريع الأفلام (المنتجة منها وغير المنتجة) والتصريح بعدم درايتها في قراءة السيناريوهات، وقصور تقييم كلفة دعمها كمشاريع إنتاجية، فضلا على غياب فرضية انخراطها في سيرورة بناء فيلموغرافية مغربية حريصة على مبدأ “نصرة وإشعاع الهوية الوطنية” جودة وتميزا، أولا وأخيرا (وبحوزتي عدة أنموذجات).
وفي حديث آخر:
كان أملي كبيرا في “لجنة دعم إنتاج الأعمال السينمائية” الحالية، بأن تكون محطة قطيعة مفصلية مع ما سبق من “الكوارث” المدعومة من المال العام، وأن تكون في مستوى تطلعات الرؤية السياسية الجديدة التي ينهجها وزير القطاع (على اختلافي المنهجي سياسيا معه، فهو يميني وأنا يساري)، بغية مسايرة توجهاته النبيلة والواعدة (ظاهريا)، لكنه بدأ يخيب أملي بعد قراءتي لأول أسطر مواضيع الدعم ببلاغ اللجنة الحالية، حيث كانت مفاجأتي كبيرة بخصوص:
-منح وثائقي “جوك الأخير في الملاح” Jauk le dernier du mellah لحسن بنجلون، وهو مجرد “شرويط” صور لا يرقى حتى للعمل التلفزي الجاد (سيناريوها، تصورا، إخراجا وإنتاجا)، وقد تم تمتيعه (بهتانا) بمبلغ 50 مليون سنتيم دعم ما بعد الإنتاج. الشرويط هذا الذي لم يلق أي انتباه يذكر خلال المهرجان الوطني للفيلم 24 الأخير، هو إنتاج مشترك مع القناة الثانية 2M ، لذا لا حاجة لدعمه، خصوصا وهو بعيد كل البعد عن السينما.
-منح الشريط القصير “على قبر أبي – Sur la tombe de mon père” لجواهين زنتار، وهو عمل كلاسيكي يكرس النظرة الكولونيالية، وسبق له أن حاز على الجائزة الكبرى بالدورة 23 للمهرجان الوطني للفيلم، وكونه عمل قديم يعود إنتاجه لسنة2021، وتم عرضه على القناة الثالثة الفرنسية France3 بداية سنة 2023، وعليه لا حاجة لدعمه مرة أخرى، خصوصا وقد استهلك في المهرجانات، وحاز على العديد من التمويلات والجوائز المالية، كما تقادم عمرا وموضوعا.
وبنظري، كان لهذان المبلغان أن يمنحا لما هو أجود وثائقيا وسينمائيا، وما هو وطني وجديد وإبداعي في القصير.
*خبير إعلامي وفني وسينمائي